الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

نجوم الكرة والفقر معاً في الإكوادور

19 ابريل 2006
يتميز وادي تشوتا الذي يقطنه المنحدرون من العبيد الذين وصلوا إليه في القرن السابع عشر للمشاركة في جمع محصول قصب السكر ويقع في الجبال الاكوادورية وسط منطقة صحراوية قاحلة وتهطل عليها أمطار قليلة بأنه الاقليم الوحيد في هذه البلاد الذي تسكنه غالبية سمراء·
وعندما تدخل إلى تشوتا ترى علامات الفقر بوفرة· فالمعوزون يرقدون في الشوارع المغبرة والتي تفتقر إلى الاسماء· كما تفتقر غالبية الاكواخ المشيدة على الطريقة الافريقية للكهرباء والمياه الجارية· والان يمثل هذا الركن المهمل من الاكوادور أهمية حاسمة بالنسبة لفرق كرة القدم في البلاد·
والمحصول الرئيسي للوادي هو نوع صغير من الفاكهة تشبه البرتقال وتلف بأوراق الموز الجافة وتباع كل 25 ثمرة بدولار واحد بواسطة سيدات الوادي· كما يعرض محصول الطماطم والبصل للبيع على جانبي الطريق السريع الذي يمر بالوادي· ويصنع الحرفيون أقنعة مزخرفة على الطريقة الافريقية من الطين الجاف لكن معظمها لا يباع لان نادرا ما يزور السائحون هذا الوادي·
لكن وادي تشوتا لا يحظى بشهرته لا من وراء الفواكه ولا الخضروات ولا حتى الاقنعة وإنما الشيء الوحيد الذي يجعل هذا الجزء مهما في الاكوادور التي تأهلت لنهائيات كأس العالم عام 2006 في ألمانيا هو كرة القدم·· أو أكثر تحديدا اللاعبون الذين نشئوا وترعرعوا فيه·
ويركض أطفال حفاة وببطون منتفخة وراء كل سيارة تدخل إلى شوارعهم حيث تبدأ براعم النجوم في ركل الكرة·
وشارك سبعة لاعبين من القرى الثمانية الواقعة في وادي تشوتا من بين اللاعبين الـ11 الذين مثلوا التشكيلة الاساسية لمنتخب الاكوادور في نهائيات كأس العالم عام 2002 في كوريا الجنوبية واليابان وربما يزيد هذا العدد إلى تسعة هذا العام· لقد بدأ كل شيء قبل 20 عاما عندما انضم أنولفو بالاسيوس إلى فريق أوكاس الذي يلعب في دوري الدرجة الاولى في العاصمة كويتو· وقال اللاعب السابق 'في تشوتا تجري كرة القدم في دماء كل شخص'·
وبعد بالاسيوس برزت لائحة طويلة من النجوم من بينها أوجستين 'تين' ديلجادو ولاعب خط وسط إديسون منديز وسليبر تشالا وأوليسيس دي لا كروز وجيوفاني إيبارا· وعندما تفحص الاوضاع هناك بدقة تتساءل بدهشة كيف يمكن أن يبرز كل هؤلاء الرياضيين اللامعين من وادي تشوتا·· فسوء التغذية مستشر ومستوى التعليم منخفض والرعاية الصحية ضعيفة· والملعب الذي تعلم على أرضه وتخرج منه نجوم اليوم كان عبارة عن حفرة مليئة بالغبار وقائما المرمى كانا مجرد كومة من التراب· لكن الامر تغير كثيرا في السنوات الاخيرة حيث قام 'الاولاد' الذين تمكنوا من التألق في المدينة الكبرى أو في خارج البلاد بتحسين الاوضاع في موطنهم الاصلي·
وأنشأ المهاجم أوليسيس دي لا كروز المحترف في فريق استون فيلا الانجليزي وحدة علاجية مجهزة في قريته بيكويتشو· أما تين ديلجادو الذي سجل الهدف التاريخي الذي أوصل الاكوادور إلى نهائيات كأس العالم في عام 2002 للمرة الاولى في تاريخها فقد أسس مدرسة للاطفال الذين يبلغون من العمر ست سنوات حيث يتلقون تعليمهم من خلالها ويلعبون كرة القدم أيضا· وتتوقف التدريبات عادة عندما يحضر الاباء لاصطحاب أبنائهم للمشاركة
