الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كفيف يخترع جهازاً يكشف عن المعادن الموصلة للكهرباء

كفيف يخترع جهازاً يكشف عن المعادن الموصلة للكهرباء
11 يونيو 2011 18:40
ليس للإرادة عمر محدّد، كما أنه ليس للعزيمة جنسية أو هوية، هكذا علمتنا تجارب العديد من أصحاب ذوي الإعاقة، الذين استطاعوا قهرها بالكثير من الصبر والإيمان والعمل الدؤوب، ليعطوا في ذلك دروساً قيّمة للأسوياء قبل المعاقين. فالإرادة والعزيمة، إذا ما اجتمعتا لدى شخص، فإن من شأنهما أن تذللا الصعاب، مهما عظمت، وتفترشا أمام صاحبهما طريق النجاح والتفوّق، وهو طريق مفتوح للجميع إذا ما حاولوا المسير على أرضه. تظهر تجربة الطالب المتميّز عبد الله بالليث، الكثير من المعاني الإنسانية التي يمكن استقاؤها منه، فرغم أنه ولد كفيفاً، إلا أنه استطاع أن يحصد العديد من الجوائز خلال فترة زمنية قياسية، كان آخرها حصوله على جائزة “الطالب المتميز” في مسابقة مؤسسة الإمارات للدعم الاجتماعي، والتي حصل عليها الشهر الماضي، بفضل اختراعه جهازاً علمياً يساعد المكفوفين على الكشف عن المعادن الموصلة للكهرباء. رؤية خاصة يتحدث بالليث عن رؤيته للحياة رغم فقدانه البصر منذ ولادته، موضحاً أنها تتم من خلال منظور إيماني بحت، ورضا وافر بالقضاء والقدر، ساعد في نموه وتعزيزه تربية أسرية سليمة. إلى ذلك، يقول “ولدت كفيفاً، لكن الله عوّضني عن البصر بنعم أخرى كثيرة، من أهمها نعمة الوالدين، حيث ساعدني والداي على تخطي المحنة وتجاوز الإعاقة، فكانت معاملتهما لي منذ الصغر، هي حجر الأساس الذي بنيت عليه العديد من تصرفاتي وسلوكي وأخلاقي فيما بعد، فهما لم يشعراني بأني مختلف عن أشقائي سواء في المعاملة أو في ممارسة الأنشطة والمهام الأسرية”. ويضيف “كانا يصطحباني معهما إلى كل مكان يذهبان إليه، ويشركاني في كافة الأنشطة التي يقومان بها مع الأسرة، بل إنهما شجعاني على التقدّم والتفوّق على الآخرين، وهو ما حدث بالفعل على أرض الواقع، فقد أصبحت من المتميزين وحققت نجاحات كثيرة في حياتي أتمنى أن تتواصل على مدار الأيام، لكي أثبت من خلالها أن الكفيف قادر على إنجاز الكثير من الأعمال التي يستطيع أن يقوم بها المبصر”. ويعزو بالليث الفضل في نجاحه وتميّزه إلى الإرادة الداخلية التي يتحلّى بها، وهي الدافع والمحرك له إلى الأمام دائماً، والتي تمكنه من التغلّب على جميع المشاكل التي يواجهها وكذلك على الإحباط الذي ينتابه أحياناً، حاله حال بقية الناس، في الشدائد والمحن. ومن الأمثلة على تلك الصعاب التي واجهته في بداية حياته، وتمكّن من التغلّب عليها بفضل إرادته موضوع دمج المعاقين في مدارس الأسوياء وكذلك الانتقادات التي واجهها من زملائه المبصرين. صعوبات الدمج يقول بالليث “عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي، وصدر قرار دمج ذوي الإعاقة في المدارس العادية، كان هنالك رفض من بعض المدارس لاستقبال المعاقين، بسبب عدم رغبة بعض الإدارات في تحمل المسؤولية، وقد لاقت أسرتي صعوبة في إيجاد مدرسة تقبلني”. ويتابع “في تلك الفترة شعرت باليأس والإحباط، لكن الفترة لم تدم طويلاً، حيث خرجت من هذه الحالة بسرعة، ثم قررنا أن نواصل السعي والتقديم لأكبر عدد ممكن من المدارس، حتى توصلنا إلى إحدى المدارس، وكانت إدارتها في البداية معارضة لفكرة الدمج، لكنني انتسبت لها أخيراً، على مسؤولية والدتي ومسؤوليتي الشخصية، وقد كانت النظرة إليّ في البداية غير إيجابية، لكنها