الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كانت ليلة مظلمة وعاصفة

كانت ليلة مظلمة وعاصفة
10 يونيو 2015 21:30
منذ خمسين عاماً، ألّفت كتاباً، وقمتُ فيه، بين جملة من الأمور الأخرى، على تحليل القصص المتسلسلة الفكاهيّة المصوّرة على غرار «بينوتس»، و«كريزي كات» وحتّى «سوبرمان». وقد اشتكى أحد نقّاد الكتاب – الذي تُرجِمَ عنوانه إلى «تأجيل الآخرة» في إحدى النُسَخ الإنجليزيّة – قائلاً إنّني استخدمت تقنيّات أدبيّة مترفّعة لتحليل ظاهرة ثقافيّة تافهة، مضيفاً، شامخ الأنف، أنّ تقنيّات من هذا القبيل ستكون أكثر تناسباً مع مواضيع أكثر أهمّيةً. وقد أعرب الناقد عن خوفه من تكريس القدر عينه من الاهتمام لأفلاطون وألفيس بريسلي. ومن ثمّ أصدر توقّعاً، حيث أفاد قائلاً: «لا أعرف إن كان هناك احتمال بأن يتحوّل الأمر إلى حقيقة. ولكن لو حصل ذلك، سيبدأ معظم المفكّرين الإيطاليّين، في ظرف سنوات، بإنتاج الأفلام، والأغاني والقصص المتسلسلة الفكاهيّة... في حين سيعمل المحاضرون الجامعيّون على تحليل ظاهرة الثقافة الجماهيريّة». كم كان بارعاً في التكهّن، ففي الفترة التي كتب فيها كلامه هذا، في مطلع ستّينيّات القرن العشرين، كان إيتالو كالفينو وفرانكو فورتيني قد بدأ بتأليف الأغاني، في حين شرع بيير باولو بازوليني وألان روب - غرييه ينتجان أفلاماً. وبحلول نهاية سبعينيات القرن العشرين، كانت بعض الجامعات في إيطاليا تعطي دروساً في وسائل الاتصال الجماهيري. ولكن لعلّه تعذّر، حتّى على هذا الناقد، التصوّر أن يكون الناس قد احتفلوا في آذار (مارس) الماضي، في جامعة ميلانو الحكوميّة، بالذكرى الخمسين لإطلاق مجلّة «لينوس» الإيطاليّة المتألّقة، التي تسلّط الضوء بشكل أساسيّ على القصص المتسلسلة الفكاهيّة. لقد شارك جيوفاني غانديني في تأسيس مجلة «لينوس» وحرّرها طوال سنوات، وأبصرت النور في مكتبة «ميلانو ليبري» التاريخيّة. وقد نشرت قصصاً متسلسلة فكاهيّة، بما يشمل «بينوتس»، و«بوغو»، و«ليل أبنر» (أبنر الصغير) و«ديك تريسي»، إلى جانب مقالات تتناول الروح السائدة في العام 1968 ومسائل أخرى. وفي وقت لاحق، نشرت «لينوس» قصصاً متسلسلة فكاهيّة من تأليف فنانين إيطاليّين على غرار غيدو كريباكس وهوغو برات. وفي سبيل تمديد إرث مجلّة «لينوس»، نشرت دار «ريتسولي- ليزارد» مؤخّراً كتاب «لينوس: قصّة ثورة وُلِدَت من دعابة»، بقلم باولو إنتردوناتو، الذي يستعيد سيرة المجلّة وبيئة ميلانو المعاصرة، متعقباً تأثير «لينوس»، أقلّه على جيل واحد من هواة القصص المتسلسلة الفكاهيّة. ولكن فلننظر إلى الأمور بتروٍّ للحظة. كيف أحبّ غانديني ورفاقه القصص المتسلسلة الفكاهيّة الأميركيّة في مطلع الستينيات، مع أنّ أحداً في إيطاليا لم يُصدرها في ذلك الحين؟ أذكر أنّني رأيت قصصاً فكاهيّة متسلسلة أميركيّة في كشك «ألغاني» للصحف في ساحة «دي لا سكالا» في ميلانو، ولكنّها شملت عادةً قصصاً على غرار «سوبرمان» و«دونالد داك» من إنتاج ديزني. ولا شكّ في أنّه أمكن غانديني الذهاب إلى الولايات المتّحدة، والاطّلاع على القصص الفكاهيّة المتسلسلة من مصدرها. أو لعلّه صادفها بين أيادي المحرّرين الأميركيّين الأوائل – وهو ما حصل معي بالتمام. ولكن حتّى قبل انتهاء الحرب، ظهرت مجلّة صغيرة بعنوان «روبنسون» في روما في العام 1945، ونشرت روايات «ديك تريسي»، و«ليل أبنر» و«تيري والقراصنة» من تأليف ميلتون كانيف و«العميل السرّي أكس-9» وغيرها من القصص. ولم تدم المجلّة طويلة، وكان مضمونها حديثاً جدّاً، ولم يلق أيّ اهتمام يُذكر، لا لدى الصغار، ولا لدى الكبار (مع أنّ الكبار لم يقرأوا القصص المتسلسلة الفكاهيّة أصلاً في تلك الأيّام). ومع ذلك، لا يزال الاحتمال قائماً بأن يكون غانديني اكتشف هذه القصص المتسلسلة الفكاهيّة للمرّة الأولى بين صفحات «روبنسون» بالتحديد، عندما كان في سنّ السادسة عشرة. ولكنّنا لن نعرف ذلك يوماً، حيث إنّ غانديني توفّي، وفي أيّامنا هذه، من الصعب جدّاً إيجاد نسخ عن مجلّة «روبنسون» في المكتبات (وقد باتت اليوم باهظة الثمن). واللافت أنّ ذاك الناقد المتكبر لم ينجح في التوقّع بأنّنا في أحد الأيّام، لن نكتفي بدراسة لغة القصص المتسلسلة الفكاهيّة وتاريخها الثقافي، بل أيضاً علم آثار هذه القصص وكيفيّة جمعها. هل كان التعامل مع شخصيّة «تشارلي براون» بجدّية منطقيّاً منذ نصف قرن؟ كان هذا رأيي حتماً. وقد التقيت تشارلز شولز، مبتكر شخصيّة تشارلي براون، مرّةً واحدة فقط – في حانة باريسيّة قبل وقت قصير من وفاته في العام 2000. وقد شكرني على مقدّمة كنت كتبتها لأوّل كتاب «بينوتس» تمّ نشره بالإيطاليّة، وقد أعادت دار«نيويورك ريفيو أوف بوكس» نشره بعد عشرين عاماً من ذلك. أيّ سؤال طرحه شولز شبه مباشرةً؟ أراد أن يعرف رأيي بيسوع المسيح. وأنا لا أذكر إجابتي – الأرجح لأنها لم تكن ملفتة – ولكنّي اقتنعت في تلك اللحظة أنّ شولز لم يكتفِ برسم شخصيّات محبوبة في القصص المتسلسلة الفكاهيّة، بل كان أيضاً شاعراً لديه اهتمامات فلسفيّة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©