السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كلُّ ألمٍ يؤدي إلى تحول

كلُّ ألمٍ يؤدي إلى تحول
25 يوليو 2018 20:22
كل إنسان يعيش في مرحلة من مراحل حياته لحظات قد تطول أو تقصر من الألم، سواء كان هذا الألم روحياً أو جسدياً، والملاحظ أنه في العالم العربي يتم إهمال وتهميش تناول هذا الموضوع من قبل الدارسين وعلماء الاجتماع رغم أهميته، وانتبه إلى ذلك الباحث المغربي فريد الزاهي، فترجم كتاب «تجربة الألم» للأنتروبولوجي الفرنسي دافيد لوبروتون، وهو كتاب تطرق لتجربة الألم والطريقة التي يعاش بها وكيف يتم احتواؤه ومحاباته والتحكم به للانبعاث من جديد، والألم يصيب الروح والجسد، ويعاني منه المرضى، والذين يمارس عليهم التعذيب، والرياضيون سواء الذين يمارسون رياضة حقيقية أو رياضة روحية، حيث يخضعون جسدهم للألم جراء التدريبات المضنية للوصول إلى المجد أو عيش لحظات الوجد، كما نجده حاضراً في فن البودي آرت باعتباره مقاومة وهذه شذريات من الكتاب. * إن ممارسات تحويل الذات باسم الجمالية أو الروحانية تثير في الغالب مسألة أن لا شيء مجاناً... صحيح أن الألم ليس دائماً موضوع شغف، بعضهم يعيشه كنقطة مرور ضرورية وإن أليمة في عملية مرغوب فيها. * الجسد هو المجال الذي يساءل فيه العالم باعتباره محللاً له. لم يعد المقصد يتمثل في توكيد الجميل وإنما في الاستفزاز والقسوة والفحش والخطر والجرح، والألم والتحول في الهيئة وانبثاق المكبوت. يدخل الجسد المشهد في ماديته باعتباره شيئاً قابلاً لأن ينتج معرفة معينة متى ما انحلت الأمور الأليفة المحيطة به بحيث تكشف عن واقع أو وقائع أخرى ممكنة. * في الفن الجسدي ينتج الفنان اضطرابات في قلب الرابطة الاجتماعية كي يقود إلى التفكير في رتابة الحياة اليومية الثقيلة بالتسويات والعنف، وهو يقدم نفسه ككشاف يؤدي ثمن كشوفه مندمجاً أحياناً اندماجاً نهائياً في أعماله. * الألم يتكفل بدرجات مختلفة من العذاب حسب الظروف. * الألم لدى فرويد رد فعل على فقدان بداهة الوجود من خلال انكسار للوحدة الجسمانية وتتركز طاقة الفرد المعذب وتتحلل في تمثيل الفقدان، والعذاب هو دائماً ما يصيب بضربة ويقتلع الإنسان من ذاته، وما إنْ يتجاوز الفرد مرحلة المقاومة حتى يبدد كامل طاقته في الاهتمام الذي يوليه له. * يمحو الألم كل ثنائية بين الفيزيولوجي والوعي، بين الجسد والنفس، بين الجسماني والسيكولوجي، والعضوي والنفسي، وهو يبين تشابك هذه الأبعاد التي يميز بينها فقط التقليد الميتافيزيقي...إنه ليس ألم كيان عضوي، وهو لا يمكث في جزء من الجسد ولا في مسير عصبي معين، بل هو يسم الفرد ويفيض على علاقته بالعالم، وهو من ثمة عذاب. * هذه القدرة على إبعاد أمواج العذاب بحبسها في مستوى قابل للاحتمال قد تم وصفها جيداً في بعض الفصول من حياة الفلاسفة الرواقيين الذين كان همهم يتمثل في الابتعاد عن مؤثرات العالم «الحكيم الذي يعيش العذاب، لا يحس شيئاً وبشكل حرفي، فلدى هذا الحكيم،.. ثمة فعلاً ألم، لكن ليس ثمة من عذاب أو كدر أو غم، وألم البدن والأعصاب المحطمة تكفّ عن أن تكون اكتئاباً للنفس ويأساً، إن قوة الحكمة لا تتمثل في قلب الألم إلى لذة... وإنما في التفرقة بين المكابدة والمعاناة والإحساس...