خلال أسبوعين فقط تغيّرت وأصبحت نظرة المدرسين والطلاب إليّ إيجابية جداً”. في البداية، يواصل بالليث “لم يتقبلني الطلاب، وكثيراً ما قابلوني بالنقد والتعليقات وبعض المضايقات، لكن الحمد لله، كان عقلي أكبر من سني في تلك المواقف، وكنت أسمع التعليقات ولا أردّ عليها بالمثل، بل كنت أجلس مع الشخص الذي أطلقها وأشرح له عن وضع الكفيف ومشكلاته، وإذا ما لزم الأمر أحدثه انطلاقاً من الناحية الدينية حتى يصل أخيراً إلى مرحلة الخجل من التعليق والاعتذار عما بدر منه، وبهذه الطريقة كسبت العديد من الأصدقاء، بل إن بعض هؤلاء أصبح فيما بعد من أعزّ أصدقائي”. تخطي الصعاب حول اختراعه جهازاً علمياً فريداً، يقول بالليث إنه عندما كان في الصف الحادي عشر، كان يواجه صعوبة في فهم مادة الكيمياء، المقررة على الفرع الأدبي، وذلك لعدم وجود أجهزة خاصة بالمكفوفين لكي توضح لهم التجارب، فكان يقضي حصة الكيمياء مستمعاً إلى شرح الأستاذ فقط. ويوضح “كنت أشعر بالنقص في هذه الحصة، لأنني لم أكن أفهم الشرح جيداً بسبب عدم استطاعتي رؤية التجارب التي تجرى في المختبر بشكل حقيقي، ولعدم وجود أجهزة خاصة بالمكفوفين، ثم تحدثت مع معلم المادة وشرحت له وضعي، وقلت له إنني أجد حرجاً في الحصول على علامات بهذه المادة وأنا مستمع فقط”. ويضيف “بعد النقاش توصلنا إلى فكرة عمل جهاز خاص يمكنني من فهم بعض الدروس الأساسية في مادة الكيمياء، وهو جهاز خاص بتوصيل المعادن، وتقوم فكرة عمل الجهاز الأصلي على أنه يطلق إشارة ضوئية عند اتصاله بالمعدن من أجل الدلالة على أن المعدن موصل للكهرباء، إلا أنني طورت الجهاز لكي يتناسب مع حاجة المكفوفين، حيث تظهر الإشارة يرافقها صوت مسموع يؤكد للمكفوف حقيقة المعدن ومدى توصيله للكهرباء”. ويوضح بالليث “قدمت الجهاز في مسابقة المشاريع العلمية التابعة لمؤسسة الدعم الاجتماعي، ولاقى إعجاب لجنة التحكيم في المسابقة، الأمر الذي أهلني للفوز بجائزة الطالب المتميز من خلاله، وكنت من قبل فزت بأكثر من جائزة منها جائزة الشيخ حمدان للأداء التعليمي المتميز، وجائزة الشارقة للتميز التربوي”. رسالة هادفة ثمة رسالة أراد الطالب الكفيف عبد الله بالليث أن يوصلها للآخرين، من خلال هذا الاختراع وكذلك من خلال حصوله على تلك الجوائز، مفادها أن الإرادة والعزيمة لا بد أن تحصدا النجاحات في جميع المجالات، وكذلك أن المكفوف يمكنه أن يحقق الإنجازات في المجال العلمي أيضاً، وليس في الجانب الأدبي فقط. إلى ذلك، يقول بالليث إنه يمتلك العديد من المواهب والهوايات التي يمارسها بالإضافة إلى اهتماماته العلمية، من بينها موهبة الكتابة، حيث يقبل على كتابة المقالات الأدبية، إلى جانب موهبة إلقاء الشعر والخطابة، ومهارات استخدام الحاسوب، وتقديم البرامج الإعلامية، أما على صعيد المستقبل فإنه يعتزم مواصلة تعليمه الجامعي بدخول تخصص الدراسات الإسلامية، لكنه في مجال العمل ينوي سلوك منهج آخر، حيث إنه مولع بالعمل في المجال النفسي والاجتماعي، لذلك فإنه يخطط لأخذ دورات متعددة في هذا الإطار تمهيداً للعمل في مجال الإرشاد الأسري الذي يستهويه كثيراً. وينسب بالليث الفضل إلى المدرسة التي يدرس فيها، وهي مدرسة الدهماء النموذجية، والمعلمين الذين قاموا بتدريسه في المدرسة، لا سيما مدرس الكيمياء الذي ساعده في إنجاز مشروعه العلمي، الذي أهله للحصول على جائزة مؤسسة الدعم الاجتماعي.
المصدر: العين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©