الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الخدمة المدنية» تثير حنق أطباء الجزائر وتدفعهم إلى الإضراب

«الخدمة المدنية» تثير حنق أطباء الجزائر وتدفعهم إلى الإضراب
12 يونيو 2011 19:49
تعاني المستشفيات والمراكز الصحية العمومية بالجزائر اضطرابات واسعة منذ نحو ثلاثة أشهر بسبب دخول الأطباء العموميين الجدد المعروفين باسم «الأطباء المقيمين» في إضراب غير محدود عن العمل يكتفون من خلاله بتقديم الحدّ الأدنى من الخدمة، ما أثر سلباً في الخدمات الطبية والرعاية الصحية ودفع المرضى إلى التذمر والشكوى لاسيما وأن المؤشرات لا تدل على أن هناك حلا قريبا في الأفق. مطالب عديدة يُطلق وصفُ «الأطباء المقيمين» على الأطباء العامين الذين تخرجوا حديثاً في كليات الطب بعد 7 سنوات من الدراسة، وتمَّ تعيينُهم للعمل في المستشفيات والمصحات العمومية مع ضمان مواصلة دراستهم في نفس الوقت لأربع سنوات أخرى في كلية الطب للتخرج بعدها كأطباء متخصصين في شتى الفروع الطبية، وبعدها تقوم وزارة الصحة بإرسالهم إلى مختلف ولايات الصحراء الجزائرية وحتى الولايات الشمالية التي تعاني نقصاً في الأطباء المختصين، للعمل في مستشفياتها ومراكزها الطبية العمومية لمدة أربع سنوات أخرى، وتُدرج فيها الخدمة العسكرية التي يؤديها هؤلاء بشكل مدني في مستشفيات الجنوب (الصحراء)، وهذا قبل السماح لهم بالعودة إلى الشمال للعمل في مستشفياته أو لفتح عيادات خاصة. وأثارت «الخدمة المدنية» الإجبارية بالصحراء الجزائرية تذمر «الأطباء المقيمين» في السنوات الماضية، وقالوا إن ظروف العمل هناك غير مريحة والإمكانات الطبية ضئيلة، والسكنات الوظيفية غير متوافرة، والأجور عادية ولا يتقاضون أية منحة إضافية عن أطباء الشمال. وفي منتصف شهر مارس الماضي شرع «الأطباء المقيمون» بإضراب عام مفتوح رفعوا خلاله مجموعة من المطالب وفي مقدمتها مضاعفة أجورهم الحالية بنحو 4 إلى 5 مرات، ومراجعة قانونهم الأساسي الذي يعود إلى عام 1996 باتجاه إدخال اصلاحات جذرية عليه لمواكبة مستجدات قطاع الصحة وانشغالاتهم المهنية والاجتماعية، وإلغاء نظام «الخدمة المدنية» الاجبارية وجعلها اختيارية مع منح تحفيزات مغرية للأطباء حتى يتهافتوا عليها، فشهدت المستشفيات العمومية الكبرى، أي المستشفيات الجامعية الـ13 الموجودة بمختلف الولايات، اضطرابات كبيرة دفع المرضى ثمنها بالدرجة الأولى، من خلال تدني الخدمات الصحية والتأجيل المتكرر للجراحات والحصص العلاجية المتخصصة، ما سبب المزيد من التدهور في صحة المرضى، لاسيما وأن هناك أقساما طبية أخرى كانت بدورها تخوض إضرابات متقطعة من حين إلى آخر كالأطباء الاختصاصيين والصيادلة وجراحي الأسنان والمختصين في التخدير والإنعاش فضلاً عن الممرضين والقابلات. جلسات حوار منذ أن بدأ الإضراب، شرعت وزارة الصحة، بإجراء جلسات حوار مع نقابة «الأطباء المقيمين» ونقابات أسلاك صحية أخرى، للتفاوض حول مختلف مطالبها المرفوعة وتلبية ما تراه معقولاً منها، ومحاولة إقناعها بالتخلي عن بعض المطالب، وبلغ عدد اللقاءات مع مختلف النقابات الصحية 122 لقاءً تخلله العديدُ من الاعتصامات والمسيرات، وأعلن وزير الصحة جمال ولد عباس مراراً عن زيادات «معتبرة» في أجور مختلف الأسلاك الطبية وعدم حرمان أية فئة منها، وقال إن بعض الزيادات تجاوزت نسبة المائة بالمائة، كما أعلن تلبية مطلب الأطباء في مراجعة قانونهم الأساسي، وهو ما أرضى العديد من النقابات الطبية التي أوقفت إضراباتها وعاد أطباؤها إلى العمل. إلا أن نقابة «الأطباء المقيمين» والتي تضم أزيد من 10 آلاف طبيب جديد، أصرّت على تحقيق مطلبها المتعلق بإلغاء نظام «الخدمة المدنية» الإجبارية