السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كلثم عبدالله: رحلة مثمرة تكللت بسلطان الشعر

كلثم عبدالله: رحلة مثمرة تكللت بسلطان الشعر
4 سبتمبر 2010 21:45
ولدت الشاعرة كلثم عبدالله سالم في إمارة عجمان في فريج الحد، حيث كانت أسرتها تقيم في تلك الإمارة، وعندما بلغ عمر كلثم ثلاث سنوات عادت الأسرة إلى إمارة دبي إلى منزلهم القديم في فريج الراس بجانب مكتب الجري- ماكنزي بجوار منزل عائلة البسام المشهور بفخامته وعمارته العربية الإسلامية، وقد بقيت الأسرة في تلك المنطقة مدة عامين ثم انتقلت بعد ذلك إلى منطقة النخيل. والدة كلثم كانت تخيف بناتها بأنهن سيعاقبن بالضرب إن خرجن والأهل في قيلولة الظهر، ولكن الأخت الكبرى كانت تهدد الصغيرة كلثم بحرمانها من اللعب معها إن لم تخرج معها، لأن الأخت الكبرى أيضا كانت صغيرة في العمر، وبحاجة للعب وللتحرك بحرية كما كان جميع الصغار يفعلون، ولذلك خرجت مع أختها وهي ترتعب خوفا من العقوبة، وذهبتا إلى نخل بن ثاني لجمع الرطب، وعندما رمت الأخت عبوة زجاجية على النخلة انكسرت العبوة وطارت شظية كبيرة وجرحت الجفن السفلي لكلثم، فانفجر الدم، وتلون ثوبها باللون الأحمر، فكانت تبكي خوفا وألما، فطلبت منها أختها أن تقول أنها اصطدمت بأحد الأسلاك الشائكة عندما يصلن للمنزل، وهذا ما فعلت كلثم. عقاب متأخر مرت فترة طويلة على تلك الحادثة وذات يوم رأت كلثم أختها وقد اشترت من الدكان نوعا من الحلوى الذي كان ولا يزال محبباً لدى الأطفال لأنه بطعم الحليب، وهو معروف بغلاف عليه صورة بقرة مرقطة بالأبيض والأسود، وكان الجميع يسمونه حلاوة البهلوان، وعندما طلبت من أختها أن تذوقها من تلك الحلوى رفضت. تعود كلثم بذاكرتها إلى تلك المرحلة وذلك المشهد حين كانت الأم كعادتها جالسة إما تخيط ثوبا أو تقرض برقعا، وتلك كانت من الأعمال التي تقوم بها لأسرتها أو للصديقات والأهل، حيث كان الجميع يتعاونون في تلبية طلبات بعضهم، وهناك صاحت كلثم إن لم تعطيني سوف أخبر.... وما إن سمعت الأم تلك الجملة حتى أمسكت بكلثم وطلبت منها أن تخبرها وإلا سوف تنال ضربا مبرحا، وأخبرت كلثم أمها بما حدث في ذلك اليوم حين جرحت، وأنهما خرجتا دون إذن، وفي نهاية الأمر تم ضرب الاثنتين معا. كان جيران أهل كلثم بيت بن يدعوه والتاير وبن يلوان، ولا تذكر كلثم الكثير عن والدها إلا من خلال الصور التي تركها، حيث غادر إلى الكويت للعمل مثل الكثير من أهل الخليج، الذين كانوا يتنقلون بين دول الخليج من أجل الوظائف والمهن التي تدر عليهم رزقا يكفيهم ويكفي أسرهم، ولكنها تذكر أن والدها لم ينقطع عن إرسال مبالغ كانت كافية لحاجتهم حتى توفاه الله خارج دولته رحمة الله عليه. متع الطفولة أسرة كلثم كانت تذهب للمقيض مع الجيران من تلك الأسر التي لا تزال تذكرهم إلى اليوم، وكان المقيض في منطقة الوحيدة، وهناك كانت الفتيات يتجمعن للعب وكان يقال أن فلانة تحيي أو تعالين نحيي(بتسكين الحروف)، وهي عبارة عن صنع عرائس من بقايا أي قماش وتمثيل الحالة الاجتماعية والأسرية والمجتمع، من خلال العرائس القماشية والبيوت الصغيرة التي تصنع من الكرتون أو الخشب، ومن الفتيات اللاتي كن يلعبن مع كلثم من قوم العضب وعيال بن زايد. تتذكر كلثم تلك المرحلة حين كانت صديقتها الملازمة لها طوال الوقت، هي أختها التي تكبرها في العمر بضع سنوات، وتتذكر جمال وروعة تلك المنطقة ذات الرمال البيضاء كالسكر، وكانت المنطقة مرتعا للأطفال والنساء وللتجمعات، ولم يكن يعكر صفو المنطقة أي شيء، ولكن ذات يوم أفاقت المنطقة على دخول جنسيات