الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باحث إنجليزي يستعرض قصة تطور البذور ويفسر أسباب تنوعها

باحث إنجليزي يستعرض قصة تطور البذور ويفسر أسباب تنوعها
4 سبتمبر 2010 21:58
البذور مألوفة لكنها غامضة وسحرها لا نهاية له، لكننا نادراً ما نتأملها بروية، وفي هذا الكتاب الميسر والمكتوب بإمعان “التاريخ الطبيعي للبذور” يبعث مؤلفه الإنجليزي جوناثان سلفرستون الحياة في البذور، فيلقي الضوء على تنوعها، وخواصها المذهلة، ودورها في الطبيعة، وتطورها ومصيرها عبر الزمن. ورغم أن العلم حل كثيراً من الغموض المحيط بكل ما يرتبط بالبذور، فإن هناك ألغازاً ما زالت تحتاج إلى حلّ، من ضمنها سؤال أساسي، هو لماذا تتكلف النباتات عناء إنتاج البذور؟ أحمد السعداوي (أبوظبي) - يقول مؤلف كتاب “التاريخ الطبيعي للبذور” جوناثان سلفرستون إن للبذور حياة من أصل وصورة، فأما حياتها الأصلية ففي الطبيعة قائمة، وأما الصورة فيعكسها الأدب والخيال، ومن ذلك ما كتبه هنري ديفيد ثورو، الفيلسوف الأميركي وأحد أشد أنصار الطبيعة الأوائل، وكان مبهوراً بالبذور ويستمد منها إلهامه “الإيمان بالبذور، أقنعني أن لديك بذرة، وأنا مستعد لتوقع العجائب”. كائن حر من ذا الذي لا يستطيع أن يعجب من أن أكبر كائن حرّ على وجه الأرض وهو شجرة السّكويا العملاقة التي تلقب باسم “الجنرال شيرمان”، ويساوي وزنها تقريباً وزن أسطول من ست طائرات بوينج 717 - جامبو. هذا الكائن نبت منذ أكثر من ألفي سنة من بذرة لا تزن إلا ستة أجزاء من الألف من الجرام. من هنا يوضح الكاتب أن قصة تطور البذور قصة عجيبة تعج بالأسئلة تتناول أولى حلقات هذه القصة: كيف نشأ أول نبات بذرية من أسلافه الأشبه بالسرخس (وهو نبات عشبي بسيط التركيب)؟ ومتى كان ذلك؟ وما الذي يجعلها تنبت؟ وسبب غنى بعض البذور بالزيت، وغنى بعضها الآخر بالنشاء، وسبب كبر حجم بعض البذور، وصغر حجم بعضها الآخر، وسبب كون بعض البذور ساماً، وبعضها الآخر سائغاً. ويحاول الكاتب متابعة أحداث قصة البذور من البداية إلى النهاية عبر مؤلفه منذ البداية الأولى للبذرة عند التلقيح إلى أن ينتهي بها المقام على شكل طعام في صحتك أو مشروب في كأسك.. والغوص في أحوال البذرة يستلزم العروج على شيء من البستنة أو قليل من علم الوراثة أو نبذة عن التجارة، أو لقمة من الطعام: كون كل ذلك يرتبط بشكل جذري بالبذرة. وللتفكر في عظمة البذرة ودورها في الحياة يسترجع المؤلف قول الفيلسوف الصيني لاوتس في إحدى تأملاته “أن ترى الأشياء في البذرة، تلك هي العبقرية”. حقيقة مدهشة يشير سلفرستون إلى حقيقة علمية مدهشة وهي رغم أن النباتات البذرية تطورت أولاً على اليابسة فإن ذلك لا يعني أن بمقدورنا تجاهل الأصول البحرية للنباتات البرية ذاتها، أو كما يقول إ. هـ. كورنر في كتابه الشهير “حياة النباتات” إن النباتات البرية مخلوقة وفق “وصفة بحرية” وباتباع هذه الوصفة البحرية تمخض عن التطور شيء جديد تماماً لتلبية احتياجات الحياة على اليابسة: حنين في صندوق، وهو ما نطق عليه اسم “بذرة”. والواقع أن هذا الصندوق لا يحتوي على الجنين فحسب، بل يضم أيضاً مخزن طعام وضعته الأم هناك، إذن فالبذرة، في واقع الأمر جنين في سلة طعام. هنا يتساءل المؤلف، إذا كانت البذور هي منتهى ما وصل إليه التكيف النباتي مع الحياة البرية، فما الذي سبقها؟ وكيف تطورت من وصفه بحرية؟ وإن هذه المسألة تتضح عند إجراء مقارنة بين النباتات والحيوانات ففي أوساط الحيوانات نجحت القاريات والرخويات والفصليات، في استعمار اليابسة من البحر عدة مرات على نحو مستقل، لكن النباتات لم تنجح في ذلك سوى مرة واحدة. فجميع النباتات البرية وتشمل الحرازيات والسراخس، والكنبات وعاريات البذور، والنباتات الزهرية تنحدر من سلف واحد، كان أول من انتقل من البحر إلى البر. السراخس في سياق مواز، ينقلنا المؤلف إلى الحديث عن السراخس والحزازيات (هي نباتات لا وعائية يصل عدد أنواعها إلى 16 ألف نوع تقريباً ويصل طولها ما بين (1-2 سم) ومنها الحزازيات القائمة المنبطحة). فيقول بأن كلاً من السراخس والحزازيات ربما تكون معدومة البذور، وربما تكون دورتاهما التكاثرية أشبه بالدورة التكاثرية لدى نوع ما من الطحالب البحرية. بيد أن هناك سمة واحدة من سمات دورتيهما الحياتية يتشاركان فيها مع النباتات البرية الأخرى، وتميزها عن الطحالب، ألا وهي أن جميع النباتات البرية تنتج جنيناً متعدد الخلايا، يحتفظ به داخل النسيج الأمومي، ولهذا السبب تعرف النباتات البرية ككل باسم النباتات الجنينية. أما متى تحديداً خلال نموها يتم إطلاق الجنين، فهذا يختلف اختلالاً كبيراً من نوع لآخر. ويذكر المؤلف حقيقة طريفة، وهي أن الأم الأكثر إهمالاً بين الكائنات الحية البرية لا تتصرف أبداً كما تتصرف كثير من الحيوانات والنباتات البحرية، التي تلقط بيضها وحيواناتها المنوية في بيئتها المحيطة وتحملهما وتقترب البرمائيات من هذه الاستراتيجية غير أنها بالطبع ترجع إلى الماء من أجل التكاثر، ولذا ليس من قبيل المصادفة إذاً أن النباتات البرية ككل يمكن تعريفها بأنها نباتات جينية؛ حيث تلعب رعاية الأبوين للجنين دوراً أساسياً في نجاح عملية التكاثر على البر. العصر الديفوني يوضح سلفرستون أن أولى النباتات البذرية التي ظهرت على الأرض، هي التي عثر عليها في السجل الأحفوري في العصر الديفوني، منذ ما يقرب من 360 سنة، وكانت تنتمي إلى الطائفة المعروفة بعاريات البذور، التي يشمل أفرادها الأحياء.الجنكويات، وشعبة السيكاسيات والمخروطيات وقد سميت عاريات البذور بهذا الاسم لأن بذورها لا يغلفها مبيض. أما أسلاف الجنكويات فقد وجدت في رواسب أحفورية من العصر البرمي عمرها 280 مليون سنة، وتعد كزبرة البئر التي لا يزال جهازها التناسلي يحتوي على أكثرمن مجرد سمة من سمات الوصفة البحرية التي نشأت عليها عاريات البذور، من أشهر الجنكويات. وعثر عليها أول مرة عالم نباتات غربي في أرض أحد الأديرة في الصين، لكنها تنمو الآن في حدائق النباتات والمتنزهات حول العالم، ويتميز هذا الأحفور بقدرته العظيمة على البقاء، لدرجة أن أحد أنواعه نجا من القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما سنة 1945 رغم أنه لم يكن بينه وبين مركز الانفجار سوى 1.1 كيلو متر. ويتمتع