في الصحراء وهي تصر على عدم عودة أطبائها إلى العمل إلى غاية تحقيق هذا المطلب. وأحدث مطلب «الأطباء المقيمين» فتنة بدأت تلوح بوادرُها منذ نحو شهر حينما نصبت السلطات «لجنة عقلاء» تتكون من برلمانيين وشخصيات محايدة للتحاور مع الأطباء والتوصل إلى حلول وسط معهم، إلا أن جلسات الحوار سرعان ما انفضَّت بسبب تبادل الاتهامات بين الأطباء والبرلمانيين المنتمين إلى الصحراء، حيث اتهم البرلمانيون الأطباءَ بـ»التعالي ورفض تقديم خدماتهم الطبية لأبناء الجنوب» ومعاملتهم كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، ما سبّب تشنجاً واحتقانا بين الطرفين اللذين تبادلا الاتهامات في الصحف المحلية، إلا أن الناطقة باسم نقابة الأطباء المقيمين أسماء جاب الله قالت «إن الأطباء الذين يُجبرون على أداء الخدمة المدنية هم الذين يُعاملون كأنهم أطباءٌ من الدرجة الثانية». ورفضت السلطات قطعاً إلغاء «الخدمة المدنية»، ووصفه الوزير الأول أحمد أويحيى بـ»التعجيزي». وأكد عدم استعداده لتلبيته أو حتى مناقشته باعتبار أن «الخدمة المدنية» هي الوحيدة التي بإمكانها سدّ النقص الفادح في الطب المتخصص في الصحراء، حيث تم توفير 80 بالمائة من حاجة أبناء الجنوب (الصحراء) إلى الأطباء المتخصصين عن طريق «الخدمة المدنية»، ولذلك فليس هناك أي مجال لإلغائها حتى لا يُحرم أبناء الصحراء من حقهم في العلاج المتخصص. من جهته، أصرّ وزير الصحة جمال ولد عباس على التشبث بـ»الخدمة المدنية» للأطباء المختصين الجدد، وأكد أنها «قضية تضامن وطني ولا تخص وزارة الصحة ولا الحكومة»، وذكّر الوزير بأنه لا أحد من الأطباء سيتجه إلى العمل بالجنوب دون أن توفر له الوزارة سكناً وظيفياً مجهزاً. تصلّبٌ وتذمّر من جهتهم، أبدى سكان الجنوب أو الصحراء الجزائرية انزعاجهم واشمئزازهم من مطلب الأطباء المختصين الجدد إلغاء «الخدمة المدنية»، وقال العديد من المتدخلين في حصة مفتوحة عن الإضراب في الإذاعة الجزائرية إن هذا المطلب سيضُرّ بمشاعر الأخوّة والمساواة والتكاتف بين أبناء الوطن الواحد، ويُحدِث هوة بين سكان الشمال والجنوب. أما سكان الشمال الجزائري فيُبدون تذمّرهم من استمرار الإضراب الذي أثر سلباً في المرضى ونوعية الخدمات الصحية المقدَّمة، بالرغم من وجود أطباء متخصصين قدامى غير معنيين بالإضراب، ما أجبر الكثيرَ منهم على الاتجاه إلى العيادات الخاصة، يقول كريم ماضي، صحفي بجريدة محلية «لقد أخذتُ والدي إلى المستشفى لإجراء فحوص عاجلة، فرفض الأطباء ذلك بذريعة أنهم في إضراب، هل يُعقل أن نعرِّض حياة إنسان إلى الخطر من أجل انتزاع مكاسب أوتحقيق مطالب؟ هذا ابتزاز وضغط على وزارة الصحة عن طريق المرضى». وأبدى مواطنون كثيرون تذمرهم من تصلب «الأطباء المقيمين» وإصرارهم على هذا المطلب غير المعقول لأنه يُضعف أكثر التغطية الصحية بالصحراء ويؤلب سكانها ويخلق هوة مع سكان الشمال، ويطالبون الأطباء بالتزام المرونة والتنازل عن هذا المطلب حفاظاً على مشاعر الأخوَّة وروح التضامن بين الجزائريين، بينما لا يزال «الأطباء المقيمون» يصرون على أن البديل يكمن في إلغاء هذا النظام الإجباري الذي يرونه بمثابة «عقوبة» واستبداله بنظام اختياري قائم على التحفيزات، يقول الطبيب بلقاسم أمْزالي «لو اعتمدت الوزارة طريقة الحوافز والأجور العالية، لتهافت آلاف الأطباء للعمل في الصحراء دون اكتراث بالظروف الجوية، تماماً مثلما يتهافت الشباب للعمل في شركات البترول في الصحراء للحصول على أجور مغرية يحسنون بها أوضاعهم المعيشية بشكل جذري، حيث يشكل العمل هناك حلماً لملايين الجزائريين».
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©