الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

«التكنولوجيا الخاصة» سبب استمرار الشركات الكبرى في جني الأرباح

«التكنولوجيا الخاصة» سبب استمرار الشركات الكبرى في جني الأرباح
28 يوليو 2018 21:17
بقلم: كريستوفر ميمز الشكوك التي تخطر على بالك صحيحة، فالشركات الكبرى في كل مجال تحاول جاهدة الابتعاد عن أقرانها بأسرع وتيرة وفي أسرع وقت ممكن، وذلك بدرجة أكبر من أي وقت مضى، لأن هذا قد يؤدي بها إلى الفوز بحصة الأسد من الأرباح ومكاسب الإنتاج. ولتفسير نجاح الشركات الكبرى اقترح الاقتصاديون تفسيرات عديدة ممكنة على شاكلة، كبار المديرين المميزين يتدفقون إلى الشركات الكبرى، والأتمتة تخلق نوعاً من الاختلال في الإنتاجية، وهوس الاندماج بين الكيانات التجارية، أو الاستحواذ على شركات في المجال نفسه، وأيضاً عدم تنظيم قوانين مكافحة الاحتكار وربما تفسيرات أكثر من ذلك. لكن البيانات الجديدة تشير إلى أن سر نجاح «أمازون» و«جوجل» و«فيسبوك» في جميع أنحاء العالم، ناهيك عن شركات مثل «يو بي إس» و«سي في إس» وكذلك «وول مارت» من قبلهم، هو مقدار ما يستثمرونه في التكنولوجيا الخاصة بهم، وهناك أنواع مختلفة من الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات. خلال العقود القليلة الأولى من ثورة الكمبيوتر، كانت معظم الشركات تشتري أجهزة وبرامج جاهزة. بعد ذلك، ومع ظهور التقنية المعروفة باسم «آي كلاود» أو السحابة، انتقلوا إلى الخدمات التي تقدمها شركات مثل «أمازون» و«جوجل» و«ميكروسوفت». وهذا يشبه الاختلاف بين الحلة التي يتم حكايتها خصيصاً لتناسب كل فرد، أو الحلة الجاهزة التي تشتريها مباشرة من المتجر، إذ يمكن تطويع هذه الأنظمة لتناسب احتياجات كل فرد حسب نوع وحجم استخداماته. والإنفاق على تكنولوجيا المعلومات هو توظيف مطورين وإنشاء برمجيات خاصة لتستخدمها الشركة حصرياً، وهو ما يعد الميزة التنافسية الأساسية. ويختلف الأمر عن الفهم القياسي للبحث والتطوير، حيث إن هذا البرمجيات تستخدمها الشركة فقط، وليس جزءاً من المنتجات التي يتم تطويرها للعملاء. ويقول جيمس بيسن، عالم الاقتصاد والأستاذ بجامعة بوسطن، الذي كتب مؤخراً بحثاً جديداً عن التحديات التي تواجه الشركات خاصة في الأتمتة والذكاء الصناعي، يقول إن شركات بارزة في مجال التكنولوجيا لم يعد لها وجود ملموس حالي. فقد قامت شركات التكنولوجيا مثل «جوجل»، و«فيسبوك»، و«أمازون»، و«آبل»، إضافة إلى شركات عملاقة أخرى، بما في ذلك «جنرال موتورز» و«نيسان» في قطاع السيارات، وشركة «فايزر» و«روش» في الأدوية، ببناء برامجها الخاصة وحتى الأجهزة الخاصة بها، وابتكار وتحسين عملياتها الخاصة بدلاً من مواءمة نموذج أعمالهم مع فكرة مطور خارجي ليست مخصصة بشكل كامل لتلبية احتياجاتهم. وأسفر هذا عن الوضع الحالي وهو التحرك تجاه اقتصاد حديث، والمشكلة في مثل هذا الاقتصاد هي أن عدم المساواة في الدخل بين الشركات يشبه عدم المساواة في الدخل بين الأفراد، فهناك عدد قليل من الناس يحتكرون المكاسب، بينما يتخلف كثيرون عن ذلك بشكل متزايد. فهل يمكن أن يكون الأمر في النهاية هو أن أكبر الشركات ليست هي المهيمنة فحسب، بل تتوسع وتزيد حجم أعمالها بشكل مطرد. إن مقياس كيفية إنفاق الشركات، وهو ما يسميه بيسن «كثافة تكنولوجيا المعلومات»، لا يتعلق فقط بالولايات المتحدة ولكن في 25 دولة أخرى كذلك، كما تقول سارة كاليجاري، الخبيرة الاقتصادية بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتقول إنه عندما تقارن بين الشركات ذات الأداء الأعلى في أي قطاع وبين منافستها الأقل، تجد هناك فجوة في نمو الإنتاجية التي تستمر في الاتساع. والنتيجة هي، إذا لم يكن الاقتصاد قوياً ويحقق الأرباح للجميع، فإن الفائز يأخذ كل شيء ويزيد أرباحه على حساب الآخرين. هذه الفجوة الإنتاجية ترتبط بزيادة الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات التي تعتمدها الشركات طبقاً لاحتياجاتها، كما يقول بيسن. في عام 1985، أنفقت الشركات 7% في المتوسط من صافي استثمارها (الذي يشمل البرمجيات والمباني الجديدة والبحث والتطوير وما شابه) على تقنية المعلومات الخاصة بها، وفقاً لبيانات مكتب التحليل الاقتصادي. وفي عام 2016، تدفق نحو 24% من صافي الاستثمار في شركات الولايات المتحدة إلى تقنية المعلومات الخاصة. ويقدر هذا بما يقرب من 250 