أخرى من الأهواز وفارس واليمن. فجأة وجد أهل المنطقة خياماً ذات أشكال غريبة قد ضربت أطنابها، فمنعت الأمهات الفتيات من الخروج خشية تعرضهن لمكروه، وأصبح الآباء لا يتركون أبناءهم يلعبون بمفردهم، بل كانت هناك رقابة دائمة، وقد كان أجمل ما يمتع أهل منطقة النخيل وجود نخل عيال ثاني، ولكن تبدلت الأحوال نتيجة دخول الغرباء، ومن أهم ما حدث أن تلك الخيام اختفت بعد فترة قصيرة، لأن اؤلئك الغرباء ذابوا في المجتمع، حيث امتهن بعضهم التسول والبعض الآخر السرقة التي لم تكن معهودة بين المجتمع. فوبيا من بين الشخصيات التي تذكرها كلثم الأشخاص المصابون بالجنون أو متلازمة الأماكن الضيقة، مما كان يجعل سلوكهم عدوانياً بعض الشيء في أحيان كثيرة، خاصة أن الأطفال كانوا يركضون وراءهم وينعتون المريض بصفات غير لائقة، ومن بين أولئك شخص كان يسمى بونيزه وشخص آخر أطلق عليه ديكوه، وسّعود الخبله وقريّد وشخص كان يقال له رصيه ياسكه، لأنه كان يخاف من الأماكن الضيقة، وما أن تقال له تلك الجملة يخاف ويركض وراء الأطفال. عندما دخلت أخت كلثم الكبيرة إلى المطوع كانت تأخذها معها كمستمعة، ولكنها كانت تجد نفسها تحفظ ما تسمع نتيجة تكرار ترديد الآيات القرآنية، وكانت المطوعة فاطمة تشجع الصغار على الحفظ، وعندما تنتقل الأسر إلى مكان المقيض للتصييف يذهب الصغار للتعلم عند المطوع عبدالرحمن المشوي الذي كان يأتي من جزيرة أبوموسى، ومن أجمل ماكان يمتع الجميع أن البيوت كانت مباشرة على شاطئ البحر، ومن خلف تلك المنازل كانت أشجار النخيل باسقة، لأن تلك الأرض كانت طيبة، وتتذكر كلثم أنها في تلك السنة بدأت تقرأ القرآن وتحفظه، وقد كان ما يدفعها لمزيد من التفوق وهي في الخامسة من عمرها أن أحد أبناء بن غليطة كان ينافسها، مما شكل حافزا لها. ألعاب الصغر تذكر كلثم أن أبناء وبنات الفريج كانوا يذهبون في الصباح الباكر لشراء السمك ثم يتوجهون بعد ذلك إلى المطوع، وبعد صلاة المغرب كان الجميع يصبحون في شدة الحماس، حيث يحفر كل شخص(مدحاة) وهي مكان في التراب على شكل مهد ترابي من أجل الحصول على البرودة في ليالي الصيف، حيث لم يكن هناك لا كهرباء ولا أجهزة تكييف، وأجمل مافي تلك الحالة التي يتخذها كل شخص، هي ساعات من السمر، لأن المنطقة بكاملها تكون على تلك الحالة، كل رجل الى جوار أهل بيته. ويقضي الصغار ساعتين أو أكثر في سماع الخراريف أو الحكايا الخرافية، وتتفنن كل أم أو جدة في أسلوب السرد أو الإلقاء، ومن أشهر النساء اللاتي كن يحكين بأساليب مشوقة للصغار شقرا بنت صالح ووالدة كلثم، وكان الصغار أيضا من بقية الأسر يستمعون لأمهاتهم، ومنهن قوم الفطيم وقوم النابودة وبن يلوان وقوم الجاز. في حضرة المدرسة في مرحلة أخرى انتقلت الأسرة للسكن في منطقة بورسعيد، وكذلك كان من ضمن من انتقل المطوعة فاطمة، وتتذكر كلثم أن المطوعة تقتطع جزءا من وقت التعليم لتكلف الصغار بقضاء بعض شؤونها الخاصة مثل رعي الأغنام وتنظيف حوش المنزل وغسل الأطباق، ولم يكن الأهل يتذمرون من ذلك، لأنها كانت تدرس بإخلاص القراءة والحفظ والإعراب. ختمت كلثم المصحف قراءة، وتم تسجيلها في عمر السابعة في مدرسة الخنساء عام 1965، وقد أصبحت متفوقة لأنها كانت تعرف إعراب الجمل، وبدأت لديها بوادر الميل نحو الكلام المسجوع، الذي كان يلفت انتباهها ويجعلها تلجأ إلى الحفظ كمحزون في الذاكرة، وبعد فترة بدأت مرحلة انتقال المناهج من المتوسط إلى الإعدادي، وكانت مرحلة صعبة حتى على المعلمات اللاتي كن يدرسن في الصباح، وفي فترة بعد الظهر يحضرن محاضرات ودروس من أجل تعلم المنهج