في حصد محصول الارز الضئيل أو لتدعيم ضفتي النهر تحسبا للفيضانات· وسبق للجسر المقام فوق هذا الممر المائي أن انهار قبل خمسين عاما ولم يقم جسر بديل حتى الان·
ويشدد ديلجادو على أهمية مساعدة الاطفال في مساعيهم الرياضية لتحسين نظامهم الغذائي وتزويدهم بالرعاية الطبية اللازمة· أما شقيقه بيدرو الذي يرأس مدرسة الكرة فيتذكر 'كان العيش أصعب في هذا الوادي في الماضي'·
وأضاف 'عمليا·· لم يكن لدينا أي شيء· كنا نلعب جميعا ونحاول أن ننضم لاحد الفرق· لقد كانت هذه هي الطريقة الوحيدة لمساعدة عائلتنا'·
وكشفت دراسة أجريت أخيرا في وادي تشوتا أن سكان هذا الاقليم يملكون خصائص وراثية تسمح بأن يصل متوسط أطوالهم إلى 80ر1 متر إذا ما توفرت لهم التغذية المناسبة· وتم التوصل إلى هذا الاستنتاج على أساس طول أطرافهم وعظامهم· كما أن عامل الليونة يمثل عنصرا إيجابيا آخر إضافة إلى أن البنية الجسدية لديهم تتناسب مع المواصفات المطلوبة لممارسة الرياضة في أعلى مستوياتها التنافسية حيث أن أجسامهم تحتوي على عضلات أكثر من الدهون·
ولهذا ليس من الغريب أن كل فرد في وادي تشوتا الذي يقع على ارتفاع 560ر1 متر مجنون بعشق كرة القدم·
ومنذ سنوات يحلم شباب الوادي بالهجرة بسبب قلة فرص رفع مستوى معيشتهم في موطنهم الاصلي ونتيجة لذلك وبشكل تدريجي أصبح السكان يتألفون من الاطفال وكبار السن· ويهاجر الشباب للعمل في الاماكن الاخرى كسائقين أو رجال شرطة أو لاعبي كرة القدم·
لكن يبدو أن حتى هؤلاء الذين لا يزالون متخلفين ويعيشون في فقر مدقع صاروا أكثر تفاؤلا من الماضي وأن لكرة القدم علاقة بهذا الوضع الجديد·
وطور سكان الوادي موسيقاهم للتعبير عن أنفسهم باستخدام طبول خشبية خفيفة تسمى 'لا بومبا' أي القنبلة والتي عادة ما تكون مصحوبة بالغناء والرقص· وكشفت الدراسات عن وجود علاقة بين الموسيقى المحلية وموسيقى أمريكا الشــمالية حيث تسود آلات النقر وتتضمن الاغاني والنداءات والصيحات وتقدم إجابات لبعض التساؤلات وتؤدى الرقصات على أنغام منظومــــة موســـيقية إيقاعية·
وتساعد هذه المنظومة الموسيقية والتوازن المطلوب بفعل دقات 'لا بومبا' على تفريخ لاعبي كرة قدم ممتازين· ويتفق الجميع في الاكوادور على أن المواطنين المولودين في تشوتا يظهرون دائما روح الدعابة والاحساس المرهف عندما يتعاملون مع الامور الحياتية وربما يكون لذلك أثره في تحسين مهاراتهم في كرة القدم· ولا يزال الوادي في حاجة إلى الكثير لكن أبناءه الذين يتميزون بالسخاء يبذلون جهودا أكبر من السلطات المحلية أو الوطنية لتحسين هذه الاوضاع·
ويقول إديسون منديز: 'نحن ندين بالكثير لموطننا الاصلي· نحن سعداء لان هذا المكان المتواضع يقدم لنا الكثير من الدفء والاحاسيس الانسانية'· ويتسم هؤلاء اللاعبون الذين حققوا نجاحا كبيرا بالتصاقهم بواديهم ولذا فهم يحاولون أن يطوروا وأن يحققوا بعض آمال وادي تشوتا المحبب إليهم· وهم فرحون بهذا المكان الذي سجلوا أول أهدافهم وتدربوا على الركلات الركنية والتمرير وبدأوا يتعلمون فيه أصول اللعبة التي قادتهم إلى القمة·· إلى نهائيات كأس العالم على الرغم من أنه يفتقر إلى الظروف المثالية لتحقيق ذلك·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©