الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللعب والزمن..

اللعب والزمن..
9 نوفمبر 2016 19:36
رضاب نهار يفترض أن يكون انطباعك عن صورة بطلها طفل في فضاء تهيأ ليستوعب لعبه وضحكاته، مفعماً بالفرح والحب والتفاؤل، لكن، في كثير من الأحيان، قد يغدو المشهد معاكساً، فلا ترى إلا البؤس والألم في عناصره، وكأن النقيض تماماً يحدث أمام ناظريك.. فليس من السهولة أبداً، أن تمنح الحياة لمكان فقدها، وربما إلى غير رجعة، وما أكثر هذا النوع من الأماكن هذه الأيام!!.. لنبدأ من اللون، وتحديداً من ذلك الرمادي المقيت والبارد، الذي افترش كامل الخلفية ملوّحاً بالكآبة في وجوهنا. والذي بحضوره بدَت تلك الألوان الزاهية والفاقعة، خجولة لا تقوى على الفرح، وقد فقدت حرارتها ودفئها. ونكتشف كيف للرمادي القدرة على تحنيط الحياة وسبغها بخيوط الموت، خاصة في بلاد يغزوها الفقر، ويسكن أرواح أبنائها، رافضاً الزوال إلا بزوالهم. لن تقع عيناك على أي جزء من أجزاء هذه الصورة، إلا وستراه كئيباً قاسياً، يشبه في قسوته مواده الخام المصنوع منها، فالإسفلت والحجر المرصوف والحديد، لها من القسوة ما يستطيع القضاء على أي كائن حي، وبوسائل وأساليب لا تعد ولا تحصى. حتى الخشب، وهو الاختراع الحميمي المشهور بجماليته وحنانه في منازلنا، وفي الطرقات، وفي آلاف الأماكن الأخرى، فشل في فرض حميميته وسط منظومة تفيض قسوة وجفافاً، كالتي نراها هنا.. وقد لا أبالغ لو قلت إن المشهد برمته، وبالوحشة المسيطرة على أجزائه، يأخذنا إلى ما نعرفه، أو نفهمه، أو ما وصلنا، عن غرف التعذيب في سراديب حُفرت تحت الأرض وصارت محفورة في ذاكرتنا.. وماذا عن الأدوات الحادة في غرفة مُعدّة للأطفال؟ أليست خطيرة عليهم؟ ألا تعتبر هذه القطع المصنوعة من الحديد، والمدببة كالسكاكين والمخارز، مؤذية لضحكاتهم؟ بالطبع نعم.. من الواضح أن الذي ابتكر هذه الغرفة لا يعرف شيئاً عن أدنى معايير السلامة، بما يخص صالات لعب الأطفال. وبالتالي يمكنك أن تدرك المستوى الاجتماعي والثقافي للوسط المحيط بالطفل. لتتأكد من أن ثمة فقراً يتغلغل في مفردات الحياة اليومية، ويتحكم بتصرفات ومدارك البشر، وبوعيهم بوظائفهم ومهماتهم، وبالحاجة الطبيعية لهم. وحين يظهر الفقر جلياً في صورة، بحيث يمكنك التعرف عليه من النظرة الأولى، فإن الحياة تكون بائسة، لدرجة أن لها نفساً كريهاً. بطل الصورة، هذا الطفل المتكئ على لعبته، وحيداً وكئيباً، قد أدار عينيه عن الكاميرا باتجاه شيء ما، أو شخص مجهول لا يمكن لنا أن ندرك ملامحه. وبغض النظر عن هذين الاحتمالين، من الواضح أن طفلنا متعب، لدرجة أنه أشاح بنظره عنا، عن الكاميرا، شارداً كما الكبار الذين أنهكتهم الحياة وأذاقتهم مرها، حتى الحصان الخشبي ينظر إلى الأمام بكآبة قاتلة، وهل هي المصادفة التي رسمت البؤس بين الوجهين؟ وأكاد أجزم أن تلك الكرة البرتقالية المركونة في المستوى الخلفي من المشهد، إلى جانب الحائط الكبير الحائز على الصدارة، لم يلعب بها أي طفل كما يجب. ولم تؤدي أيضاً مهمتها الحضارية والتاريخية في هذه الغرفة الضيقة، والمشغولة بأثاث غير مكتمل على الإطلاق. إذ نعرف عنها عشقها للمساحات الكبيرة والملونة، وللضجيج والكثرة. فجأة، ومن دون أن تدري، تضع نفسك مكان الطفل في الصورة، مأخوذاً بالظاهر ونقيضه. لا تسأل عن عرقه أو دينه، تراه كما لو أنه أنت، وأحياناً كما لو أنه ابنك. بعدها، تدخل في متاهة البحث عن سعادته الضالّة، وعن بؤسه الحاضر جداً. ومثلما تواجهك العديد من الأسئلة البديهية والمشروعة، حول واقع طفلنا وماضيه ومستقبله، ترى نفسك وجهاً لوجه أمام الحكايات والتخيلات العديدة. فتجلس متأملاً متفحصاً، بينما روحك وعقلك ينسجان أحداث وحكايات من وحي العناصر كلها. وبالطبع، ستكون جميعها قصصاً سريالية، تفوح بمعطيات واقع منهَك ومنهِك.. وكالعادة في مثل هذه المشاهد، تغزوك أسئلة مشروعة حول العدالة القائمة على هذه الأرض. وتموج بين طيات الألم والتعب والقهر، باحثاً ومقارناً بين ملايين الصغار الذين تفترسهم الحروب والأقدار يومياً، وهم كثر من حولك، وبين غيرهم ممن يحظون بدفء صالات الألعاب، وبجمالها، وألوانها الفاقعة والجميلة. هنا سندخل جميعاً في متاهات لا تنتهي، من قذارات السياسة وما تعكسه فعلياً من منظومات اقتصادية واجتماعية وثقافية، تحدد لك مستقبلك قبل أن تولد بكثير. وما أفظع هذه الحياة التي يكون قدرك فيها مغلوباً ومظلوماً، وسط معادلة لا حول لك فيها ولا قوة. ويكون عليك أن تحتفظ بالظلم كظل أمين لجسدك المقهور. هامش: فازت هذه الصورة بالجائزة الثالثة من (صورة الصحافة العالمية في دورة العام 2013) قسم Staged Portraits، وهي واحدة من سلسلة صور التقطها المصور الصيني فو يونجون Fu Yongjun في قرية زانغمو في تشونغتشينغ، بجنوب غرب الصين. وتظهر أطفالاً غادر آباؤهم الوطن بحثاً عن لقمة العيش، وسعياً لإعالة عائلاتهم، أحدهم هذا الطفل هوانغ تشي، والبالغ من العمر 4 سنوات، الذي قطع المسافات الطويلة برفقة والدته ليرى جده وجدته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©