الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أطفال «الأوراس» الجزائرية يخلدون تقاليدهم في 136 صورة

أطفال «الأوراس» الجزائرية يخلدون تقاليدهم في 136 صورة
8 يونيو 2012
حسين محمد (الجزائر) - احتضن قصر “رياس البحر” بالجزائر العاصمة معرضا فنيا غير مسبوق لصور أطفال من منطقة الأوراس الأمازيغية التي تقع شرق البلد، يخلِّدون فيه تقاليد منطقتهم وأبرز عادات أهلها ونمط معيشتهم وكذا التراث العريق للمنطقة وثقافتها وحِرفها التقليدية وعمرانها. استيعاب التراث ضم المعرض، الذي يحمل عنوان “عينك على تراثك”، 136 صورة لـ100 طفل تتراوح أعمارهم بين 12 و14 سنة فقط، وينتمون إلى مختلف بلديات ولاية باتنة، وهي الصور الفائزة في مسابقة نظمتها جمعية “أصدقاء مدغاسن”، الملك الأمازيغي الشهير الذي حكم المنطقة قبل الاحتلال الروماني، وقد أقيم في أبريل الماضي معرضٌ أول للصور الفائزة بولاية باتنة، عاصمة منطقة الأوراس التي تقع على بعد 470 كم شرق الجزائر، ثم نُقل المعرض إلى الجزائر العاصمة. ولم يترك الأطفال العارضون جانباً من تراث منطقة الأوراس العريق إلا وخلدوه بصورهم، وركز أغلبهم على الصناعات الحِرفية بالمنطقة وأبرزها حياكة الألبسة التقليدية كما يظهر في صور فحام صابر وسهولي إيمان وبروال أميرة وبوحلاس امير فؤاد ومعامير وداد. وفي مقدمتها “القشابية” التي يرتديها الرجال والأطفال لمقاومة شدة البرودة في الشتاء، وكذلك “البرنس” الذي يؤدي نفس الوظيفة، وإن كان سعرُه أغلى من “القشابية”، ويُنتج الاثنان بطريقة يدوية في مغزل صوف تقليدي، حيث تعكف على نسجهما النساءُ الأوراسيات أسابيعَ عديدة قبل إتمام صنعهما. ومن الملابس التقليدية المحلية الشهيرة أيضاً “الحايك” بالنسبة للنساء وهو حجابٌ تقليدي ناصع البياض ترتديه الأوراسيات منذ عقود طويلة، ولكنه الآن بات مهدداً بالانقراض أمام شيوع الحجاب المعروف في كل الدول العربية والإسلامية. حرف تقليدية ركز أطفال آخرون، ومنهم مريم عباسة وبونغريبي إيهاب وبومخيلة أنور وبوسهيلة وئام وكابة شهاب وبن مزيان أميرة وغيرُهم، على صناعات نسيجية تقليدية أخرى شهيرة بالمنطقة وأشهرها نسج الزرابي التقليدية المزركشة الألوان عبر المغزل اليدوي، حيث تُظهر صورٌ عديدة مختلف مراحل صناعة الزرابي في منسج يدوي. وعلى غرار نسج “القشابية” و”البرنس”، فإن المرأة الأوراسية تستغرق أيضاً بضعة أسابيع لنسج “الزربية”، وكذا “الحنبل” وهو غطاء صوفي سميك يستعمله سكان الأوراس بكثرة لمقاومة البرد الشديد الذي يتراوح بين درجتين و7 درجات تحت الصفر طيلة فصل الشتاء بالمنطقة. ولم يُهمل أطفال الأوراس حرفاً تقليدية أخرى شهيرة بمنطقتهم وأبرزها الأواني الفخارية وبخاصة الموجَّهة لطهي خبز الدار المعروف محليا باسم “الكَسْرة”، فضلاً عن الجِرار وأواني حفظ المياه واللبن ومشتقاته كما برز في صور بيطام وئام ومصباح عبد الصمد ومراجعي أميرة، بينما التقطت بونعقاقين حنان صورة لكيفية ضخ الحليب وتحويله إلى لبن بطريقة تقليدية بعد مجهود مضن للسيدات قد يمتد إلى أكثر من ساعتين من الضخّ المتواصل، أما بلعدواني حسينة فالتقطت صورة لفتاة أوراسية وهي تستعمل رحى حجرية ثقيلة لطحن القمح وتحويله إلى دقيق عادة ما يُستهلك على شكل خبز أو كسكس تقليدي، وبهذا الصدد رصدت تاوليلت راضية سيدة وهي تقوم بـ”فتل البربوشة”، وهي عملية تقوم من خلالها بتحويل الدقيق إلى ذرات كسكس صالحة للاستهلاك، علماً أن الكسكس لا يزال غذاء رئيسا وشهيرا في أرياف المنطقة إلى حد الساعة. نماذج متفرقة التقطت صورٌ أخرى نماذج متفرقة لنمط معيشة سكان الأوراس، ولاسيما الحياة الفلاحية البسيطة، وحلب السيدات للأبقار والأغنام، واستعمال الحمير لنقل المياه والمنتجات الفلاحية وغيرها، والأسلحة التقليدية التي تُعدُّ جزءاً لا يتجزأ من حياة الرجل الأوراسي وهويته، والبيوت العتيقة لا تزال شامخة في أرياف المنطقة تقاوم غزو المدنية الحديثة، والألعاب التقليدية القديمة، ومنها لعبة “الخرقبة” التي تشبه الشطرنج إلى حد ما. كما حظيت الحياة الروحية لسكان المنطقة بنصيب من اهتمامات المصورين الأطفال، ومنها صور لحفظ الصبيان للقرآن الكريم في زوايا قديمة التقطتها غشام أميرة وبغياني مايسة، وكذا صورة لمعامير ذكرى التقطتها لضريح صوفي يسمى “سبع رقود” بمنطقة نقاوس، 391 كلم شرق الجزائر، حيث تقول أسطورة إن سبعة فتية عابري سبيل، آووا منذ عقود طويلة، إلى زاوية صوفية بالمنطقة وناموا فيها، ولكنهم لم يستيقظوا إلى حد الساعة حيث فارقوا الحياة في وقت واحد، فهابهم سكانُ المنطقة الذين لم يكونوا يعرفونهم، وأكدوا أنهم أولياء صالحون وقاموا ببناء مسجد عليهم، وأطلقوا عليه تسمية “جامع سبع رقود” أي “النائمون السبعة” ويعتز سكان “نقاوس” كثيراً بهذا المسجد والصالحين السبعة الذين “يرقدون” فيه، ويقولون إنها علامة على “رضا” الأولياء الصالحين عن منطقتهم. والمتمعن في مضمون صور الأطفال يدرك أنه يقف أمام مواهب سيكون لها شأنٌ كبير في المستقبل، ليس لأنها تجيد تقنيات التصوير فحسب برغم صغر سنها، بل أيضا لأنها تحسن انتقاء مواضيعها، ما يدل على حسن فهم هؤلاء الأطفال لتراث منطقتهم ومدى تمسكهم به أيضاً. والملاحظ أن عدد المشاركين من الإناث أكثر من الذكور، ما قد يعني أن الفتيات الصغيرات هن الأكثر اهتماماً بتقاليد المنطقة وعاداتها وتراثها من الذكور الذين تجذبهم عادةً مظاهرُ المدنية الغربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©