السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الانتخابات الألمانية.. لماذا صعد اليمين المتطرف؟

27 سبتمبر 2017 22:24
بصالون منزله المؤلف من طابقين، بدا التأثر واضحاً على محيا «كلاوس كريتشمر»، الذي أغرورقت عيناه بالدموع أثناء حديثه عن الحدود الألمانية – ليست الحدود التي عبرها اللاجئون الذين دفعه وصولُهم منذ 2015 إلى دعم اليمين المتطرف. كريتشمر، البالغ 66 عاماً، تردد في الحديث عن الحدود الداخلية، التي مُزقت قبل ثلاثة عقود تقريباً، حيث يقول إنه جُنِّد للخدمة في جدار برلين، رافضاً قول المزيد عما كان يفعله هناك. ولكن من المعروف أن جنود الحدود كانوا يستخدمون العنف لمنع مواطنيهم من العبور إلى الجانب الغربي وتحرير أنفسهم. والواقع أن مدناً ألمانية شرقية قليلة تبعد عن العاصمة مثل أُوباخ، البلدة المتاخمة للحدود مع جمهورية التشيك. ولكن الجدار الذي كان يقسم ذات يوم برلين إلى قسمين مازال موضوعاً يصعب الحديث فيه بالنسبة لكريتشمر، الذي مازال يعيش تحت الظلال التي كانت ترخيها الديكتاتورية الاشتراكية على النصف الشرقي من البلاد. تلك الظلال أصبحت خط الصدع في انتخابات يوم الأحد التي أوصلت حزباً يمينياً متطرفاً إلى البرلمان الوطني لأول مرة منذ قرابة ستة عقود. ذلك أن حزب «البديل من أجل ألمانيا» القومي والمناوئ للمهاجرين كان ثاني أقوى حزب في الشرق الشيوعي السابق، الذي حصل فيه على 21.5 في المئة من الأصوات مقارنة مع 12.6 في المئة على الصعيد الوطني و12.7 في المئة في الغرب، ليحل بذلك محل «داي لينك» اليساري، الذي لديه جذور في الحزب الشيوعي الألماني الشرقي، باعتباره البديل الرئيسي في شرق البلاد لكتلة يمين الوسط التي تقودها أنجيلا ميركل، التي فازت بولاية رابعة كمستشارة. أُوباخ، التي أخذ يشيخ سكانها ولا يسكنها عموماً أشخاصٌ من أصول مهاجرة، تمثّل نموذجاً لجاذبية حزب «البديل من أجل ألمانيا»، الذي حصد 46 في المئة من الأصوات هنا. البلدة تكشف بشكل خاص الأسباب التي تجعل ذكرى الدولة الاشتراكية، وإدماجها السريع ضمن الجمهورية الفيدرالية، شرق البلاد أرضيةً خصبةً أكثر لشعبوية اليمين المتطرف مقارنةً مع الجزء الغربي. وبالتالي، فإنها توفّر طريقةً لفهم الأسباب التي تجعل بلداً مازال يحمل ندوب التطرف السياسي يميل قليلا نحو سياسات اليمين المتطرف، في وقت يستعد فيه حزبٌ يقول «إن الإسلام لا مكان له في ألمانيا» ليصبح ثالث أكبر حزب في البرلمان. ويقول كريتشمر: «إن الإسلام فُرض علينا»، مكرراً موقف الحزب وزاعماً أن المهاجرين العرب يعامَلون معاملة أفضل من تلك التي يتلقاها الألمان «الأصليون» إذ يقول: «إن اللاجئين يستطيعون القدوم إلى هنا بـ10 أطفال، ويحصلون على كل شيء بالمجان». أما «كريتشمر»، فقد عمله في مصنع ينتج أنظمة التحكم الإلكترونية، وبعد أن خضع لإعادة تدريب، راح يعمل كمدير بناء. وعندما ستتقاعد زوجته من وظيفتها كمحاسبة، يقول، فإنها «لن تحصل حتى على الحد الأدنى من المعاشات». وأضاف قائلًا: «إن الناس في الغرب أفضل منا حالاً». هذا صحيح، ولكن ليس بكل المعايير، كما أنه يتنافى مع حجم الاستثمارات التي ساعدت على ردم الهوة الكبيرة بين شطري البلاد، كما يقول «رينر كلينجهولتز»، مدير «معهد السكان والتنمية» في برلين. ذلك أن ما يعادل 1.89 تريليون دولار من أموال ألمانيا الغربية ذهبت لإعادة إعمار شرق البلاد بعد إعادة توحيد ألمانيا. والواقع أنه في بعض المجالات، مثل الصحة والبيئة، حصل تدارك وتكافؤ، يقول «كلينجهولتز». ولكن بخصوص التوظيف والإنتاجية، مثلاً، ما زال الغرب يبلي بلاء أفضل. ويقول كلينجهولتز: «لا يوجد مكان في ألمانيا تحسنت فيه الحياة أكثر من الشرق»، مضيفاً «ولكن هذا ليس هو ما يعتقده الناس. فهم يشعرون بالإحباط لأن ثمة قدراً أكبر من عدم اليقين». مايكل كلوبر، الذي يعمل معلماً، صوّت لصالح حزب «داي لينك» – كـ«تصويت احتجاجي» ولكن دعماً لليسار. ويقول إن الغيرة وعدم الشعور بالأمن – اللذين رسّختهما إعادةُ التوحيد بدلاً من أن تقضي عليهما – أديا إلى «كراهية الأجانب». ويذكر هنا أن استطلاعات الرأي في 2015، عندما كان الرأي العام ما زال مؤيداً أكثر لقرار ميركل بعدم إغلاق الحدود أمام طالبي اللجوء، كانت تشير إلى أن 46 في المئة من الناس في ألمانيا الشرقية خائفون من العدد الكبير من اللاجئين الذين يصلون إلى البلاد، مقارنة مع 36 في المئة في الغرب. ومما قوّى مشاعر الخوف تلك محدوديةُ الأفق في البلدات الصغيرة، التي يغادرها معظم الشباب، وحيث كبار السن قلما يسافرون، كما يقول «هارتموت إيلسنهانز» أستاذ العلوم السياسية بجامعة ليبسيج. ويضيف قائلاً إن «ساكسوني» ولاية منعزلة تاريخياً، وبسبب ضعف إشارة التلفزيون، «لم يرتبط الناس بالنقاشات التي حدثت في ألمانيا الغربية». ولكن ذلك لم يمنع ساكسوني من أن تكون مسقط رأس «احتجاجات الاثنين» الشهيرة التي طالبت بالحقوق الديمقراطية قبل شهرين على سقوط جدار برلين. ولكن الشعار الذي كان يردده المتظاهرون في شوارع ألمانيا الشرقية، «نحن الشعب»، اكتسى معنى جديداً اليوم. فقد بات شعار حركة «بيغيدا» المناوئة للمسلمين التي أُسست في دريزدن في 2014، والتي يفضِّل أعضاؤها الاثنين كيوم للمظاهرات. *مراسلا «واشنطن بوست» في ألمانيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©