الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العراق في السياسة الأميركية.. بين الطائفية والمصلحة الوطنية

العراق في السياسة الأميركية.. بين الطائفية والمصلحة الوطنية
25 يونيو 2014 23:06
جيمس تروب زميل مركز التعاون الدولي التابع لجامعة نيويورك كانت لدى نائب الرئيس الأميركي «جو بايدن» دائماً فكرة واضحة عن استراتيجية لخروج أميركا من العراق. وكان الرئيس باراك أوباما قد أوكل إلى «بايدن» ملف العراق في منتصف 2009، وعندما سافرتُ مع نائب الرئيس إلى بغداد ذلك الصيف، شرح لي أن الزعماء الطائفيين العراقيين هم في نهاية المطاف سياسيون مثله، يواجهون الصعوبات والإكراهات التي يواجهها جميع السياسيين. ونظرا لاقتراب موعد الانتخابات العام التالي، كان على رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي التشبث بقاعدته الانتخابية مع السعي في الوقت نفسه لاستمالة السنة والأكراد. وقال «بايدن» متسائلاً: «إذا كان يريد أن يبقى في السلطة، فكيف يفعل ذلك؟». كانت الطائفية فكرة ذميمة في دولة متعددة المذاهب مثل العراق. وكان بايدن يعتقد أنه بفضل قدر كبير من المساعدة الأميركية، يستطيع العراقيون تعلم كيفية استعمال السياسة لتسوية نزاعاتهم من دون إراقة دماء. ولكن الآن وقد بات العراق يترنح على شفير حرب أهلية، أو تفكك الدولة على الأقل، صار ذلك الاعتقاد ساذجاً جداً بالفعل. وبإمكان المرء أن يتساءل ما إن كان بايدن يمازح نفسه أم يمازحني. في كتاب «الدولة التي يمكن الاستغناء عنها»، يقدم والي نصر قراءة نقدية لسياسة أوباما الخارجية، حيث يجادل هذا الخبير والمسؤول السابق في الإدارة الأميركية بأن البيت الأبيض ليس ملتزما بتشجيع الوحدة الوطنية العراقية أو بتقوية المؤسسات الديمقراطية، وإنما بـ«ضمان دولة قوية بما يكفي للسماح بانسحاب أميركي». والدليل هنا واضح بما يكفي، فقد اقترح كبار المسؤولين العسكريين على الرئيس الأميركي أن تترك الولايات المتحدة وراءها، بعد انتهاء العمليات «القتالية النشطة» في منتصف 2010، قوة تتألف من 35 ألف جندي على الأقل قصد المساعدة على تدريب القوات العراقية ومواجهة المليشيات. ولأنه كان يرغب في تحويل التركيز إلى أفغانستان وكان يدرك مدى تعب الجمهور الأميركي من دور أميركا الذي لا ينتهي في العراق، واصل البيت الأبيض خفض ذلك العدد إلى أن بلغ 3500 جندي. وعندما قاوم الزعماء العراقيون الشروط الأميركية المقترحة ضمن اتفاقية بشأن وضع القوات كانت ستسمح لتلك القوة بالبقاء، قررت الإدارة الأميركية سحب كل الجنود من البلاد. وفي هذا الوقت، لم يكن لدى البيت الأبيض خيار غير القول إن العراق بات مستعدا للوقوف على قدميه. وهكذا، قدمت السياسة العراقية حلا مفاجئا وغير متوقع للإدارة الأميركية. وحتى عهد قريب، بدا أن الأحداث تدعم آمال «بايدن» في قدرة السياسة على الحفاظ على وحدة العراق وتماسكه رغم الطائفية. وفي خطاب له في 2012، قال أنتوني بلينكن«، مستشار نائب الرئيس للأمن القومي، إن الجهد العسكري الأميركي »أتاح الوقت والمجال« لقدوم ثقافة سياسية عراقية جديدة. وفي حوارات معه على مر السنوات، كان «بلينكن»، الذي أصبح