الجديد. صاحبة الجلالة بداية مرحلة الدولة الاتحادية كانت بداية غنية بالمهرجانات الثقافية والتعليمية وكانت تصدر في كل مدرسة مجلات ثقافية، ولذلك ما إن أنهت الثانوية العامة حتى وجدت كلثم نفسها كاتبة في أقوى المجلات في تلك الفترة وهي “الأزمنة العربية”، ولكنها سافرت إلى دولة الكويت ضمن أكبر بعثة على الإطلاق وكانت مكونة من 23 طالبة، وكان ذلك في عام 1977، وقد واجهت صعوبة في ذلك نتيجة رفض الأم لفكرة السفر، ولكن ابن خالتها كان قد خطبها، وساعدها على تخطي الصعاب. صادف أن كان وقت التسجيل في شهر رمضان، وقد عادت مجموعة من الطالبات قبل أن تبدأ الدراسة لأسباب مختلفة، ومن الفتيات اللاتي كن مع كلثم رجاء النومان وصوفي عبدالله صالح وخولة لوتاه ومنى مطر. واختارت كلثم علم النفس فقد كانت محبة للتحليل النفسي منذ كانت في المرحلة الثانوية، وفي معظم الكورسات الجامعية كانت تحتل مرتبة الشرف لحوالي ست مرات، فقد كانت تقضي ما يزيد عن أربع ساعات يوميا في المكتبة حتى لا يقطع تركيزها أي صوت، وكان زوجها يأتي لزيارتها في نهاية كل شهر حيث كان قد عقد عليها ولكنهما لم يتزوجا فعليا إلا بعد التخرج. تلك الزيارات كانت تحمل لها أخبار الامارات والأهل والأحداث، وكانت بعض زميلات الدراسة يحضرن كل لقاء بينها وبين زوجها، لأنهما كانا يلتقيان في سوق السالمية، وكان يعزم كل رفيقاتها للمشاركة في الطعام أو تناول المرطبات، وقد انتهت مرحلة تعليمها الجامعي بيسر. في خفايا النفس عندما عادت بعد التخرج إلى الوطن كانت تفكر بالعمل في وزارة التربية لأن لدى الموظفات إجازة طويلة، فعملت أخصائية اجتماعية في مدرسة سكينة وكانت المدرسة تبدأ مراحلها الدراسية من السادس الابتدائي إلى الثانوية، وخلال عام 1982 تزوجت وانتقلت لمنطقة الحرية بسبب سكن الزوجية ولذلك انتقلت أيضا من المدرسة إلى مدرسة الأمة وبقيت فيها مدة ست سنوات، وبعد ذلك تم نقلها إلى الوزارة بناء على قرار من الدكتورة عائشة السيار التي كانت تحتل منصب وكيل وزارة التربية والتعليم. كان ذلك لحاجة الوزارة لشخصية ذات خبرة من أجل إنشاء قسم الصحة النفسية، للحالات التي ربما تعاني من بعض السلوكيات أو الضغوط النفسية، وتم تعيينها رئيسة لذلك القسم الذي كان فيما مضى عبارة عن شعبة، وخططت كلثم لتنظيم جدول أسبوعي للأطباء النفسيين بالتعاون مع وزارة الصحة، بالعمل ضمن عيادات الصحة المدرسية، وقد ساعد ذلك على أن لا تعرف أسرار الطالبة أو الطالب الذي يعاني من أية مشكلة، إذا ذهب لتلقي العلاج لأي مرض أو أعراض، مما سهل عملية العلاج. في عام 1991 تلقت كلثم انتداب لديوان الحاكم في إمارة دبي، حيث كان المرحوم بإذن الله الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، قد أمر بتأسيس قسم الخدمة الاجتماعية للمرأة، وبعد ذلك بثلاث سنوات استقالت من وزارة التربية والتعليم للتفرغ لمنصبها الجديد، والذي قضت فيه 13 عاما حتى تقاعدت بعد 25 عاما من الخدمة التعليمية والتربوية التي ضمتها. كلثم الشاعرة بزغ نجمها عام 1990 مع رابطة أديبات الامارات، وشعرت بأهمية الالتزام تجاه الرابطة التي كانت بحاجة لرفد من باقة الأديبات الاماراتيات، وفي عام 1999 صدر لها أول ديوان شعري نبطي بعنوان “شذى الرايح”، وعام 2000 أتبعته بديوان “نقش في زوايا الذاكرة”، وكلثم عضو الهيئة الإدارية لتجمع شعراء بلا حدود وعضو اتحاد المدونين العرب، وهي النائب الثاني لرئيس مجلس إدارة سيدات أعمال الامارات، ومؤسس ومدير مرافئ دبي للثقافة والإبداع.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©