السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عراق ما بعد الانسحاب... حالة من الغموض

عراق ما بعد الانسحاب... حالة من الغموض
3 سبتمبر 2010 23:23
اليوم وبعد انتهاء الحرب في العراق وتوقف العمليات القتالية، على الأقل بالنسبة للقوات الأميركية التي غادر الجزء الأكبر منها بلاد الرافدين متوجهاً إلى الدول المجاورة في طريق العودة إلى البلاد، لا يمكننا الحديث سوى عن أمر واحد يبدو واضحاً للغاية، وهو أننا لم ننتصر دون أن يعني ذلك أننا انهزمنا أيضاً، أو خسرنا الحرب، فالحروب بصفة عامة لم تعد تنتهي كما في السابق بحفلات النصر وتنظيم الاستعراضات العسكرية، بل تنتهي اليوم في ظل حالة من الغموض تخيم على نتائجها، بحيث أضحى من السهل رصد التضحيات القاسية التي بُذلت في الحرب من رصد المكاسب التي حققت. وها نحن اليوم نعلن الانتهاء من العراق بعد مرور أكثر من سبع سنوات على القتال والمحاولات الدؤوبة لإنقاذ هذا البلد، وستمر أيضاً سنوات، ربما عشر أو أكثر، قبل أن نعلن انتهاء الحرب في أفغانستان وإعادة القوات إلى أرض الوطن، فقد انُتخب الرئيس بوش خصيصاً على ما يبدو لإرسال القوات الأميركية إلى العراق لغزوه ثم احتلاله حتى في ظل انعدام أي مبرر معقول للقيام بذلك، بصرف النظر عن الأسباب الواهية التي ساقتها إدارته مثل البحث عن أسلحة الدمار الشامل التي وفرت الذريعة لبوش كي يبرر الحرب ويصحبنا معه في مغامرة مجهولة. لكن حتى لو كان بوش ومساعدوه يؤمنون في قرارة أنفسهم بأن صدام سعى إلى تطوير السلاح النووي لم يكن هناك مبرر قوي يدفع الولايات المتحدة أو حلفاءها إلى الاعتقاد بأنهم يواجهون خطراً داهماً من صدام، وفي غزوهم للعراق لم يكن الأمر مجرد الإطاحة بنظام ديكتاتوري أذاق الويلات لشعبه، بل كانت فرصة أيضاً لصياغة الشرق الأوسط من خلال زرع ديمقراطية موالية للغرب في قلبه، والحقيقة أنهم نجحوا في إسقاط النظام، لكنهم فشلوا في مسألة الديمقراطية. وعلى مدار السنوات كانت الحرب في العراق تتجه بخطوات أكيدة نحو كارثة محققة بعدما ارتفع منسوب العنف وعمت الفوضى واختلطت الأمور حتى بات الناس يتمنون عودة النظام السابق وخشيت أميركا على صورتها الدولية بعد تدفق مقاتلي "القاعدة" إلى العراق لمحاربة الجنود الأميركيين، لكن ذلك تغير بعد انقلاب السُنة على "القاعدة" وتشكيل الصحوات التي لاحقتهم في المناطق الصحراوية الغربية للعراق، وجاءت أيضاً عملية الزيادة في القوات التي أمر بها بوش وأوكل قيادتها إلى الجنرال البارع، ديفيد بترايوس، لتخفف الضغط عن القوات الأميركية ولتقلب الموازين لصالح الأمن النسبي في العراق، والنتيجة أنه تم تفادي الأسوأ في العراق وظل البلد محافظاً على تماسكه رغم كل السيناريوهات التي رسمت وقسمت العراق على أساس طائفي، لكن عدم تحول العراق إلى مجزرة كبرى بين طوائفه لا يعنى أنه بات مستقراً بالكامل وأبعد عنه شبح الانقسام، فبعد شهور على انتخاب برلمان جديد لم تنجح بعد النخبة السياسية المتناحرة في تشكيل حكومة تُخرج البلاد من حالة الفراغ التي يعيشها وتعيد إلي مواطنيه الثقة في العملية السياسية، هذا بالإضافة إلى استمرار العنف كما شهدنا في الأسبوع الماضي عندما هزت سلسلة من الهجمات المنسقة العراق. وإذا كان هناك من شيء لا يتغير في الحروب فهي النتائج غير المتوقعة التي دائماً ما تسفر عنها، فمهما بلغ التخطيط من مهارة، وهو الأمر الذي لا يمكن الجزم به أصلا في الحالة العراقية، كثيراً ما تخرج الأمور عن السيطرة، وفيما يخص العراق يبقى التطور الأكبر غير المتوقع هو استفادة إيران وكسبها لنفوذ كبير في المنطقة جراء التدخل الأميركي في العراق، وهي اليوم أقرب لأن تصبح قوة نووية في الإقليم، لذا يتعين على كل من كان يعتقد بأن الشرق الأوسط سيتحول إلى واحة للسلام بعد الإطاحة بصدام أن يعيد حساباته. وحسب الإحصاءات خسر العراق أكثر من 100 ألف شخص من أبنائه قتلوا خلال سنوات الحرب، فيما سقط حوالي 4416 جنديا أميركيا وجرح 30 ألفا آخرون، هذا في الوقت التي تشير فيه التقديرات إلى تكلفة كبيرة تكبدتها الولايات المتحدة وصلت إلى 700 مليار دولار، ومع أن صدام لم يعد موجوداً وتم انتخاب نوع من الحكومة الديمقراطية في بغداد بعد سقوط النظام السابق. ورغم بناء قدرات القوات العراقية بمساعدة الجيش الأميركي وقدرتها على تحمل الحد الأدنى من المسؤولية الأمنية في العراق بعد خروج الولايات المتحدة، فإننا لا نستطيع مع كل ذلك ادعاء النصر، هذا الغموض في النتيجة النهائية للحرب وصعوبة الحسم بين النصر والهزيمة ينسحب أيضاً على الحرب في أفغانستان، فمن الواضح أن تعهد الرئيس أوباما ببدء سحب القوات بحلول شهر يوليو المقبل لا يعني أن القتال انتهى، فرغم الأهداف المعلنة للحرب في أفغانستان والمتمثلة في القضاء على "القاعدة" التي اتخذت من أفغانستان قاعدة عملياتها وملاحقة تنظيم "طالبان" الذي وفر لها الحماية، ورغم النجاح في بلوغ هذه الأهداف على المدى القصير، إلا أنه وبعد تسع سنوات من الحرب مازال القتال مستمرا. ومع أن أوباما انخرط في زيادته الخاصة للقوات في أفغانستان على غرار بوش في العراق وضاعف عديدها بثلاث مرات منذ وصوله إلى البيت الأبيض تبقى الحقيقة أن أفغانستان أصعب بكثير من العراق وسيستغرق الأمر الكثير من الجهد فقط لإيصال أفغانستان إلى مستوى العراق بعد خروجنا منه بالنظر إلى تخلف أفغانستان واستيطان الفساد، بل الراجح أننا سنترك وراءنا حالة عارمة من الفوضى، فكما تركنا مستقبل العراق للعراقيين ستُترك أفغانستان للأفغان، لذا كم من الأميركيين سيلقون حتفهم قبل إدراك حقيقة أننا لا نخسر الحرب ولكننا لا نحقق النصر؟ يوجين روبينسون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©