هذا النوع بقدرة بالغة كل احتمال التلوث، لذا تجد كثيراً من شوارع مدينة نيويورك مزروعاً بالجنكويات، وإن كان ذلك يقتصر على الذكور، لأن الإناث تنتج بذوراً ناضجة لها رائحة كريهة تشبه الزبد الزنخ، ولاشك أن هذه الرائحة كانت تطيب للديناصورات التي أغتذت على بذورها ذات يوم لكنها منفرة للبشر الذين حلوا محل هذه الديناصورات بوصفها عوامل انتشار. ما قبل البذور يعود المؤلف إلى مرحلة ما قبل البذور، أي مرحلة التلقيح والتي تتم داخل الزهرة ذاتها من خلال أبحاث ورؤى كلاً من تشارلز داروين وكريستيان سبرينجل صاحب كتاب “سر الطبيعة” كما يكشف عنه تركيب الأزهار وتلقيحها، حيث أن هذا الكتاب حثّ داروين ليس فقط على التأمل، بل أرشده خلال عمله وهو ما جعله يتوقع الشكل الذي تتم به عملية التلقيح داخل النباتات قبل نحو قرن على ثوبتها علمياً حين اكتشفت فراشة عملاقة في مدغشقر تمتلك خرطوماً طويلاً بشكل لا يصدق في عام 1903، وكانت من فصيلة فرعية لفراشة أفريقية تعرف باسم “سفنكس مورجان” ولم تكتشف هذه الفراشة وهي تلعب الدور الذي خلقت من أجله إلا في أواخر التسعينيات. وينوه سلفرستون إلى أن إعجاب داروين بالأزهار لم يكن افتناناً من نبيل من نبلاء العصر الفيكتوري، يسعى لحفر اسمه في التاريخ الطبيعي، بل كان جزءاً من بحث نظامي شامل في كيفية تفسير الانتخاب الطبيعي وتفاصيل التكيف، واستطاع من خلال جهود وأبحاث كثيرة تفسير أهمية انتقال اللقاح من زهرة إلى ميسم زهرة أخرى، ومعرفة لماذا لا تلقح الأزهار التي تحتوي في الغالب على الأعضاء الأنثوية والذكورية نفسها بنفسها. تجارب ضخمة أعد داروين برنامج ضخم للتجارب على عشرات الأجناس، والمقارنة بين نمو النباتات التي تنشأ من بذور ذاتية التلقيح والسلالات التي تنشأ عن التزاوج بين أزواج مختلفة الجنس، وحتى وقتنا هذا، لم يقدم أحد على إجراء مثل هذه التجارب بنفس الحجم الذي أقدم عليه داروين، غير أنه خلص من هذه التجارب إلى أنه من الأفضل أن تنتج النباتات أزهاراً لديها القدرة على تيسير التهجين الخارجي، لأن التلقيح الذاتي ينتج سلالات أقل جودة. ومن التلقيح يرتحل بنا المؤلف إلى دور الوراثة مع البذور من خلال واضع قوانين الوراثة في العالم جريجور مندل الذي لمع نجمه في خمسينيات القرن التاسع عشر نتيجة ولعه بالأبحاث المتعلقة بعلم الوراثة والتجارب اللامتناهية التي أجراها على النباتات كاشفاً عن قوانين الوراثة لديها، ومن بين تلك النباتات التي احتلت مكانة مرموقة في أبحاث الوراثية نبات البازلاء الذي تتفرد بذوره بسمات تجعل منها مادة مثالية لدراسة الوراثة. وتتضح هذه السمات عندما نعلم أن البذور نباتات جنينية ملفوفة، كما الأطفال المبالغ في حمايتهم في طبقات تمنحها إياها الأم، التي تحمي نسلها وتسيطر عليه. فإذا كان الصغير يفضل اللون الأزرق، بينما تحب الأم اللون الزهري، فإن الصغير سيرتدي الزهري؛ لأن للأم الكلمة العليا، لكن الأمر ليس كذلك دائماً في عالم البازلاء، ومما لاشك فيه أن جراب البازلاء من صنع الأم، وجيناتها هي التي تحدد لونه وشكله، وكذلك الطبقة الخارجية التي تحيط بكل حبة بازلاء في