الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«إرث منسي» يؤكد وصول الإسلام إلى الولايات المتحدة في عصر الأندلس

«إرث منسي» يؤكد وصول الإسلام إلى الولايات المتحدة في عصر الأندلس
5 سبتمبر 2010 23:16
يقدم كتاب “المسلمون في التاريخ الأميركي: إرث منسي”، لمؤلفه جيرالد ف. ديركس صورة شاملة ومتوازنة لتاريخ المسلمين في الولايات المتحدة بشكل خاص والأميركيين بشكل عام، ويعود إلى بدايات الإسهام الإسلامي في اكتشاف الأميركتين، فيرجع بذلك إلى ما قبل كولومبس، ويؤرخ لاستمرار الحضور الإسلامي من خلال الأفارقة والمستعبدين لعدة قرون، وينتهي إلى العصر الحديث حيث يبرز المشهد الإسلامي في الولايات المتحدة بأفراده وتنظيماته ومشكلاته، معتمداً في ذلك على مصادر عديدة وموثوقة، ما يجعل من كتابه مرجعاً مهماً لمن يريد التعرف على إسهامات إسلامية يقل من يعرفها ومجتمعات إسلامية يجدر بالجميع أن يعرفوها. يسعى المؤلف جيرالد ف. ديركس من وراء كتابه "المسلمون في التاريخ الأميركي: إرث منسي" إلى تحقيق عدة أهداف يأتي على رأسها توسيع فهم الجمهور الأميركي (كونه أميركياً ويعمل مدرساً في إحدى جامعات أميركا) للدور الأساسي الذي لعبه المسلمون عبر التاريخ الأميركي، خاصة أن تاريخ الإسلام في أميركا هو للأسف حكاية منسية إلى حد كبير، موروث يمكن إعادة تركيبه فقط عبر بحث متأن ومن خلال عملية نخل لتفاصيل تاريخية وأثرية كثيراً ما تتعرض للتجاهل. قطع متناثرة يقول ديركس إن الصورة التي تتجلى أمامنا من بين القطع المتناثرة توحي بتاريخ مركب من العلاقات الداخلية المتكررة بين المسلمين والأميركيين، علاقات تمتد زمنياً إلى نهاية القرن التاسع حين قامت أول رحلة موثقة من الأندلس المسلمة إلى الأميركتين. ولم يتوقف الاتصال الإسلامي بأميركا لقرون عديدة ومنذ ذلك الحين، إلى رحلة كولومبس والاستكشاف الإسباني للأميركتين، حيث أبحر المسلمون مع كولومبس وكانوا جزءاً أساسياً من الاستكشاف الإسباني فيما بعد، ومع ذلك فإن التواريخ المعاصرة قلما تهتم بالإشارة إلى أن الكثير من أولئك المستكشفين "الإسبان" كانوا مسلمين من أصول عربية وبربرية، بيد أن المسلمين سواء كانوا مستكشفين أو تجاراً أو مستوطنين لم يكونوا وحدهم الذين جاؤوا بالإسلام إلى أميركا. ويشير المؤلف إلى أن معدل الحضور الإسلامي في أميركا ارتفع على نحو استثنائي مع جرائم الاتجار بالعبيد ما بين إفريقيا وأميركا، ابتداء من أوائل القرن السادس عشر وحتى أوائل القرن التاسع عشر، حين استطاعت تجارة العبيد الإلقاء بملايين الأفارقة المسلمين في قيود العبودية على الشواطئ الأميركية، ومن بين تلك الملايين من المسلمين المستعبدين الذين سجنوا وعذبوا على التراب الأميركي، ربما يكون الأشهر هو كونتاكنتي، الذي كان من مسلمي الماندنيكا الذين خلدهم أليكس هيلي في روايته "الجذور". طقس كنسي يوضح ديركس أن أولئك المسلمين المستعبدين تعرضوا في معظم الوقت لاضطهاد شديد بسبب دينهم ومنعوا من نقل ذلك الدين إلى أولادهم، ومع ذلك فإن بقايا من العقيدة الإسلامية ظلت حية تنتقل من جيل إلى جيل بين أحفادهم من الأفارقة الأميركان، بل إن من تلك البقايا الإسلامية ما انعكس على الأقل في طقس كنسي تطور لاحقاً وهو ما تنفرد به الديانة المسيحية في صورتها الإفريقية الأميركية. ويلفت إلى أن كثيراً من تلك المجموعات الإسلامية ممن سبقوا كولومبس من مستكشفين وتجار