الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تايلاند.. حملة لتكميم الأفواه

23 يونيو 2014 23:39
بافين تشاتشافلبوجون أستاذ بمركز دراسات جنوب شرق آسيا بجامعة كيوتو اليابانية في الشهر الماضي أطاح الجيش التايلاندي بالحكومة المنتخبة التي كانت تقودها رئيسة الوزراء إنجلوك شيناواترا، وهو الانقلاب التاسع عشر الذي تشهده تايلاند منذ إلغائها للملكية المطلقة في عام 1932؛ وقد كان التبرير الرسمي الذي اعتمد عليه الجيش في انقلابه هو استعادة السلم الأهلي والنظام بعد أشهر من المظاهرات ضد الحكومة التي تُتهم بالفساد. ولكن يبقى السبب الرئيسي لهذا الانقلاب، كما الانقلابات الأخرى التي سبقت هذا التاريخ، هو حماية مصالح النخب المتحالفة مع الملكية، بحسب ما يقول مراقبون. فبعد أن أمضى أزيد من ستة عقود جالساً على العرش تعاون الملك بوميبول أدوليادجي مع الجيش للتحكم في الحياة السياسية لتظل الحكومات المدنية المنتخبة ضعيفة وواهنة أمام الانقلابات العسكرية، ويبقى سيف التدخل العسكري لإزاحتها من الحكم مسلطاً على رقابها، ووارداً في أية لحظة، وخاصة في حالة ما إذا تجاوزت حدودها المقبولة. وفي الانقلاب الأخير سارع الجيش إلى حل البرلمان، ونقل الموظفين المناهضين للانقلاب إلى مناصب غير فاعلة، كما بسط سيطرة تامة على السلطتين التنفيذية والقضائية في البلاد، وأيضاً منع منعاً كلياً أي شكل من أشكال الاحتجاج السياسي، وكُلل الانقلاب في النهاية بتعيين قائد الجيش، الجنرال فرايوث تشان-أوتشا، نفسه رئيساً للحكومة. وبعد الانقلاب مباشرة أصدر الجيش أوامر وتعليمات إلى بعض السياسيين والأكاديميين بتسليم أنفسهم إلى السلطات، كما وُجه استدعاءٌ رسمي للعديد من أساتذة الجامعة، لاسيما المعروفين منهم بانخراطهم في الأمور السياسية ومن يظهرون عادة معارضتهم للانقلاب، مع تحذير واضح من أنه في حال لم يسلموا أنفسهم طواعية فسيتعرضون لعقوبة صارمة قد تصل في النهاية إلى الحكم عليهم بمدة سنتين سجناً. وبما أنني أحد الأكاديميين المناوئين للانقلاب فقد ظهر اسمي على لائحة المستدعين للمثول أمام السلطة، ولكنني أرفض تلقي أوامر عسكرية، ولذا فلن أسلم نفسي، على رغم التهديد بسجني. كما أنه لن يكون بمقدوري العودة إلى الوطن خلال المستقبل المنظور على الأقل، حيث أفضل البقاء حالياً في اليابان خوفاً على سلامتي الشخصية في حال العودة، فضلاً على رغبتي في الحفاظ على حرية نشاطي السياسي أيضاً. والمشكلة أن ملاحقة الأكاديميين في تايلاند لا تتم فقط بسبب معارضتهم للانقلاب العسكري والعودة إلى النظام السلطوي، بل أيضاً لانتقادهم الملك الذي تحميه مجموعة كبيرة من التشريعات التي تحظر التعرض له، أو أحياناً حتى الحديث عنه. ولكن على رغم هذه العوائق والقيود ظل الأكاديميون التايلانديون، بمن فيهم أنا، يتحدون العراقيل ويجهرون بأصواتهم، فهم كمثقفين يرون أن من واجبهم مناقشة كل المواضيع ومن ضمنها دور المؤسسة الملكية في الحياة السياسية. وباعتباري مواطناً تايلاندياً أشعر بحاجة ملحة للمطالبة بإلغاء بعض القوانين المقيدة لحرية التعبير وتلك التي تحظر مناقشة الشأن الملكي في البلاد، وهو الأمر الذي ينتهك الحقوق الأساسية للشعب التايلاندي، فدراسة موضوع الملكية والسنوات الطويلة التي قضاها الملك الحالي في العرش تبدو لي شخصياً ضرورية لفهم جذور فشل التجربة الديمقراطية في تايلاند وتعثر مسيرتها. والحقيقة أن التعليمات المقيدة للحرية التي أصدرها الجيش عقب انقلابه ليست سوى تصعيد في مسلسل من الصراع المستمر بين النخب الأكاديمية والجيش، هذا الصراع الذي يعود إلى عام 2011 عندما أطلقت حملة وطنية لإلغاء القوانين التي تحظر الحديث عن كل ما له صلة بالملك، ولكني في الشهور التالية تلقيت سيلاً من التهديدات والمكالمات الهاتفية المحذرة من العواقب. وبعد فترة الوعيد والتهديد يبدو أن وقت التنفيذ العملي قد جاء بعد الانقلاب العسكري من خلال اعتقال عدد كبير من الأكاديميين التايلانديين ورميهم في السجون. ومنذ وقوع الانقلاب كنت أحد المعارضين الصريحين للتحرك العسكري، متحدياً ادعاءه بأنه إنما سيسعى لإصلاح سياسي وتعزيز الديمقراطية، والحال أن كل ما قام به الجيش هو خلق مناخ من الخوف، من خلال استخدام وسائل القوة والهيمنة التي تتوفر لديه لإخراس الأصوات المنتقدة سواء بالتخويف، أو الزج بالمعارضين وراء القضبان، بل لقد وصل الحد في الأسابيع الأخيرة أن دعت وزارة الخارجية الدبلوماسيين التايلانديين في الخارج إلى حصر جميع أسماء الأكاديميين المعارضين للانقلاب، والتواصل مع السلطات في تلك البلدان لترحيلهم إلى تايلاند لينالوا قسطهم من التنكيل وهم بين أيدي الطغمة العسكرية الحاكمة، وهكذا أصدر المجلس الوطني للسلم والنظام، وهو الهيئة العسكرية الحاكمة اليوم، قراراً باعتقالي في 13 يونيو الجاري. وإذا كانت تايلاند تبدو للعالم الخارجي وكأنها ذلك البلد الساحر و«أرض الابتسامات»، إلا أن الحقيقة تقول غير ذلك، وهي حقيقة لا تراها أميركا التي تظل تايلاند بالنسبة لها حليفاً أساسياً يعود إلى حقبة الحرب الباردة، بل تستمر تلك العلاقات مع الجيش وداخل أروقة البلاط الملكي، على رغم الانقلاب الحالي. غير أن هذا التوجه الأميركي يضيع على تايلاند فرصة ترسيخ الديمقراطية من خلال إفساح المجال للقوى السياسية المعارضة. ومع الأسف تظل ردود الفعل الدولية إزاء الانقلاب محدودة ولا تتجاوب مع تطلعات الشعب التايلاندي، فنحن بحاجة إلى كلمات وأفعال أقوى تصدر من المجتمع الدولي لمنع تآكل العملية السياسية في تايلاند والنيل من حقوق الإنسان التايلاندي، فمَ الذي تنتظره المنظومة الدولية للوقوف إلى جانب الحرية في تايلاند؟ ينشر بترتيب خاص مع خدم «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©