الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حلب عاصمة الحمدانيين وقبلة السياحة المعاصرة

حلب عاصمة الحمدانيين وقبلة السياحة المعاصرة
3 سبتمبر 2010 22:48
هي بين مدن العالم، واحدة من أقدمها فعمرها يتجاوز أربعة آلاف سنة، وهي بين حواضر الإسلام الأكثر حفاظاً على طابع الأصالة في معمارها وفنونها وآدابها. ظهرت حلب على مسرح التاريخ في الألف الثانية قبل الميلاد عندما نشأت فيها مملكة عمورية باسم “يمحاض” أو “يمحد”، ومن وقتها واصلت سيرتها المعهودة متقلبة من حال إلى حال دون أن تندثر أو تتلاشى، فقد دمرها الحيثيون في القرن 17 ق.م. وبعد ذلك بسط كل من الآراميين والآشوريين والفرس سيطرتهم على المنطقة دون أن يعطوا أهمية للمدينة. وعندما أسس ورثة الإسكندر المقدوني من السلوقيين مستعمرة مقدونية باسم “بيرو يا” بقرب حلب استفادت المدينة العتيقة من ازدهار المدن الرئيسة مثل أنطاكية وأفاميا واللاذقية، وأضحت تدريجياً مركزاً تجارياً مهماً. واستولى الرومان على حلب حوالي عام 64 ق.م. وأخذت تنمو تحت حكم البيزنطيين، ولكن تهديدات الفرس المستمرة أدت لتدميرها غير مرة، وحاول الإمبراطور “جستنيان” تدعيم دفاعاتها وتعمير كنيسة كبرى بها، ولكن وضعها ظل قلقاً بسبب الحروب المستعرة بين الفرس والبيزنطيين. وصلت قوات المسلمين بقيادة أبي عبيدة بن الجراح عند مشارف حلب في عام 16 للهجرة، وحاصرتها فطلب أهلها الصلح وأصبحت حلب ضمن جند حمص، وفقاً لتنظيمات الخليفة عمر بن الخطاب، ثم أضحت تابعة لحمص في أيام معاوية بن أبي سفيان، ورغم قيام سليمان بن عبدالملك بإنشاء مسجد جامع بها يضارع الجامع الأموي بدمشق فإن حلب ظلت مدينة ثانوية قياساً بالعاصمة “دمشق”. العصر العباسي وجاء العصر العباسي حاملاً معه الأنباء الطيبة للمدينة التي صارت أهم مدن شمال سوريا بفضل توسطها لطرق التجارة بين العراق وإيران شرقاً وبين مصر وبيزنطة غرباً، وأصبحت حلب ضمن أملاك الدولة الطولونية، وجزءاً بعد ذلك من دولة الإخشيديين بمصر في عام 325 للهجرة. وفي عام 333 للهجرة “944م، “استولى سيف الدولة الحمداني على حلب بعد نزاع مع الإخشيد انتهى بعقد صلح بين الطرفين في العام التالي تخلى بموجبه الإخشيد للحمدانيين عن حلب وحمص وأنطاكية، وأقرت بغداد الاتفاق، وبذلك أصبحت حلب مركزاً لإمارة الحمدانيين التي حكمت المنطقة لمدة ستين عاماً حفلت بالأحداث الجسام وبلغت شهرة حلب الآفاق وقتها بفضل ازدهار بلاط الحمدانيين بها. ونتيجة لرواج تجارتها وتزايد أرباحها، عمد سيف الدولة لاستقطاب أعلام الأدباء والعلماء لبلاطه في حلب ونال الشعراء الجوائز السنية نظير مدحهم للأمير الحمداني وفي مقدمتهم الشاعر الأشهر “أبو الطيب المتنبي” واللغوي ابن جني، فضلاً عن الشاعر الأمير “أبو فراس الحمداني”، وقصد علماء وفلاسفة من أمثال الفارابي وابن سينا بلاط الحمدانيين بحلب أيضاً. ويبدو أن سيف الدولة لم يكتف بشهرة بلاطه الأدبية، فأراد أن يتوج شهرته بأعمال حربية ضد جيرانه