ومستوطنين "إسبان" وعبيد أفارقة، تبدو وقد اتصلت في الغالب من خلال التزاوج مع قبائل الهنود الأميركيين وفي بعض الأحيان امتصت في تلك القبائل، في حين أن القليل من الطقوس والمعتقدات الدينية الإسلامية استمر عند أولئك الهنود الأميركيين الذين عرف أجدادهم لإسهامات الإسلامية، فإن عدداً من الكلمات التركية والعربية والماندينكاوية صارت جزءاً من مفردات لغة هندية أميركية متنوعة. ويؤكد المؤلف أنه من السهل التعرف على بعض الأسماء الإسلامية التي بقيت عند الهنود من قبيلة الشيروكي حتى القرن التاسع عشر، هذا القرن الذي شهد أول موجة من الهجرات الإسلامية الحديثة إلى الولايات المتحدة قادمة من الولايات العربية ضمن الامبراطورية العثمانية، وأولئك المهاجرون كانوا من مناطق صارت فيما بعد دولاً حديثة عرفت بسوريا ولبنان والأردن إلى آخر ذلك، ثم تتالت الموجات من المهاجرين المسلمين من الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية، وأماكن أخرى طوال معظم سنوات القرن العشرين. اعتناق الإسلام في القرن العشرين أدت الهجرات الإسلامية المستمرة إلى الولايات المتحدة إلى بناء المساجد الأميركية وإقامة عدد من المؤسسات الإسلامية، منها مثلاً الهلال الأحمر، الذي يقابل الصليب الأحمر والذي أسس في ديترويت عام 1920، وهذه الهجرات أشعلت الاهتمام مرة أخرى ما بين الأميركيين الأفارقة لاكتشاف جذورهم الإسلامية. ويبين المؤلف أنه ترافق مع اكتشاف الأميركيين الأفارقة جذورهم الإسلامية واستعادة تلك الجذور أن أميركا في القرن العشرين شهدت أيضاً ظاهرة التحول إلى الإسلام، وبأعداد كبيرة من الأميركيين المولودين على الأرض الأميركية، في حين كان اعتناق الإسلام أكثر وضوحاً بين الأميركيين الأفارقة، فقد وجد الإسلام أيضاً عدداً آخر من المقبلين عليه بين الأميركيين الأوروبيين، والأميركيين اللاتينيين والهنود الأميركيين. ويبرز المؤلف أنه نتيجة لعاملي الاعتناق والهجرة صار الإسلام في نهاية القرن العشرين أسرع الأديان نمواً في أميركا والثاني من حيث الحجم، وعلى الرغم من غياب التسجيلات الدقيقة، فإن تقديرات عدد المسلمين في أميركا تتراوح بين مليونين وثمانية ملايين، وقد أشارت إحدى الدراسات على الأقل إلى أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة تضاعف ما بين عامي 1990، 2001، وصارت المساجد والمراكز الإسلامية موجودة في كل المدن الأميركية تقريباً. ومنظمات الطلاب المسلمين منتشرة في غالبية الكليات والجامعات الكبيرة، يضاف إلى ذلك أن العائلات المسلمة غالباً ما تعيش وتعمل دون ضجيج في معظم المدن الصغيرة عبر العمق الأميركي، أحياناً دون علم جيرانهم بانتمائهم الديني الإسلامي، وهو ما يثبت أن الحضور الإسلامي صار جزءاً من التركيبة الأساسية لإناء الذوبان الذي تعرف به أميركا. مسلمو الأندلس يعود الكاتب تفصيلاً إلى بدايات رحلات مسلمي الأندلس والتي شهدت أول اتصال إسلامي مع الأميركيين، وهذه الرحلة تمت في عهد الخليفة عبدالله بن محمد (888 - 912)، الحاكم الأموي على الأندلس، في عام 889 أبحر خشخش بن سعيد بن أسودا أحد سكان قرطبة الأندلسية، غرباً عبر المحيط الأطلسي مع مجموعة من البحارة المسلمين من ديلبا (بالوس)، وهو الميناء الذي أبحر منه كولومبس بسفنه بعد ستمائة عام، وبعد رحلة طويلة وجد خشخش عالماً جديداً عرف لدى المؤرخين بـ "الأرض الجديدة" عاد خشخش من رحلته