مليار دولار في العام الواحد، وهذا الرقم يكاد يقترب من نفقات البحث والتطوير. وهذا له أيضاً تأثير على الأجور - ويعزى الارتفاع في فجوة الأجور منذ عام 1978 بالكامل تقريباً إلى ارتفاع أجور العاملين في الشركات الأكثر إنتاجية بينما ظلت الأجور في الشركات الأقل إنتاجية ثابتة نسبياً، وفقاً للمكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية. وعندما كان يتم تطوير تقنيات جديدة في الماضي، فإن هذه التقنيات كانت تنتقل إلى الشركات الأخرى بسرعة كافية بحيث ترتفع الإنتاجية عبر صناعات بأكملها. وقبل 20 عاماً، كان بإمكان الشركات اعتماد برامج «ميكروسوفت أوفيس» أو برامج النشر المكتبي من «أدوبي»، ثم تنتقل هذه البرامج على الفور إلى شركات أخرى كانت تعد أبطأ في تبني هذه التقنية الجديدة. هذا الأمر مع تطور التكنولوجيا الحديثة أصبح غير ممكن، حيث إن البرامج التي تطورها شركة لا يمكن نسخها أو نقلها إلى شركة أخرى. فما نراه الآن هو «تباطؤ في ما نسميه «آلة الانتشار»، حسب ما تقول الخبيرة الاقتصادية سارة كاليجاري. أحد التفسيرات لكيفية حدوث ذلك هو أن الأمور قد أصبحت معقدة للغاية. التكنولوجيات التي تعتمد عليها الشركات الآن هائلة، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمهندسين والعمال والأنظمة والنماذج التجارية التي تم بناؤها من حولهم، كما يقول بيسن. وفي حين كان من الممكن في الماضي ترخيص أو سرقة أو نسخ تقنية شركة أخرى، فإنه في هذه الأيام لا يمكن فصل التكنولوجيا عن الأنظمة التي هي جزء منها. فكر في محرك الذكاء الاصطناعي في شركة «فيسبوك»، والذي طورته بتكلفة باهظة لشبكته الاجتماعية التي تحمل الاسم نفسه، لكنه تمكن بعد ذلك من الانتقال بسهولة نسبية إلى «إنستجرام». هل استطاع «إنستجرام» تطوير شيء مكافئ بمفرده؟ أما «سناب» و«تويتر» فقد استنسخا جوانب محدودة من هذا البرنامج وليس كل خصائصه، لأنهما لم يتمكنا من معرفة تفاصيل كافية لنقل تلك التكنولوجيا إلى منصاتهما. وماذا عن «أمازون»؟ بالتأكيد، يمكنك البدء في عمل يمكنه الاستفادة من خدمات «آي كلاود» مثلما الحال في «أمازون»، ولكن برنامج «أمازون» الذي تم تطويره لتمكين «أمازون ويب سيرفسيس» من تسهيل البيع في سوق تجارة التجزئة الخاص بها ليس أمراً متاحاً لشركات أخرى. أما «وول مارت» فقد بنى نظاماً لوجستياً متقناً حول ماسحات الرمز الشريطي، الأمر الذي سمح لها بالتفوق على منافسيه في تجارة التجزئة. والجدير بالذكر، أن شركة «وول مارت» لم تبع هذه التقنية أبداً إلى أي منافسين. لكن مجرد إنفاق الأموال على التكنولوجيا لا يعني بالضرورة تحقيق الأرباح، حيث فيقول بيسن: «في متاجر التجزئة، كانت سيرز في الثمانينيات أكبر زبون لشركة آي بي إم». «لقد كانوا مستثمراً كبيراً في مجال تكنولوجيا المعلومات، لكنهم أثبتوا أنهم غير قادرين على التنافس بفعالية مع وولمارت وأنظمتها». وربما كان جزء من المشكلة مع نهج «سيرز» هو توظيف شركة تكنولوجيا خارجية بدلاً من القيام بالعمل بنفسها وبناء البنية التحتية وتنمية الكوادر المدربة على مواكبة التطور التكنولوجي وربطها بالنظم والمعرفة المؤسسية. وهذه الميزة التنافسية التي يبدو أنها لا يمكن التغلب عليها والتي تأتي مع كثافة تكنولوجيا المعلومات للشركات الكبيرة قد تفسر الهوس الحالي لعمليات الاندماج والاستحواذ، كما يقول بيسن. فقد يكون من الصعب أو المستحيل الحصول على تقنيات عالية بأي طريقة أخرى. ولا يعتقد بيسن أن الميزة ترجع إلى الاختلافات في التنظيم، حيث إن أكبر الشركات أصبحت أكثر إنتاجية في العديد من البلدان، خاصة في كل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وقد يفسر هذا لماذا يمكن أن تفشل الجهود الأخيرة التي بذلها الاتحاد الأوروبي لمعاقبة «جوجل» وشركات التكنولوجيا الأخرى بغرامات ضخمة. وليس من الواضح إلى أي مدى ستدفع هذه الظاهرة الشركات الكبرى في كل قطاع إلى النمو بشكل أسرع من منافسيها. ولكن مع اقتراب عمالقة التكنولوجيا من الاحتكار، من الجدير أن نتساءل عما إذا كانت تقنية المعلومات الحديثة قد بنيت على أساس مبدأ يقول إننا مصممون على شراء كل السلع والخدمات من حفنة من الشركات العملاقة، وبمجرد الانتهاء من ذلك سنقوم بشراء أو منافسة جميع الشركات التي تعمل في نفس المجال في جميع الأسواق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©