لاحقاً نائب مستشار الأمن القومي، يشير في أحيان كثيرة إلى أمثلة لأزمات تم حلها دون إراقة للدماء. وعلى سبيل المثال، ففي ديسمبر 2011، عندما سعى المالكي إلى توقيف نائب الرئيس العراقي السني طارق الهاشمي على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب، فعل الزعماء العراقيون ما يفعله السياسيون – رفعوا عقيرتهم وصاحوا مستنكرين. الأسبوع الماضي، وافق «بلينكن» على التحدث إلي بشكل رسمي حول ما جرى في العراق. فأشار أولا إلى أن الأزمة التي يشهدها هذا البلد – غزو متطرفين سنة – ليست هي الانهيار السياسي الذي لطالما حذر منه منتقدو الإدارة الأميركية. وقال إنه حتى في الأشهر الأخيرة، «استمر كل اللاعبين تقريبا في السعي للعمل داخل النظام السياسي، داخل الزوايا الأربع للمؤسسة، وإن كانوا يدفعون تلك الزوايا إلى الحد الأقصى». وبدلا من فشل سياسي ينتج حرباً أهلية، دفع التهديدُ الأمني الخارجي الذي تمثله «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، أو «داعش» اختصارا، النظامَ السياسي إلى الانهيار تقريبا. وقال إن المالكي كان يمكنه أن يرد على ذلك التهديد على نحو يجمع الأطراف معا، ولكنه بكل وضوح فشل في القيام بذلك، ويبدو الآن أن الأقلية السُنية في العراق أخذت تنضم إلى المتطرفين وحلفائهم من «البعثيين». ولكنك إذا كنت تقول إن بيتك المصنوع من القش كان راسخاً وصامداً وعلى ما يرام إلى أن جاء الذئب القبيح الكبير وقام بالنفخ فيه فأسقطه، فإنك بذلك تعترف بأنك بنيت بيتا هشاً وآيلًا للسقوط. والواقع أن اعتقاد بايدن بأن منطق التنافس السياسي سيؤدي إلى التوافق لا يصمد أمام اختبار الواقع، تماماً على غرار اعتقاد جورج دبليو. بوش بأن العراقيين «الأحرار» سيبنون دولة ديمقراطية. فالأميركيون ما انفكوا يتفاجأون لكون الناس في البلدان المبتلية بالأزمات لا يتصرفون وفق قوانين المصلحة الذاتية المادية، حيث يستمر منطق الطائفية، أو القبلية، في التغلب على منطق المصلحة الجماعية. المشكلة الأخرى في رأي إدارة أوباما أن العراق لا يواجه تهديداً خارجياً في الواقع. والحال أن «الدولة الإسلامية في العراق والشام» تعمل على تجنيد العراقيين بسرعة، وقد انضمت إليها قوات سُنية محلية كانت متوارية عن الأنظار خلال السنوات الأخيرة. ولعل السرعة المذهلة التي اجتاحت بها هذه المجموعة الصغيرة من المقاتلين أجزاء كبيرة من شمال العراق وغربه تمثل شاهدا على فشل المالكي في إقناع السُنة بأن لهم مكاناً في العراق، ذلك أن لا المواطنين السنة ولا الجنود كانوا مستعدين للمجازفة بحيواتهم لحماية نظام المالكي، وذلك لأن الأخير عمل على إضعاف مؤسسات الحكم في العراق منذ أن أعيد انتخابه في أواخر 2010. والآن حان الوقت لتحمل العواقب. ولكن، هل كان باستطاعة الإدارة الأميركية منع المالكي من العودة إلى السلطة، مثلما يقول «نصر» وآخرون؟ أشك في ذلك. في كتاب «المرحلة الأخيرة من اللعبة»، وهو عبارة عن سرد تاريخي للانخراط الأميركي في العراق، يحكي المؤلفان «مايكل جوردون» و«برنارد ترينر» تفاصيل المحاولة الفاشلة لرعاية توافق بين الطوائف العراقية المتعددة، حيث فشل «بايدن» حتى في إقناع الأكراد، حلفاء أميركا الحقيقيين، بذلك. ولكن، ألم يكن باستطاعة الإدارة الأميركية، والحالة هذه، أن ترشي أو تهدد أو تقنع المالكي بالتوقف عن تهميش السنة وقمعهم؟ مرة أخرى، يبدو ذلك خياليا. ذلك أن المالكي أكد بما لا يدع مجالا للشك أنه في السياسة العراقية المعاصرة، بوسع لاعب عقلاني أن يحافظ على قبضته على السلطة، ويتبع في الوقت نفسه أجندة طائفية لا هوادة فيها. ولكن هل مازال قادرا على ذلك؟ العراق شهد إجراء انتخابات برلمانية في الثلاثين من أبريل. وقد صدّقت المحكمة العليا العراقية على الانتخابات الآن، ما يشكل بداية عملية ستختتم بانتخاب رئيس للبرلمان ورئيس للجمهورية ورئيس وزراء. ولكن بلينكن يرى أن تهديد «داعش» قد يكون بمثابة «المحفز» وليس «قاطع الدائرة الكهربائية» بالنسبة لنوع من حكومة الوحدة الوطنية إذ يقول: «هناك منطق بالنسبة لكل المجموعات الثلاث التي تتعاطى مع التهديد الذي تطرحه داعش. ولكن ذلك المنطق لا يمكن أن يصمد ويترسخ إلا إذا تشكلت حكومة ملتزمة بتوحيد البلاد، وليس بتقسيمها». وحاليا، تعمل الإدارة الأميركية مع الزعماء العراقيين لصياغة ملامح العملية، مثلما فعلت في 2010. وتلك سابقة لا تبعث على الأمل تماما في الواقع. ففي آخر مرة، كان الأمل أن يحكم المالكي إلى جانب إياد علاوي، رئيس الوزراء السابق الذي فازت كتلته «العراقية» بعدد أكبر من المقاعد من كتلة المالكي «دولة القانون». أما هذه المرة، فيحاول البيت الأبيض إقناع الزعماء الشيعة بالتخلص من المالكي واستبداله بشخصية أقل سلطوية واستقطاباً، وهو ما شرع الزعماء الشيعة في بحث إمكانية القيام به بالفعل، وفق تقارير واردة من بغداد. غير أن الإدارة الأميركية وافقت للتو على إرسال 300 مستشار أميركي إلى البلاد من دون أن تطالب بإصلاح سياسي في المقابل، ذلك أن أوباما ربما شعر أنه لا يمكنه انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات السياسية من نتائج خلال الأشهر المقبلة، نظرا لاقتراب مقاتلي «داعش» من العاصمة. والواقع أنه من شبه المؤكد أن المليشيات الشيعية والجنود النظاميين سيوقفون تقدم القوات السنية شمال بغداد، وإن كان المتطرفون قد يلتفون على العاصمة لمحاصرة المدن الشيعية المقدسة الواقعة إلى الجنوب. ولعل السيناريو الأرجح حاليا هو تقسيم سني- شيعي للبلاد بحكم الفعل، بينما يعمل الأكراد على إحكام قبضتهم على مناطقهم. ويعترف بلينكن بأنه ربما يكون الأوان قد فات للحفاظ على العراق دولة موحدة، ولكنه يشير إلى أن ثمة فرقا كبيرا جدا بين «اتحاد فضفاض» وحرب أهلية دائمة. والأكيد أن حكومة مستوعبة لجميع مكونات الشعب العراقي تميز بين السُنة والمتطرفين ستساعد في نهاية المطاف على تسهيل هذا الاتحاد بينما يؤدي مزيد من الطائفية إلى حرب أهلية. لقد كانت إدارة أوباما تأمل ذات مرة أن يؤدي منطق السياسة إلى المصالحة في العراق. أما اليوم، فإنها تأمل أن يفعل منطق الدفاع الجماعي عن النفس ذلك. غير أنه لا بد من القول هنا إن العراق، حتى الآن، يشتغل العراق وفق منطق لا يتقاسمه الأميركيون، وربما لا يستطيعون تخيله. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©