الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابن الجزار رفيق الضعفاء وطبيب الفقراء

ابن الجزار رفيق الضعفاء وطبيب الفقراء
2 سبتمبر 2010 21:54
يعتبر ابن الجزار أحد مفاخر الحضارة الإسلامية، فهو رائد طب الأطفال، وأول من كتب في التخصصات الطبية المختلفة، وترجمت أعماله إلى اللغات الغربية ودرستها جامعات أوروبا لقرون طويلة. ويقول الدكتور كارم السيد غنيم - الأستاذ بكلية العلوم جامعة الأزهر والأمين العام لجمعية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة - وُلد أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد القيرواني‏،‏ المعروف بـ ‏»‏ابن الجزار الأفريقي الطبيب‏»،‏ في مدينة القيروان بتونس في عام ‏282‏ هـ ‏/ 898‏م. ونشأ في أسرة ذات علم ومال، فأبوه إبراهيم بن أبي خالد كان طبيباً للعيون‏،‏ وعمه محمد بن أبي خالد كان أشهر الأطباء الجراحين في زمانه،‏ وعلى أيديهما تتلمذ، كما درس على يدي إسحاق بن سليمان‏، وإسحاق بن عمران. وأضاف: أمضى ابن الجزار شطراً كبيراً من حياته في دراسة مؤلفات الطب وعلوم النبات والأعشاب والصيدلة عند العرب وعند الأوروبيين، فعكف على الترجمات اللاتينية لكتب الطب والأدوية المفردة والمركبة‏ مثل‏ كتاب‏ «المقالات الخمس‏»‏ لبدانيوس ديوسقريدس، وكتاب‏ «المقالات الست في الأدوية المفردة»‏ لقلاوديوس جالينوس، ‏وكتاب‏ «الزينة ‏» لملكة مصر كليوباترا‏، ومؤلفات كل من العالم اليوناني أبقراط‏، ودرسها دراسة علمية. وكذلك اطلع على كتب العديد من علماء العرب والمسلمين في الطب والصيدلة وعلوم الحياة وغيرها‏ مثل‏ تيادوق، وماسرجويه، ويوحنا بن ماسويه‏‏ والكندي. وقال: وصفه المؤرخون بأنه كان أبيًّا عزيز النفس‏،‏ لا يتزلّف لأحد من السلاطين أو الأمراء،‏ ولا يمتنع عن خدمة أي مريض، غنياً كان أم فقيراً‏،‏ بل إنه كان رفيقاً بالضعفاء‏،‏ ويبذل المال للفقراء والمساكين وكان يوزّع عليهم الأدوية مجاناً، وقيل إنه كان ينفق على علاج الفقراء من أموال أسرته الثرية ومن أجره عند علاج الأغنياء والحكام، وخلّف بعد مماته أربعة وعشرين ألف دينار‏.‏ وكان بعيداً عن الشبهات‏، ولم يخلد إلى اللذات‏،‏ فهو يشارك الناس أفراحهم وأتراحهم، ولكنه لا يأكل فيها‏.‏ ويذكر المؤرخون أيضاً أنه كان يذهب إلى مدينة «المنستير»‏ ‏بساحل أفريقيا‏‏ ويرابط فيها مع العُـبّاد والزُهّاد طوال أيام‏ القيظ‏،‏ أو ينطلق في كل صيف مع مجاهدي البحر ليتصدى لسفن البنادقة والسفن البيزنطية في البحر الأبيض المتوسط‏.‏ البحث والتصنيف تميز منهج ابن الجزار في البحث والتصنيف وكان سباقا في اتباع المنهج العلمي في دراسته الطبية والصيدلانية، حيث صنف في الأمراض وخصّ بعض الأعضاء بالبحث، وبعض الأمراض بالتأليف، كما خص الفقراء‏ ببعض المؤلفات، وأفرد للخواص كتابا‏ً.‏ وجعل قسماً من تأليفه متعلقاً بالأدوية‏،‏ وآخر بالأمراض‏.‏ وصنف في الأدوية فخصص بعضها للأدوية المركبة،‏ وأخرى للأدوية المفردة‏.