الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تلمسان» كلما سقطت نهضت أقوى

«تلمسان» كلما سقطت نهضت أقوى
5 سبتمبر 2010 23:13
تلمسان مدينة مهمة في الغرب الجزائري وتعد ثاني أكبر مدينة بعد وهران إذ يتجاوز عدد سكانها 800 ألف نسمة. ورغم أنها مدينة إسلامية النشأة فإن موقعها كان لمدن قديمة نشأت متجاورة قبل أن تأتي “تلمسان” الإسلامية وتجعلها مدينة واحدة كبرى أضحت منذ القرن السابع الهجري “13م” مركزاً حضاريا في بلاد المغرب. وتعرف تلمسان بأنها “لؤلؤة المغرب العربي” وأحيانا بأنها “مدينة الفن والتاريخ” وقد تضافرت طبيعتها السخية مع جهود الإنسان المبدع لتجعلها مدينة متفوقة راقية ممتعة للفكر والقلب والروح معاً واستحقت أن تعرف بجوهرة المغرب وغرناطة أفريقيا. والاختلاف على أشده حول أصل تسميتها “تلمسان” فهناك من يرى الاسم مؤلفا من كلمتين بربريتين هما”تلم” ومعناها تجمع و”سان” ومعناها اثنان لكونها جمعت بين مدينتي “تقرارات” و”أغادير” ويخالف مارسيه الفرنسي ذلك بقوله إن “تل” تعني المنبع و”مسان” بمعنى الجاف ويراها بذلك بربرية تعني المنبع الجاف وإن كان هناك من يرجع التسمية لأصل بربري بمعنى “مدينة الينابيع” أما سكانها المعتزون بأصلها العربي الإسلامي فيرون اسمها عربيا خالصا من “تلم” أي تجمع و”إنسان” أي أنها مدينة تجمع الإنسان. بدأ عمران المنطقة بإنشاء معسكر روماني في عام 201م. سمي باسم “بيوماريا” وهو اسم لاتيني يعني البساتين وشيدت على حوافه الجنوبية مساكن للعامة والتجار وقبل أن تحتل قبائل الوندال المدينة في عام 429م، كانت بها أبرشية كاثوليكية أعيدت إليها عقب استيلاء البيزنطيين على المدينة في منتصف القرن5م. وعند بداية الفتوحات العربية كان سكانها خليطا من المسيحيين واليهود والوثنيين. وتفخر تلمسان بأن قبائلها من زناتة كانت من أوائل القبائل البربرية التي دخلت الإسلام إذ كان “زمار بن صولات” أول سفير لزناته لدى الخليفة عثمان بن عفان الذي أقره واليا على زناته كلها حيث ساعدوا عقبة بن نافع في فتوحاته الأولى. أول دولة للخوارج شهدت “تلمسان” قيام أول دولة للخوارج الصفارية بالمغرب بزعامة أبي قرة اليفرني الزناتي فقد ثار ضد ظلم ولاة العباسيين وأعلن نفسه إماما للمسلمين في عام 767م. وإلى أبي قرة ينسب تشييد مدينة “أغادير” على أنقاض بوماريا الحصن الروماني القديم. ثم أدت تطورات المواجهات بين العباسيين والعلويين إلى فرار “إدريس بن عبدالله بن الحسن” لاجئا إلى أغادير ورغم أنه توجه للمغرب الأقصى حيث أسس دولة الأدارسة فإن أغادير دخلت طوعا تحت سيطرته في عام 173 للهجرة “789م” وشيد بها مسجدا من أقدم مساجد المغرب في العام التالي وتم تجديده مرة أخرى في عام 199 للهجرة على يدي إدريس الثاني. واستمر الأدارسة في حكم المدينة إلى أن تغلب الفاطميون عليها في عام 296 للهجرة وفر الأدارسة للأندلس ولكن زناته تمردوا على الفاطميين واضطر جوهر الصقلي للسيطرة عليها بالقوة عام 360 للهجرة ثم وجه الفاطميون إليها الغزوات الهلالية ودخلت معها قبائل بربرية جديدة هي لواتة وهوارة ومن بينهم بنو عبدالواد