الألم لا يؤذي الحكيم». * العذاب أيضاً يكون موضوعاً لبحث إرادي ومضبوط، لا بهدف عيش الألم وإنما لاستغلال قوته بهدف تغيير الذات، كالبحث عن الروحانية، والاختبارات الشخصية، والسعي إلى المعرفة أو لغرض التدريب.... قصد عيش تجربة روحانية حادة. * حسب ماثيو ريكار، يمارس البوذيون تحكماً كبيراً في ألمهم من خلال عملية التفكر فيها. ففي نظرهم، الألم (كما السعادة وغيرها من العواطف هو أولاً وقبل كل شيء مظهر للروح. فهم يركزون ذهنهم حول الألم وفي شكله وجوانبه، بحيث يتبخر كلما أمسكت به عملية التفكر). * إن ألماً مختاراً ومتحكماً فيه، من خلال انضباط شخصي بهدف استكشاف الذات، لا يتضمن أي قدر من العذاب حتى ولو كان الحال أليماً. * الشخص في حالة ألم هو الوحيد الذي يعرف مدى ألمه، وهو وحده ضحية العذاب الأليم. الألم لا يقبل البرهنة بل يُعاش كتجربة، وقوة تأثيره خاصة بالشخص الذي يحس به. * الألم لا يسحق الجسد، بل يسحق الفرد، فهو يكسر سيولة الحياة اليومية ويشوه العلاقة مع الغير. * الألم لا ينحصر في عضو أو في وظيفة، إنه أيضاً ألما معنوي. * العذاب يشمل الفرد بكامله، وهو يطرده من ذاته كي يجعل منه ذيلاً وتكملة للنقطة الأليمة، حيث يغدو العالم الخارجي شيئاً غير قابل للاهتمام. ....... * الألم جهد في التشنج يكون في الآن نفسه جسمانيا ورمزياً حول الجزء المصاب من الجسد. إنه توتر غير ملائم يُنهك الفرد، وكلما كان العذاب حاداً، كلما أفقر العلاقة بالعالم وحجب الأفق عن الفرد. * إذا كان الألم إحساساً رهيباً، لكن في حدود قدرة الفرد على الاحتمال، فإن العذاب تحطيم، وإحساس بالضياع وحداد على النفس. * كل ألم يؤدي إلى تحول، فهو يغير عميقاً نحو الأفضل كما نحو الأسوأ الشخص الذي يلم به. * يمزج الألم بين الإدراك والعاطفة، أي بين الدلالة والقيمة. ليس الجسد هو ما يتـألم، وإنما الفرد في معنى حياته وقيمتها. ألم المريض هو أُوار العذاب، والهاوية التي تبتلع طاقته كلها ولا تترك له شيئاً للحياة اليومية. * إن لا معنى الألم يضيف للمرء دوماً عذاباً إضافياً، وأن تمنحه معنى أخلاقياً أو روحياً أمر يخفّف من قساوته. * يتطلب الألم مجازات حربية في صورة غزو، بحيث يدخل المريض في حرب وكفاح ضده...إنه عدو من اللازم تدميره. * الألم يحبس الزمن ويحرم الفرد من توقعاته ومن مفاجآته، ويرسم سياجاً في الزمن عليه، مع الإحساس بأنه متورط فيه بشكل نهائي حتى لو استمر في الصراع والبحث عن حلول. الفرد هنا يوجد في فوضى الزمن، وهو لا يوجد في المدة الزمنية وإنما في الاستمرار الملح للألم... العذاب يجمد سيولة الزمن ويمنح الإحساس للفرد بأنه يوجد أمام جدار من العجز. * إذا كانت تجربة الألم تُعاش باعتبارها غير ذات معنى وغير قابلة للفهم، أي كعذاب حاد، فهي تسم الشخص طيلة حياته. * الإحساس بالألم أمر شخصي وحميم، وهو ينفلت من كل قياس ومن كل محاولة لتحديده أو وصفه، ومن كل إرادة لإبلاغ الآخر بحدته وطبيعته. إنه لا يتجاوز حدود الجسد كي يظهر في وعي الآخر. كما أنه لا يمنح نفسه في البداهة، حتى الحب والشفقة يتوقفان عند حدوده على الرغم من الرغبة في أخذ جزء منه للتخفيف عن الآخر. * يقسم الألم العالم إلى اثنين، مُبعدا غصبا أولئك الذين لا يصيبهم ويظلون في بداهة الوجود عن أولئك الذين يتعذبون ويحسون بأنفسهم مهمشين. يتم تقاسم الخوف لكن أبداً الألم، لأنه محبوس في البدن وينحصر في حميمية تعذيبية لا يصلها الآخرون. * لا أحد يعيش الوحدة إلا الإنسان الذي يكون ضحية الألم. * لا أحد يستطيع الإحساس بألم شخص آخر إلا إن استطاع أن يكون في مكانه، والحب مهما كان قريباً فإنه يمسك باليد ولا يتقاسم الألم. * بالنسبة للأقارب، إذا لم يكن من الممكن تحمل ألم الآخر، بالإمكان