‏ وكان رائداً في الممارسة الطبية، حيث ‏فرّق بين بيت الوصف‏ «مكان فحص المريض‏»‏، وبيت الصرف ‏»مكان تقديم الدواء له‏». أما منهجه في تأليف كتب النباتات الطبية والصيدلانية‏، فكان يتبع في التصنيف النباتي منهجا‏ً يعتمد على تسعة أسس كما يتضح في كتابه «الاعتماد»،‏ هي: تصنيف النباتات بحسب اللون، وبحسب لون النوّار‏، وبحسب هيئة النبات‏، وبحسب هيئة الأوراق أو البذور أو الأغصان‏،‏ وحجم النبات‏، وبيئة الإنبات، وزمن الظهور، والمنطقة الجغرافية وجنس النبات ‏من حيث الذكورة والأنوثة.‏ وكان لابن الجزار منهج في دراسة الأدوية، خصوصاً المستخرجة من النباتات،‏ فيذكر اسم النبات باللغات العربية واليونانية والفارسية والبربرية والسريانية واللاتينية ويوضح قوة الدواء‏ ويصف الدواء وصفاً تفصيليا‏ً، ثم يشرح الخصائص العلاجية والحالات التي يُؤخذ فيها هذا الدواء‏.‏ كما يشرح كيفية الكشف عن غش الأدوية‏،‏ وكيفية استبدالها ببدائل‏ وقد شرح هذا في كتاب خاص هو «إبدال الأدوية».‏ وكان ابن الجزار عالما متواضعا‏ًً لا هم له سوى البحث والتقصي والاشتغال بالجديد في مجال النباتات والعقاقير ووضع عدداً من المؤلفات‏‏، ومن أشهرها كتاب «سياسة الصبيان وتدبيرهم» و»في المعدة وأمراضها ومداواتها» و»زاد المسافر وقوت الحاضر» و»الاعتماد» في الأدوية المفردة و»طب الفقراء» المُسمى أحياناً «زاد المسافرين في علاج الفقراء والمساكين» و»العطور»، وكتاب في أمراض الشيخوخة عنوانه «طب المشائخ وحفظ صحتهم» و»رسالة في البول» و»الفروق بين الاشتباهات والعلل التي تشبه أسبابها وتختلف أعراضها» و»رسالة في إبدال العقاقير» وله 23 كتاباً ورسالة ومقالة مفقودة في مجالات الطب والصيدلة وعلوم الحياة تعرض بعضها للسرقة على يد العربي المرتد عن الإسلام «قسطنطين الأفريقي» الذي عاش في إيطاليا وترجمها إلى اللغات الأوروبية ونسبها لنفسه. ويضيف: لم يقف ابن الجزار عند حدود الطب والصيدلة، فلقد وهب له الله عقلية موسوعية، فألف في التاريخ والسير: «مغازي أفريقية» و»أخبار الدولة» و»التعريف بصحيح التأريخ» و»طبقات القضاة»، وفي الجيولوجيا كتاب «الأحجار»، وفي الجغرافيا كتاب «عجائب البلدان»، وفي الفلسفة «رسالة في النفس»، و»رسالة في الاستهانة بالموت»، وفي الأدب واللغة كتاب «المكلل في الأدب»، و»الفصول في سائر العلوم والبلاغات». أهم وأعظم مؤلفاته يعد كتاب «الاعتماد في الأدوية المفردة» من أعظم مؤلفاته، فلقد ألّفـه ابن الجزار قبل سنة 334هـ/ 1945م، بهدف إتمام أوجه القصور التي رآها موجودة في مؤلفات سابقيه ممن كتبوا في الأدوية المفردة، سواء من الغربيين أو من العرب والمسلمين. وقسم الكتاب أربع مقالات، ورتّب الأدوية فيه بحسب قواها، واشتمل الكتاب على 278 دواء، فيها 219، من أصل نباتي، والبقية من أصول معدنية وحيوانية. ونظراً لأهمية هذا الكتاب، تم اختصاره مرتين، قام بهما مجهولان، أحدهما من المشرق، وقد وضع عنواناً لمختصره هو «صفة طبائع العقاقير على مذهب ابن الجزار في كتاب الاعتماد»، وثانيهما من المغرب العربي، ولم يضع له عنواناً خاصاً. وتوفي على أغلب الآراء في الأندلس مقتولا بالسمّ ‏ في عام ‏396‏ هـ/ 980‏م‏.‏
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©