الذين يعدون من الزناتية الجدد المتأثرين بالهلالية. دولة المرابطين من بعد الفاطميين سيطرت دولة المرابطين في عام 468 للهجرة “1075م” على المنطقة وعند محاصرة يوسف بن تاشفين لأغادير في عام 474 للهجرة “1081م” بنى مدينة جديدة نزلت بها جيوشه أطلق عليها “تقرارات” وهي كلمة بربرية بمعنى “المعسكر” وبعد دخوله “أغادير” قتل كل سادة زناته وشرع في إنشاء قصر الحكم بالمدينة الجديدة التي التحمت عمرانيا بأغادير الواقعة إلى الغرب منها لتظهر إلى الوجود المدينة الكبيرة “تلمسان” وسرعان ما أضحت واحدة من المدن الكبيرة في الإمبراطورية المرابطية التي امتدت بين المغرب والأندلس. خضعت تلمسان بعد ذلك لدولة الموحدين عندما دخلها عبد المؤمن بن علي في عام 540 هجريا “1145م” بعد تدمير أسوارها ولذا أعاد الموحدون تزويد تلمسان بسور وقلاع جديدة إلى جانب المنازل والقصور والفنادق وخلال تلك الفترة دخل بنو عبد الواد في طاعة الموحدين واكتسبوا حق الاستيطان في المنطقة الممتدة من وهران غربا إلى تلمسان شرقا وتدريجيا استقلوا بحكمها تحت وصاية الموحدين. ومن بني عبد الواد برزت الأسرة الزيانية التي تنسب ليغمراسن بن زيان الذي بدأ حكمه للبلاد في عام 633 للهجرة وتوالى من بعده السلاطين الزيانيين الذين حكموا البلاد تارة بوصفهم مستقلين وتارات أخرى كنواب عن الموحدين ثم ورثتهم من بني مرين ولم يخل الأمر من صراعات دامية بين أبناء البيت الزياني الحاكم تدفقت خلاله الدماء أنهارا ونجح الزيانيون في الحفاظ على أملاكهم بوجه الأطماع الأسبانية، خاصة في عهد السلطان “أبي عبدالله محمد” “934-947 هجريا” الذي تولى من بعده أبو زيان آخر ملوك هذه الدولة. وكان هم جل سلاطين بني عبد الواد النهوض بعاصمة ملكهم إلى مصاف حواضر الغرب الإسلامي، فبدأوا يجذبون إليهم الوجوه الفكرية والعلمية، خاصة من الأندلس. ولذلك كان عليهم خلق مناطق حضرية وعمرانية جديدة بجوار النسيج العمراني القديم. وقد منح سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين بالأندلس في قبضة ملوك قشتالة تلمسان مسحة أندلسية ما برحت حاضرة بها. فمن جهة استقبلت المدينة عدة آلاف من الأندلسيين الفارين من الاضطهاد المسيحي ومعهم تأثيرات معمارية وفنية وعادات أندلسية تشمل الطعام ومظاهر الحياة الاجتماعية ويكفي أن آخر ملوك غرناطة من بني نصر “أبو عبدالله محمد” اختارها ليقضي بها أيامه الأخيرة وبها دفن. سجلات التاريخ حاول البلاط الأسباني التدخل بشدة في تلمسان واحتل المدينة محاولًا تنصيرها وفرض الطابع الكاثوليكي عليها بعد أن استعان بهم أبو حمو الثالث لطرد الجيش العثماني بقيادة الأخوة بربروس عروج وإسحاق وخير الدين ولكن الأخير نجح بعد استشهاد أخويه في استرداد السيطرة على تلمسان وطرد الأسبان منها في عام 1555م. وخلال العهد العثماني تمتعت المدينة بنوع من الحكم الذاتي تحت قيادة طبقة من المولدين الأتراك “القراغلة” ثم وقعت تلمسان في قبضة الاستعمار الفرنسي عام 1844م. وقاومت ببسالة تحت قيادة الأمير عبدالقادر الجزائري.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©