الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

شريح الكندي.. قاضي الخلفاء

11 يونيو 2015 22:55
أحمد مراد (القاهرة) كان القاضي شريح بن الحارث الكندي، من أصحاب الفضل، وكان الناس يقدرون له خلقه الرفيع، وعمق تجربته في الحياة.. هو رجل يمني، قضى شطرا من حياته في الجاهلية، فلما أشرق نور الإسلام كان شريح من أوائل المؤمنين بالله ورسوله، لذلك يعده المؤرخون من أوائل التابعين، ولم يعتبروه صحابيا، حيث لم ينتقل من اليمن إلى المدينة إلا بعد أن توفي الله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره. الفرس المعطوب ويروى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشترى فرساً من رجل من الأعراب، وأعطاه ثمنه، ثم امتطى صهوته ومشى به، لكنه ما كاد يبتعد بالفرس قليلا، حتى ظهر فيه عطب عاقه عن مواصلة الجري، فانثنى به عائداً من حيث انطلق، وقال للرجل: خذ فرسك فإنه معطوب، فقال الرجل: لا آخذه يا أمير المؤمنين، وقد بعته منك سليماً صحيحاً، فقال عمر: اجعل بيني وبينك حكماً، قال الرجل: يحكم بيننا شريح، فقال عمر: رضيت به، فلما سمع شريح مقالة الأعرابي التفت إلى عمر بن الخطاب، وقال: يا أمير المؤمنين، هل أخذت الفرس سليماً؟ فقال عمر: نعم، قال شريح: احتفظ بما اشتريت يا أمير المؤمنين، أو رد كما أخذت، نظر عمر إلى شريح معجباً، وقال: وهل القضاء إلا هكذا؟ سر إلى الكوفة، فقد وليتك قضاءها. القضاء وظل القاضي شريح يقضي بين المسلمين ستين عاماً، لشدة ورعه، وحرصه على إنفاذ أمر الله، وتوخيه العدالة، فقد تعاقب على إقراره في منصبه عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان،، وقد عاش سبع سنوات بعد المئة الأولى للهجرة حياة مديدة رشيدة، حافلة بالمفاخر والمآسي. ويروى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه افتقد درعا كانت غالية عليه، وقد وجد الدرع في يد رجل من أهل الكتاب يبيعها في سوق الكوفة، فلما رآها عرفها، وقال: هذه درعي سقطت عن جمل لي، فقال الذمي: بل هي درعي، وفي يدي يا أمير المؤمنين، فقال علي رضي الله عنه: إنما هي درعي لم أبعها لأحد حتى تصير إليك، فقال الذمي: بيني وبينك قاضي المسلمين، فقال علي: أنصفت، ولما صارا في مجلس القضاء، قال شريح لعلي رضي الله عنه: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ قال: لقد وجدت درعي هذه مع هذا الرجل، وقد سقطت مني في ليلة كذا، وفي مكان كذا، وهي لم تصل إليه لا ببيع ولا بهبة، قال شريح للذمي: وما تقول أنت أيها الرجل؟، فقال: الدرع درعي، وهي في يدي، فالتفت شريح إلى علي، وقال: لا ريب عندي بأنك صادق يا أمير المؤمنين لكن لابد لك من شاهدين يشهدان على صحة ما ادعيت، فقال علي: ولدي يشهدان لي، فقال شريح: ولكن شهادة الابن لأبيه لا تجوز يا أمير المؤمنين، فقال علي: يا سبحان الله! رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته، أما سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة». قال شريح: بلى يا أمير المؤمنين، غير أني لا أجيز شهادة الولد لوالده، عند ذلك التفت علي إلى الذمي، وقال: خذها فليس عندي شاهد غيرهما، فقال الذمي: ولكني أشهد بأن الدرع لك يا أمير المؤمنين، ثم أردف قائلا: أمير المؤمنين، يقاضيني أمام قاضيه، وقاضيه يقضي لي عليه، أشهد أن هذا الدين الذي يأمر بهذا لحق، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأسلم، فقال له علي رضي الله عنه: أما وأنك قد أسلمت، فإني قد وهبتها لك، ووهبت لك معها هذا الفرس. استشارة الوالد قال له ابنه: يا أبت، إن بيني وبين قوم خصومة، فإن كان الحق لي قاضيتهم، وإن كان لهم صالحتهم سلفا، فلما مثلوا بين يدي شريح قضى على ولده، فلما رجع شريح وابنه، قال الابن: فضحتني يا أبت، واللهِ لو لم أستشرك من قبل لما لمتك، فقال شريح: يا بني، والله لأنت أحب إلي من ملء الأرض من أمثالهم، ولكن الله عز وجل أعز علي منك، أخبرك بأن الحق لهم فتصالحهم صلحاً يفوت عليهم بعض حقهم. كانت الشكوك تساور شريح في بعض الشهود، غير أنه لا يجد سبيلاً لدفع شهادتهم لما توافر من شروط العدالة، فكان يقول لهم قبل أن يدلوا بشهادتهم: اسمعوا مني هداكم الله، إنما يقضي على الرجل أنتم، وإني لأتقي النار بكم، أنتم مسؤولون، وأنتم باتقائها أولى، وإن في وسعكم الآن أن تدعوا الشهادة وتنصرفوا، فإذا أصروا على الشهادة، التفت إلى الذي يشهدون له، وقال: اعلم يا هذا، أنني أقضي لك بشهادتهم، وإني لأرى أنك ظالم، ولكني لست أقضي بالظن، إنما أقضي بشهادة الشهود، وإن قضائي لا يحل لك شيئاً حرمه الله عليك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©