على الأقل تقاسم الصراع ضده. * في بعض الحالات، لا يتطلب التواصل اللغة، فهو يجمع بعمق بين الأفراد حين تغيب الكلمات بسبب الألم أو التأثر. والعناق والتماس الجسدي يسعيان إلى تفادي استحالة القول. يد توضع على جبهة أو تطبطب على كتف، تعانق ساعدا، وتبحث عن تهدئة شخص آخر هدته هجمات الألم، إنها تسعى إلى كسر العزلة وتوحي بالتضامن وبتناغم العواطف، وهي تؤكد حضورا للصداقة والمصاحبة في البلاء. * الألم يتجارى في متاهات التاريخ الحياتي للمرء ويتقافز فيها. إنه صدى لجراح الطفولة أو المراهقة. * الألم يكون أحياناً توقيعاً لملحاحية رابطة ما، فهو الذاكرة المنقوشة في البدن نفسه... إنه يتغذى من حدث مهم أو صادم فاض عن قدرات البلورة الرمزية لدى الشخص، وظل في ثنايا الجسد كشظية معنى تحت البشرة تظل تثير الألم. وهو يعبّئ أطلال ألم قديم، يسميه فرويد التذكارات. * إن الابتزاز بالألم سلاح غالباً ما يستعمله أولئك المحرومون من وسائل أخرى لكي يسمع صوتهم. فإشهار المرء لألمه هو طريقة مفارقة وخطيرة لامتلاك السلطة على الآخرين. * بعض الأفراد في وضعية عذاب يخادعون نقصهم في الوجود بألم دائم يعوقهم غير أنهم يربحون من ورائه الإحاطة بالانتباه والعناية، إنها علامة هويتهم في قلب عائلتهم أو مجموعة ما. * يغدو التفاخر بالعذاب لدى بعض المرضى عَلَما شعاريا للهوية. فهو يمنحهم بحدته وكثافته المعلنة نبالة معينة. القليل يستطيعون استحمال ما يكابدون. فهم يمنحون الانطباع أن محنتهم علامة على الاختيار الذين يحظون به. وهم يتلفعون بمصيبتهم مقتنعين أنهم ستكون لهم قيمة أكبر من الآخرين. وهم بالتضحية اللاواعية بجزء من نفسهم يدفعون ثمن وجودهم، وبالتالي ينجحون إزاء محيطهم في المجال الوحيد الذي لا يحسون فيه بالفشل: ألمهم. * إن ما يسميه التحليل النفسي المازوشية المعنوية، وهي سلوك معتاد إلى حد ما، هو نزوع لا واع يضع فيه المرء نفسه في وضعية عذاب من غير أن يسعى إلى اجتثاث نفسه منه واقعيا، إنه طريقة للعيش من غير استقرار ومن غير الرغبة في ذلك لكن من غير تعبئة المجهودات الممكنة لمواجهة المصاعب الموجودة. * التعذيب هو أولاً وقبل كل شيء رعب الاستسلام لقساوة لا شيء يتحكم فيها خارجيا. والاختلاف الأنطولوجي مطلق بين الجلاد والضحية، إذ أن ألم الواحد يغذي سلطة الآخر. الأول معفى من أي ألم، ويمتلك حظوة القيام به في حق شخص أعزل... والضحية هي ذلك اللهب من العذاب واليأس، المجبر على الخضوع. * إذا كان المريض يستعيد حياته ويمسك بها عندما يتنفس الصعداء لانتهاء الألم، فإن الناجي من التعذيب يظل موشوما بالعنف الذي تعرض له ويستمر عذابه. * تتطلب أغلب الممارسات الرياضية مواجهات جسدية طويلة وعدوانا مقبولا يفعله الرياضي نفسه، الألم حد يلزم مجاوزته أو صده كي يتمكن المرء من السرعة أكثر أو الذهاب أبعد من الآخرين. ورؤوسه الحادة تتم مُساماتُها برهانات التباري مع الذات ومع الآخرين. والإنجاز هو ميثاق رمزي مع الألم. وتتمثل التدريبات في ترويضه لجعله متحملاً. * إن متابعة الجهد طويلاً خلال التدريبات، وما يصاحب ذلك من تعب وألم طيلة الوقت، يمنح الرياضي غلافاً نرجسياً، والإحساس بأنه يوجد في ذاته بشكل صلب، وأن الحدود مع الخارج محددة بشكل واضح. فالألم والتعب يمكنانه من جمع أطراف نفسه، بحيث لا يكون هو ذاته سوى كيان واحد. * ما لا يحطم المرء يجعله أقوى. * آلام هذه الدنيا أكثر واقعية من خيراتها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©