البيزنطيين، ولكن ذلك جر الويلات على حلب، إذ هاجمها الإمبراطور نقفور في 351 للهجرة “962م”. ونهب المدينة بعد عجزه عن اقتحام قلعتها وأرغم الحمدانيين على دفع ضريبة سنوية لبيزنطة، ورغم ذلك واصلت المدينة ازدهارها التجاري والعمراني حتى في عهد المرداسيين الذين ظلوا يدفعون الضريبة للروم، ولم تتحرر حلب من سطوة بيزنطة إلا بعد استيلاء السلاجقة عليها ثم عماد الدين زنكي وابنه نور الدين محمود، وفي عهدهما صمدت حلب في مواجهة الصليبيين ووسعت نفوذها ليشمل حماه وحمص وبعلبك والرها وأنطاكية وباتت مرة أخرى مركزاً إسلامياً لمقاومة النفوذ الصليبي والبيزنطي. الملك الظاهر وتحت حكم الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي وزوجته “ضيفة خاتون” عاودت حلب سيرتها الأولى كمركز تجاري وعمراني، فأعيد ترميم قلعتها الشهباء وعقدت الاتفاقات التجارية مع البندقية وشيدت بها المساجد والمدارس وبلغت أوج ازدهارها العمراني قبل أن يدهمها الغزو المغولي في عام 658 للهجرة، وعلى الرغم من استقرار الأحوال بها خلال سيطرة المماليك عليها فإنها لم تسترد عافيتها خاصة بعد احتلال تيمور لنك لها في بداية القرن التاسع الهجري. ومع ضم حلب للدولة العثمانية، أصبحت المدينة ثالث أكبر وأهم مدن الخلافة بعد استانبول والقاهرة، وتدعم مركزها التجاري بقوة خاصة مع اهتمام الولاة العثمانيين بتشييد المنشآت التجارية والأسواق والمساجد والمدارس والحمامات بها، ولم تتراجع أهميتها إلا بدءاً من عام 1775م بسبب الفساد الإداري وعام 1822م نتيجة للزلزال المدمر الذي ذهب بنصف عمرانها تقريباً ثم أدى تغير طرق التجارة، وتدهور مكانة الشرق إلى تراجع أهمية حلب خاصة بعد أن فقدت الاتصال مع الأناضول عقب ضم كمال أتاتورك لميناء الإسكندرونة، وكان المنفذ البحري لتجارة حلب. وحلب اليوم هي المدينة الثانية في سوريا بتعداد سكانها الذي يتجاوز 4 ملايين نسمة، وتعكس تركيبتها السكانية ما مرت به من أحداث، فبها يتعايش العرب وهم غالبية السكان “85 في المئة” مع الأتراك والأكراد، مثلما يتمازج المسلمون مع النصارى أخذاً في الاعتبار أنهم يشكلون 10 في المئة من سكان حلب، وهم بذلك أكبر كتلة سكانية مسيحية في مدينة عربية بالمشرق العربي. معالم سياحية حلب واحدة من أهم المراكز السياحية في البلاد العربية، ففضلاً عن آثارها القديمة والإسلامية وأهمها قلعتها الحصينة والجامع الأموي القديم، تشتهر حلب بأسواقها المغطاة والمفتوحة والتي يقصدها الزوار للاستمتاع بأجوائها الشرقية الأصيلة وبما تعرضه من سلع غذائية ومصنوعات يدوية فائقة الشهرة. وأسواق حلب القديمة أكبر وأطول الأسواق القديمة المغطاة، إذ يصل طولها إلى 15 كم وتحتل مساحة تتجاوز 160 ألف متر مربع ويستطيع روادها الحصول على مشغولات من الفضة والنحاس والزجاج والخشب والخزف أيضاً تحاكي ببراعة الأنماط القديمة للصناعات التطبيقية التي اشتهرت بها حلب طوال سنوات العصور الوسطى.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©