الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نقاط قوة هيلاري كلينتون

7 نوفمبر 2016 23:02
لعل أحد أكبر التصورات الخاطئة الشائعة هذه السنة الانتخابية، بين كثير من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، هو أن هيلاري كلينتون مرشحة دون المستوى المطلوب لا جوهر لديها ولا قناعات. وعليه، أود في هذا المقال الأخير لي قبل الانتخابات أن أوضح لكم لماذا من المهم التصويت لكلينتون، وليس ضد دونالد ترامب فقط. إنني أعرف كلينتون منذ سنوات، ويجب أن أقول إن تصور الجمهور لها يبدو لي أشبه برسم كاريكاتوري متحامل وغير دقيق. فأنا لا أفهم الحقد، ولا خطابات «اسجنوها»، ولا الاعتقاد بأنها شبيهة بشخصية «الليدي ماكبِث» في مسرحية شكسبير. والحال أن ما يحرّك كلينتون ويجعلها تتصرف على النحو الذي تتصرف عليه كان دائماً نوعاً من المثالية التي كانت منتشرة خلال الستينيات والمتطلعة لجعل العالم مكاناً أفضل. لا شك أن كلينتون قدّمت آلاف التنازلات، وارتكبت ما لا يعد ولا يحصى من الأخطاء، ولاشك أيضاً أن سعيها وراء الثروة كان عملاً غير لائق وجنونياً من الناحية السياسية، كما أن من العدل التساؤل بشأن صواب حكمها حول كل شيء من رسائل البريد الإلكتروني إلى العراق. ولكن علينا أن ندرك أيضاً أنها في الجوهر ليست دجالة مخادعة، وإنما امرأة ذكية تعمل بجد، وهمّها الأكبر هو القيام بأشياء من أجل الأميركيين الذين تُركوا في الخلف. وإلى جانب تكسير السقف الزجاجي الذي يحول دون صعود النساء وارتقائهن، يمكن القول إن كلينتون ستجلب معها إلى الرئاسة ثلاث نقاط قوة في حال فوزها. فأولًا، كلينتون تعرف العالم جيداً، وهي سياسية محنكة ومنضبطة ولامعة سافرت إلى بلدان أجنبية حين كانت وزيرة للخارجية أكثر من أي مسؤول آخر في هذا المنصب. ثانياً، كلينتون كان لديها تاريخ في إجادة التعامل مع الجمهوريين عندما كانت في مجلس الشيوخ ووزيرة للخارجية، ولذلك، فثمة بعض الأمل في أننا قد نعود شيئاً ما إلى توازن الحكم وتجاوز حالة الشلل. فهذا السيناتور ليندسي جراهام، الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية، قال عنها في 2012: «إنها تحظى بالتقدير والاحترام عبر العالم، وتتعامل بطريقة راقية للغاية، ولديها أخلاقيات عمل لا نظير لها». أما السيناتور جون ماكين، الجمهوري عن ولاية أريزونا، فقد وصفها في 2013 باعتبارها «وزيرة جد فعالة». بل إن حتى ميتش ماكونل، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، قال عنها في 2014: «إننا صديقان مقربان». ثالثاً، كلينتون تهتم كثيراً بالأطفال الفقراء وغيرهم من الأشخاص الذين لا صوت لهم، حيث أطلقت برنامجاً للطفولة المبكرة في ولاية أركانسو، وساهمت في إنشاء برنامج للتأمين الصحي لفائدة الأطفال في واشنطن يدعم أكثر من 8 ملايين من الأطفال الأميركيين المعوزين. واليوم، ما زال التفاوت الاجتماعي والفقر من أهم الاحتياجات التي ينبغي معالجتها في أميركا. وكلاهما موضوعان تكافح كلينتون منذ أكثر من 40 عاماً من أجل معالجتهما. وقد يقول بعضكم: ولكن ماذا عن البريد الإلكتروني؟ ومؤسسة كلينتون؟ وبنغازي؟ لنلقِ نظرة على الاتهامات المألوفة. الواقع أن قضية بنغازي كانت موضوع تحقيقات أجرتها ثماني لجان وهيئات على الأقل، ولكن أياً منها لم تجد عملًا كبيراً مخالفاً للقانون من قبل كلينتون. هذا في حين خلقت مؤسسة كلينتون حالات تعارض مصالح بالفعل في بعض الأحيان، ولكنها أنقذت عدداً كبيراً جداً من الأرواح من الإيدز. أما بخصوص البريد الإلكتروني، فصحيح أن كلينتون استعملت خادماً حاسوبياً خاصاً بها تهرباً من «قانون حرية المعلومات» (الذي يسمح بالكشف الجزئي أو الكلي عن معلومات ووثائق حكومية لم يتم الإفراج عنها سابقاً)، وهو بدون شك عمل سري وخاطئ، ولكن مسؤولي وزارة الخارجية يؤدون أعمالهم على نحو روتيني على حساباتهم الخاصة للبريد الإلكتروني منذ عدة سنوات. وباختصار، إن «فضيحة» بريد كلينتون الإلكتروني تبدو لي رمزاً للعديد من «فضائح» كلينتون: فهناك بعض السلوك غير اللائق الذي ضُخِّم، في ذهن الجمهور، بفضل دعاية أعدائها السياسيين، وتحول إلى شيء خبيث على نحو لم يعد من الممكن التعرف عليه. وبالطبع، فإن أكبر نقطة جذب في كلينتون هي أنها ليست ترامب. فهذا الأخير يقع خارج التصنيف بكل بساطة: مخادعٌ يبدو عنصرياً، خدع الناس ليس في جامعة ترامب فقط، وإنما بشكل دوري عبر مشواره المهني، رجلٌ لا يجد غضاضة في التباهي باعتداءاته الجنسية على النساء، واتهمته 17 امرأة علناً بإساءة التصرف في حقهن، رجل غيّر مواقفه 138 مرة، حسب بعض الإحصاءات، ويكذب كل خمس دقائق، حسب إحصاءات أخرى، ولديه تجربة في الوظيفة العمومية أقل من أي رئيس في التاريخ الأميركي. ولكن ما أريد التأكيد عليه هنا هو أن هذه الانتخابات ليست مفاضلة بين شخصين سيئين. فكلينتون أفضل من ذلك بكثير، وهي منخرطة في السياسة لأنها تؤمن وتهتم بشيء أكبر من ذاتها. في 1993، نشرت مجلة «نيويورك تايمز» مقالًا مشهوراً حول كلينتون يحمل عنوان «القديسة هيلاري»، يسخر منها باعتبارها مثالية مشوشة تحاول مساعدة الأشخاص الأقل حظاً. والمقال سخر منها باعتبارها شخصاً ساذجاً يفتقر للنظام والوضوح ويدّعي التقوى والصلاح، ولكنه التقط في الوقت نفسه شيئاً حقيقياً حول نزاهتها ودوافعها. وفي المقابل، فإن الرسم الكاريكاتوري الشائع اليوم عن كونها مخادِعة وأنانية وجشعة ومتلاعبة هو بالنسبة لي أمر مجانب للحقيقة. صحيح أنها تتنازل، وفي بعض الأحيان تخفي قناعاتها الحقيقية، وفي أحيان أخرى يكون حكمها على الأشياء مجانباً للصواب. ولكنها في الجوهر شخصٌ جاد أخلاقياً يسعى منذ أربعة عقود لاستعمال السياسة من أجل خلق مجتمع أكثر عدلًا. فتلك هي قناعتها الحقيقية! * محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©