جرابها. سلالات البازلاء في بعض سلالات البازلاء التي تكون فيها القشرة شبه شفافة، بما يسمح بظهور بعض السمات الموروثة للبازلاء الجنينية، نجد أن الجنين تارة يكون أصفر اللون، وتارة يكون أخضر. وكذلك على مستوى الشكل، نجد جنين البازلاء أجعد تارة، وأملس تارة أخرى. ويمكن أن يدرك المرء أن لون وشكل البازلاء يعبران عن السمات الوراثية للجنين، لا السمات الوراثية للأم فحسب، لأنه خلافاً للمثل الشائع: “فولة وانقسمت نصفين”، نجد أن حبات البازلاء الموجودة في الجراب نفسه ليست متماثلة دائماً. ولعل السبب وراء اختلافها يكمن في أن كلاً منها هو نتاج اتحاد منفصل بين خلية بويضة ومحتويات حبة لقاح، ما يعني أنها قد تختلف أو تتماثل، كأي نسل طبيعي. ولا شك أن جينات الأم والأب معاً هي ما يحدد إذا ما كان لون الحبة الجنينية سيكون أصفر أم أخضر، وملمسها أجعد أم أملس. وهكذا تنبسط السمات التي تتجلى في البذرة الدراسة العملية للوراثة؛ لأن نتائج عمليات التهجين، التي تتم بين نباتين مختلفين، تظهر بمجرد أن تنض البذور. ومن ثم لا حاجة لإنبات وإنماء جيل جديد للكشف عن نتائج التهجين، كما هو الحال في دراسات وراثة اللون في الزهرة على سبيل المثال. وفرة معلوماتية استدعت النتائج التي توصل إليها مندل وتكررت مع سبع صفات مختلفة تمام الاختلاف، من مندل ومساعديه زرع المئات من النباتات، وتلقيح عشرات الآلاف من الأزهار، وعد مئات الآلاف من البازلاء. وهناك قصة طريفة أن مندل استغل فائض البازلاء استغلالاً جيداً، حيث احتفظ دوماً بكمية في جيبة لاستخدامها في إيقاظ تلاميذه الذين يغلب عليهم النعاس في صفه بمدرسة برون الحديثة. لكن طلابه المرجومون بالبازلاء ذكروه بحب وإجلال. وتمضي باقي صفحات الكتاب مع الكثير من العلاقات المذهلة بين البذور وموضوعات غير متوقعة مثل محاكات السحرة التي جرت في القرن السابع عشر وكيفية رؤية الألوان، وأيضاً تطور الخميرة، وغيرها من المواضيع شديدة الخصوبة والتي تتحدث بثراء ووفرة معلوماتية غير عادية عن عالم البذور. البذرة والثمرة تتوافق البذرة والثمرة بشكل طبيعي أكثر مما يتوافق الحصان والعربة أو الحب والزواج، فهما مرتبطتان بيولوجياً بعقدة وثيقة تمتد جذورها بعمق في أسلاف النباتات البذرية. وفي المقابل ومن منظور لغوي، فإن المجازين “بذرة” و”ثمرة” تربطهما علاقة تضاد كذلك. فكلمة “بذرة” تفيد ضمنياً البداية، مع إمكانية كون الشيء غير واقعي حتى الآن، في حين أن “ثمرة” ليست عبوة بداخلها إمكانية بل هي مكافأة على إنجاز. ليمون الجنة التخصص البيولوجي لسموم البذور وغيرها من أجزاء النباتات يعني أن الكثير منها له قيمته الطبية وذلك شريطة استخدامها بالجرعات المناسبة حيث يمكن استخدامها في استهداف مواطن خلل وظيفي محددة في الجسم. فقد وجد العلم أن سم الريسين، على سبيل المثال، يعد عاملاً مكافحاً للخلايا السرطانية نظراً لخصائص قتل الخلايا التي يتمتع بها. وتتمتع المستخلصات العشبية لبذور ليمون الجنة بخصائص مضادة للميكروبات، ومع ذلك فهي لا تلحق أي ضرر بالبشر والحيوانات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©