التاريخية ومعه، حسب ما ذكر، غنيمة ضخمة حصل عليها كما يفترض من التجارة وفتحه للأميركتين. كما أورد المؤلف رحلتين تاليتين أكدتا وجود مسلمي الأندلس في الأميركتين وكانتا في عهد الخليفة هشام الثاني وكانت الرحلة على يد أبي فروخ والرحلة الأخرى كتب عنها الإدريسي الجغرافي والطبيب العربي الشهير، وقام بها مجموعة من ثمانية بحارة مسلمين من شمال أفريقيا أبحروا نحو الأطلس من شمال أفريقيا قادمين من لشبونة من البرتغال التي كانت حينئذ جزءاً من الأندلس، وكانت رحلتهم معبأة من المؤونة بما يكفيهم لعدة أشهر. وبعد أن أبحروا لمدة لا تقل عن 31 يوماً وصل القارب إلى جزيرة غير معروفة من ضمن جزر الكاريبي، وهناك تعرضوا للأسر على يد قبيلة من الهنود، فقيدوا واحتفظ بهم أسرى لمدة ثلاثة أيام إلى أن ظهر مترجم في اليوم الرابع يعرف العربية، ورتب نقلهم إلى قبيلة أخرى من الهنود. أوهام العبودية يقول المؤلف إنه من المدهش في قصة الإدريسي ظهور مترجم يعرف العربية بين الهنود، وهو ما يعني حضور شخص يوحي بتاريخ طويل، وإن كان منسياً من الاتصال الإسلامي بالهنود الذين كانوا يقطنون الأميركتين، لأن العربية لغة يصعب امتلاكها ووجود هندي يتحدث العربية يشترط وجود اتصال بين أولئك الهنود والمسلمين العرب الذين ربما كانوا تجاراً من غرب أفريقيا. ومن المسلمين المستكشفين للعالم الجديد فيما وراء المحيط الأطلسي، يذهب بنا المؤلف إلى العبيد المسلمين المذكورين في التاريخ الأميركي غير أنه يكشف عن حقائق تاريخية مهمة، ربما هي المرة الأولى التي يتطرق فيها باحث أميركي إليها، يقول ديركس، من التصورات النمطية المؤسفة والتي عاشت طويلاً في الولايات المتحدة هي أن الأفارقة العبيد الذين أحضروا إلى هذه البلاد لم يكونوا أكثر من متوحشين أميين غير متعلمين وبلا حضارة. وهذا التصور النمطي الخاطئ تم تكريسه ليدعم الادعاء الذي لا يقل ضلالاً وهو أن العيش في العبودية الأميركية كان أفضل للعبيد الأفارقة من العيش في الحرية الأفريقية، وعلى الرغم مما في تلك التصورات من أوهام في تصوير العبيد الأفارقة بشكل عام، فإنها تصبح أكثر إيهامية وسوء نية حين تطبق على العبيد المسلمين. الحقيقة الكبرى الحقيقة الكبرى في هذا السياق تتمثل في أن التعاليم الإسلامية جعلت من التعليم قيمة كبرى في غرب أفريقيا، فكانت تمبكتو (الموجودة في مالي حالياً) واحدة من مراكز غرب أفريقيا الأكاديمية الكبرى، وكانت مزدانة بالعديد من المكتبات والمدارس إلى جانب جامعة شهيرة اسمها "الجامعية"، وكانت موجودة في مسجد سانكور، حيث اجتذب طلاباً وباحثين من مناطق لا تقل بعداً عن شبه الجزيرة العربية. ولم تكن تمبكتو نجم التعليم الوحيد الذي زين سماء غرب أفريقيا المسلمة، في كانو بنيجيريا كان ما يقارب ثلاثة آلاف معلم عند نهاية القرن الخامس عشر، وكانت قبيلة الفولاني في بندو (السنغال) حالياً قد أسست مدرسة في كل مدينة، وبنهاية القرن التاسع عشر كان 60 في المائة من السنغال يستطيعون القراءة بالعربية. ويخلص الكاتب إلى أنه طوال فترة الاتجار بالعبيد عبر الأطلس، كانت أكثرية مسلمة في غرب أفريقيا متعلمة ومثقفة، ومن ذلك ما يقارب من 20 في المائة من النساء المسلمات، أكثر من ذلك كان معظم أفراد قبيلة الماندينكا تقريباً يقرأون ويكتبون، وبالمقارنة مع وضع التعليم الناجح في غرب أفريقيا الإسلامي إبان الفترة من القرن السادس عشر حتى القرن الثامن