الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما لم يفكروا فيه

ما لم يفكروا فيه
9 يونيو 2012
ربما يجد الإخوة الخليجيون صعوبة في فهم هذا المقال، والسبب هو اختلاف الكثافة السكانية بين بلادهم ومصر. مصر التي يقترب تعدادها من التسعين مليوناً، لهذا تجد مشكلة مهمة هي أنك تجد نصف مليون شخص في أي مكان تقرر الذهاب له. تبحث عن سيارة أجرة لتجد أن كل سيارات الأجرة قد ركبها من جاءوا قبلك.. تستقل المترو لتجد أن الكل ركبوا في المحطة السابقة وكلهم سينزلون بعد نزولك بمحطتين.. لن ينزل أحد قبلك أبداً. أنت دائماً متأخر.. أنت عصفور متأخر.. حتى عندما تدخل السينما للترفيه تكتشف أن ربع مليون قد سبقوك.. تذهب لمطعم فينصحك الساقي بأن تقف على الباب لعل إحدى المناضد تخلو وهو ما لا يحدث. يصدر كتاب جديد فتذهب للمكتبة لشرائه، لتجد رجلاً يغادر المكتبة راضياً عن نفسه سعيداً، وهو يحمل آخر نسخة من الكتاب!. حتى عندما تحب وتعترف بحبك لها، تخبرك الفتاة أن ابن خالتها – غالباً يكون اسمه هشام – خطبها أول من أمس.. تقرر أن تموت – أطال الله عمرك - فتكتشف أن هناك مشكلة حقيقية في المدافن. لابد من بلدة أخرى.. دائمًا يحاول المرء في مصر أن يجد حلاً ثورياً.. مثلاً عندما تذهب للمصرف، يخطر لي أن أذهب في وقت مبكر من النهار يكون فيه المصريون الآخرون في ذروة الانهماك في العمل. لا تحاول في أول الشهر أو آخره.. ولا تحاول في أول الأسبوع لأن الناس ذهبوا يحصلون على مال بعد العطلة، ولا تذهب في آخر الأسبوع لأن الناس ذهبوا كي يحصلوا على مال قبل العطلة. باختصار اذهب في التاسعة من صباح يوم 14 من الشهر بشرط أن يكون يوم ثلاثاء أو أربعاء.. أدخل المصرف، فاكتشف أن الفكرة نفسها خطرت للجميع.. المصرف عبارة عن علبة سردين، ولو دخلت ذبابة لما استطاعت التحليق بضعة أمتار. كانت هناك انتخابات في مصر مؤخراً، وقد خطر لي أن الساعات الأولى من اليوم الأول سوف تكون ممتازة. كل الناس سيفضلون الساعات الأخيرة من اليوم الثاني. ذهبت للجنة الانتخابات لأكتشف أن كل واحد في مصر خطرت له الفكرة ذاتها.. الطابور يمتد من مصر إلى زائير... طبعاً يمكنك أن ترحل وتعود غداً في الساعات الأخيرة، لكن واضح أن الكل يفكر في الشيء ذاته! عندما يكون عليك السفر، فإنك تفضل أن تذهب في أكثر ساعات النهار قيظاً وحراً، لأنك تعرف أن الناس يفضلون القيام بالسفر عندما تهدأ حرارة الجو قليلاً. تنطلق والشمس توشك على أن تذيب الإطارات.. سرعان ما تكتشف أن الفكرة خطرت للجميع، وتدرك بعد فوات الأوان أنك محشور وسط نصف مليون سيارة بينما الشمس تشويك شياً.. الحركة مستحيلة فلا يمكنك التراجع أو إلغاء الرحلة.. هناك مصلحة حكومية مهمة في القاهرة.. كلما ذهبت لها لإنهاء بعض الأوراق، وجدت زحاماً شنيعاً.. وغالباً أظل واقفاً إلى أن يغلقوا النافذة في وجهي لأن مواعيد الدوام انتهت. هكذا قررت أن أكون طائراً مبكراً جداً.. ذهبت إلى هناك في الرابعة صباحاً.. أصابني الهلع عندما وجدت الزحام أمام المصلحة لأن الناس باتوا ليلتهم هناك!.. الأغرب أنني وجدت رجلاً يتربع على الأرض ويلتهم طعام الإفطار، وكلما تحرك الطابور دفع الطبق بضع خطوات ليلحق بالطبق. لماذا لا تأكل شطيرة يا أخي إذن؟ المشكلة في مصر هي أنك تفكر في شيء لم يفكر فيه أربعون مليوناً، لكنك تكتشف أن أربعين مليوناً آخرين فكروا فيه!! ومن هذا المنطق يجب أن أرسل هذا المقال بسرعة قبل أن يفكر فيه ثلاثة ملايين كاتب آخر! د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©