الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلام أفغانستان: عوائق الطريق

10 يونيو 2012
إذا كان كل ما لديك من وسائل وآلات أشغال هو مطرقة، فإن كل شيء سيبدو لك حينئذ كما لو أنه مثل مسمار. هذا ما يقوله بشكل عام عالم النفس أبراهام ماسلو. وفي يوم الخميس الماضي، وصل وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا إلى أفغانستان، حيث تقتصر علبة الأدوات التي تستعملها الولايات المتحدة هناك، وفي معظمها، على الوسائل والأدوات العسكرية. ذلك أن أكثر من 90 في المئة من النفقات المرتبطة بأفغانستان تمر عبر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون)؛ هذا في الوقت الذي لا يخامر أحد أدنى شك في أن واشنطن تبحث بشكل عام عن حلول عسكرية للمشاكل هناك، أياً كانت طبيعتها، سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية. لكن، لماذا مازال صناع السياسات في الولايات المتحدة، وإلى اليوم، ينظرون إلى الوضع في أفغانستان من خلال عدسات الحرب العسكرية، بينما الحقيقة هي أن أكثر ما تحتاج إليه تلك البلاد هو التركيز على السلام وتحقيق الاستقرار وإرساء التنمية والعدالة الاجتماعية؟ خلال أعمال قمة منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" الأخيرة، والتي عقدت في مدينة شيكاغو الأميركية، أكد قادة الدول المتحالفة عسكرياً مع الولايات المتحدة الأميركية، أنهم سيقومون بسحب معظم قواتهم من أفغانستان بحلول عام 2014، ولكن الولايات المتحدة تعتزم الإبقاء على بعض قواتها العسكرية هناك من أجل تدريب قوات الأمن الأفغانية ودعمها في مواجهة قوات التمرد المتمثلة في حركة "طالبان" بشكل أساسي. وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤدي بشكل كبير إلى "أفغنة" الحرب، وخفض الإصابات والتكاليف الأميركية، لكنه مع ذلك سيبقي على العمليات العسكرية الهادفة إلى قتل المتمردين واعتقالهم، وصولاً إلى القضاء نهائياً على حركة "طالبان" إن أمكن ذلك في نهاية المطاف. غير أن المشكلة في هذا الخصوص هي أن السياسات الأميركية لمحاربة التمرد لم تستطع إلحاق الهزيمة المبتغاة بحركة "طالبان" طوال العقد الماضي، ومن المستبعد أن تكون تلك السياسة أكثر نجاحاً، وبعدد أقل من الجنود في السنوات المقبلة، إذ من المحتمل أن يستمر النزاع الأفغاني الداخلي المسلح بدون نهاية له في الأفق، بل يمكن أن يفضي إلى تجدد الحرب الأهلية التي عرفتها أفغانستان قبل عام 1996. وإذا ما حدث ذلك بالفعل، فإن معاناة المدنيين الأفغان سوف تزداد، كما أن المكاسب التي تحققت على صعيد التنمية الاجتماعية وحقوق النساء سوف تضيع هي الأخرى. إن معظم الحروب الحديثة تنتهي من خلال اتفاقات سلام متفاوض حولها وليس نصراً عسكرياً. وإذا أمكن التوصل إلى إبرام اتفاق سلام في أفغانستان بين الأطراف المختلفة، فإن من شأن ذلك أن يجلب الأمن والاستقرار إلى البلاد ويقلص جاذبية الحركات المقاتلة المسلحة في المنطقة، وعلى رأسها بطبيعة الحال حركة "طالبان". وفي هذا الإطار، تُظهر بعض البحوث المختصة أن عمليات السلام تكون أكثر نجاحاً عندما تكون شاملة لجميع الأطراف والفصائل وتحظى بدعم دولي. كما أن احتمالات النجاح تتقوى عندما تكون الاتفاقات مراقَبة وتحت إشراف قوات محايدة لحفظ السلام. والواقع أن الحكومة الأفغانية وزعماء حلف "الناتو" يدعمون هدف سلام متفاوض بشأنه مع "طالبان" ومجموعات متمردة أخرى، لكن محاولات بدء عملية السلام تواجه عراقيل وانتكاسات كبيرة. لذلك، فإن إقناع الأطراف المعنية بالتوصل إلى تسوية سياسية سيتطلب جهوداً كبيرةً وتركيزاً أكبر بكثير من الولايات المتحدة وشركائها الدوليين، مثل باكستان. وإلى ذلك فإن التقارير الأخيرة التي صدرت عن مجموعة الأزمات الدولية ومؤسسة "راند كوربوريشن"، توصي بتشكيل فريق وساطة رفيع المستوى تقوده الأمم المتحدة من أجل العمل مع الأطراف الأفغانية والدول المجاورة بقصد تسهيل عملية سلام شاملة ومتعددة الجوانب. هذا وينبغي أن تسعى مفاوضات في أفغانستان إلى التوصل لاتفاق بين المتمردين والحكومة الأفغانية، وميثاق بين الدول المجاورة. على أن تسعى أيضاً إلى إشراك المجموعات المتمردة في خلق حكامة أكثر شمولية وخاضعة لمحاسبة أكبر داخل أفغانستان، في حين يهدف إشراك الدول الإقليمية المجاورة إلى السعي وراء تعهدات بعدم التدخل من جانبها في أفغانستان والعمل على دعم استقرارها. ومما لاشك فيه أن التحديات على طريق التفاوض حول تسوية سلام في أفغانستان كبيرة جداً، لاسيما أن "طالبان" ومجموعات متمردة أخرى كانت في البداية تفضل محادثات سلام، إلا أنها في الآونة الأخيرة انسحبت من العملية مطالبةً المسؤولين الأميركيين بتنفيذ وعود سابقة بالإفراج عن مجموعة من المتمردين المعتقلين، سواء في سجن جوانتانامو بكوبا أم في سجن قاعدة باجرام الجوية في أفغانستان. بيد أن العديد من العراقيل التي تقف في طريق التوصل إلى اتفاق سلام متفاوض حوله، يمكن تقليصها لو سخّرت الولايات المتحدة للسلام جزءاً يسيراً من الموارد التي تخصصها حالياً للحرب. ولهذا الغرض، سيتعين على الزعماء السياسيين في أميركا أن يضعوا جانباً الوسائل العسكرية ويلتقطوا أدوات الدبلوماسية وصنع السلام. ديفيد كُرترايت مدير الدراسات السياسية في معهد كروك لدراسات السلام الدولي بجامعة نوتردام الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©