عشر، كانت الأغلبية الساحقة من الأوروبيين والأميركيين أميين تماماً، يضاف إلى ذلك أن نسبة القراءة والكتابة بين الإناث الأوروبيات والأميركيات كانت تقريباً غير موجودة في حين كانت أقل من 20 في المائة بين النساء المسلمات في غرب أفريقيا، وبالإجمال كان المسلمون المستعبدون الذين أحضروا إلى أميركا أناساً ذوي تعليم عال بمقاييس ذلك الوقت. التمسك بالدين عن كيفية استعباد هؤلاء الأفراد من ذوي الثقافة المرتفعة، هو أن منهم من كان يشتغل بالبحث والأسفار ومنهم من كانوا أفراداً وضباطاً عسكريين، وقادتهم مغامراتهم جميعاً لارتياد المجهول إلى الوقوع في الأسر أثناء أسفارهم الطويلة. ثم يفصّل حياة المسلمين المستعبدين في الأميركتين ويخلص منها إلى أنه على الرغم من الضغوط الهائلة التي تعرضوا لها في الأميركتين، تشير السجلات التاريخية إلى أنه لم يتخل أحد منهم عن دينه الإسلامي ومع ذلك فإن أولئك المسلمين المخلصين لم يستطيعوا في بعض الحالات أن ينقلوا دينهم لذريتهم. ومن هنا فقد قدر أن الإسلام الحقيقي الذي وصل الأميركتين من إفريقيا لم يستمر بعد وفاة آخر الأفارقة المعتقلين حوالي 1920 - 1930، ومع ذلك فإن هؤلاء المسلمين تركوا أثراً مهماً داخل المجتمع الأفرو- أميركي بثقافته وحياته الدينية. ويعرج الكاتب بعد ذلك إلى الحديث عن دور المسلمين في ثورات العبيد العديدة التي قامت في الأميركتين والذي يتمثل في المهارات التنظيمية والمعرفة العسكرية والقدرة على الاتصال سراً بعضهم ببعض عبر المسافات الطويلة، وهو دور بالغ الحيوية، وبما أن المستعبدين المسلمين أوردتهم بعض كتب البيض موضحين كيف كانوا على قدر عال من الثقافة والتعليم والعديد من المواهب التي لم يعجزهم عن استغلالها سوى الوقوع في أسر الاستعباد، ومن هؤلاء مسلم بول - كنتاكنتي - ما هوميت (محمد) - المغاربي - فيليب الفولا - سامبو - لامين كيب - محمد كايا - عبد أندرسون. في ظلال النسيان بالنظر إلى العدد الكبير من المسلمين والموريسكيين في إسبانيا والبرتغال وبالنظر إلى التفرقة التي رعتها الدولة ضد أولئك، فإنه من غير المدهش أن يختار العديد منهم مغادرة شبه الجزيرة الآيبيرية، وفي حين أن الكثير بحثوا عن الملجأ في شمال إفريقيا وأن عدداً قليلاً ذهب إلى جنوب فرنسا، فإن عدداً لا بأس به منهم تطلعوا إلى الفرار إلى أراض أبعد، ومن تلك الأميركتان، لكن هؤلاء المسلمين والموريسكيين الذين جاؤوا إلى العالم الجديد مستكشفين ومستوطنين يظلون للأسف وحتى اليوم في ظلال النسيان، ومما يؤسف له أكثر أنهم حين يتذكرون، فإنهم يبدون عادة مغامرين “إسبانيين”. جدول متدفق سيظل عدد الذين اعتنقوا الإسلام نتيجة لمحاولات المسلمين في مرحلة ما قبل كولومبس في الأميركتين، على افتراض وجود أحد من أولئك، مسألة تخمين في المقام الأول، غير أن السجلات المحفوظة من القرن السادس عشر توثق مخاوف إسبانية من أن المسلمين المستعبدين في الكاريبي كانوا يحققون تقدماً في دعوة العبيد غير المسلمين من إفريقيا والهنود المحليين إلى الإسلام، ومع ذلك فإن تاريخ اعتناق الإسلام بين غير المسلمين في الأميركتين تاريخ يظل غائماً في أفضل الحالات حتى نهاية القرن التاسع عشر، منذ ذلك الحين انطلق جدول متدفق من المعتنقين للإسلام من كل مجالات الحياة، من كل طبقات المجتمع الأميركي ومن خلفيات إثنية شديدة التنوع.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©