الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مراجعات السلفية المغربية.. و«مواجعاتها»

مراجعات السلفية المغربية.. و«مواجعاتها»
28 سبتمبر 2017 13:33
جرت في العقود الأخيرة عمليات مراجعة بمعنى فحص ونقد ذاتي، للمعارف وللسلوكيات التي وجهت الحركة السلفية في المشرق العربي خلال القرن الماضي، وهي مراجعات متنوعة تراوحت بين السطحية والعمق، وشهدت رواجاً إعلامياً كبيراً بسبب ارتباطها بالسياسة وبالظروف السياسية المحلية، والتي ترتبط بنوع من النقد الذاتي الذي مارسته الحركات السلفية في اتجاه التصالح مع العصر ومع المجتمعات العربية الحديثة ومع السلطة، إلا أن رياح المراجعة التي طالت أيضاً الحركات الإسلامية في الغرب الإسلامي كانت أقل امتداداً وأكثر محدودية، وإن تميز بعضها بالراديكالية والعمق. تشترك المراجعات السلفية المغربية مع المراجعات السلفية المشرقية في ارتباطهما بفترة شكلت ذروة المحنة بالنسبة لهما، وهي محنة السجن. فقد اعتقل من سموا بالسلفية الجهادية بعد أحداث 2003 بالدار البيضاء، والتي شكلت بالنسبة للدولة علامة فارقة في سلوك هذه الفئات، فقذفت بهم في المحاكمات والسجون، ونالوا ثلاثين سنة سجناً لكل منهم. والحقيقة أن هذا المخاض العسير ولد لدى هؤلاء العديد من ردود الفعل المتفاوتة، تتراوح بين المراجعة السياسية والمراجعات الفكرية أو العقدية. يمكن أن نقول أن المراجعات السياسية كانت عامة لدى مجموعة الشيوخ، حيث راجعوا موقفهم من النظام السياسي، وجنحوا نحو المسالمة ونبذ العنف، والقبول بأنظمة الدولة من دستور وبرلمان، والقبول بالديمقراطية بعد فترة تكفيرها. إلا أن المراجعات الفكرية أو العقدية لم تكن بالعموم نفسه، فربما كانت معالمها بادية عند شيخ أو شيخين على أقصى تقدير. لذلك يمكن أن نقول أن الشيخ الشاب الذي بدت عليه معالم تفكير نقدي ومراجعة فكرية نقدية هو أبو حفص الذي كانت لديه الإمكانية الثقافية والفكرية وكذا الجرأة على مراجعة الكثير من إحداثياته الفكرية حتى وإن سمى ذلك «مراجعات لا تراجعات». لكن ما يسم مراجعات الشيخ أبي حفص هو التصادي بين المراجعات السياسية والفكرية وتلاحمهما. كانت السلفية الجهادية راديكالية في مقولاتها واختياراتها الفكرية والسياسية وبخاصة جناحاتها المتطرفة، والتي تمثل نموذج الانغلاق الفكري المصادي لعملية الانغلاق الاجتماعي. فقد كانت هذه التيارات ميالة إلى تكفير الحكام وأعوانهم من شرطة وجيش ودرك وكذا حراس السجون والقضاة وأعوانهم، ونواب البرلمان لأنهم يشرعون من دون الله، وقد ذهبت بعض الاتجاهات إلى تسمية الحكام الطواغيت بأنهم سدنة هيئة الفاتيكان الإسلامية. فهؤلاء تحل رؤوسهم وممتلكاتهم وأزواجهم بل كذلك آباؤهم وأمهاتهم وأبناؤهم. فالتكفير السلفي الجهادي عملية شاملة امتداداً وعمقاً مثلما هي قاسية وعنيفة. بل إن المجتمع الإسلامي نفسه لم يفلت من تكفيرهم مثلما لم يفلت رجال الدين والأئمة أنفسهم من دائهم، حيث دعوا إلى هجر المساجد العامة على أساس أنها مساجد ضرار، كما دعوا إلى ترك الأكل من ذبائح الجزارين لأنها ميتة ذبحها مشرك لا تحل ذبيحته. كما تشددوا في المظاهر كاللباس واللحية والخمار وعدم مصافحة المرأة، واحترام الطقوس والعادات، وتكفير تارك الصلاة والمفطر العلني ومن لا يؤدي الزكاة ومن يقبل بالربا ومن لا يمج الفيء (أي غصب أموال الناس). مراجعات السلفيين تحولت أحيانا إلى «مواجعات» لأنها مست قضايا عقدية في غاية الحدة. فوراء المراجعات السياسية المتمثلة في القبول بالحداثة السياسية الجزئية المتمثلة في طبيعة النظام السياسي ومتعلقاته كالديمقراطية، والبرلمان، والقوانين (الوضعية!) والأحزاب... هناك مراجعات فكرية عميقة كالقبول بالحريات الفردية وعلى رأسها حرية المعتقد وبالدولة المدنية، وبالآخر المختلف دينيا، وكذا القبول بمبدأ نقد التراث الإسلامي، وانتقاد دولة الخلافة (التي سماها البعض أسطورة الخلافة)، وفكرة الجهاد الأبدي وإغراءاتها المختلفة، وأفكار الشهادة والفرقة الناجية، والخلافة الراشدة... بل إن أبا حفص قد ذهب إلى حد القبول بمراجعة أفكار متوارثة بصدد اللامساواة بين المرأة والرجل، وهي الأفكار التي حركت الرواكد وحشدت عليه المؤسسات المكلفة تأطير وحراسة الحقل الديني. الخلفية التاريخية والفكرية العميقة التي حركت السواكن هي أنه بعد ما يقارب القرن من انبعاث السلفية الإسلامية الحديثة التي شكلت العديد منها أرضية فكرية لتبلور الإسلام السياسي في صيغتيه الجهادية (أفغانستان- البوسنة...) والذي اندغم مع ما أطلق عليه فيتنام المضاد، ثم بلغ ذروته في تفجير وديان الدماء في أميركا وأوربا وآسيا وأفريقيا، تحولت هذه القوى المدافعة عن الإسلام إلى أكبر إساءة إليه، حيث احتشد العالم كله (بما فيه الدول العربية والإسلامية)، ضد ما سمي بالإرهاب الإسلامي، في لقطة بالغة الدلالة على قمة مكر التاريخ. خلف المراجعات الفكرية تثوي مراجعات منهجية وإبستمولوجية تخص العلاقة بين الحقيقة مطلقة والحقائق النسبية. وغلبة منطق التحريم على التحليل، مما يوسع دائرة الممنوعات والمحرمات، مع ما يعنيه ذلك من مناهضة للحياة، والخلط بين صلب الدين والأعراف والتقاليد والعادات، وهيمنة ثقافة السمع والطاعة والامتثال الذهني والجسدي على ثقافة الحوار وإعمال العقل النقدي، وعسر استيعاب التحولات الفكرية العميقة التي حملتها علوم الطبيعة والعلوم الإنسانية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©