السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كذاب رغم أنفه

كذاب رغم أنفه
28 يناير 2010 20:54
لدي ما أخفيه أو أخشى إعلانه وأردت منذ البداية أن أكون صريحاً معها فور ارتباطنا وإعلان خطوبتنا؛ لأنني أحب المصارحة والمكاشفة، فيجب أن نبدأ حياتنا بالحقائق لا بالزيف والتجمل كما يفعل الشباب في فترة الخطبة لذلك عندما استجوبتني أو إن شئت فقل استدرجتني كنت صريحاً إلى أقصى الحدود وإلى أبعد مدى أرد بعفوية وتلقائية بلا زيادة أو نقصان؛ لأنني أؤمن أن من حقها أن تعرف عني كل شيء؛ لأنها ستشاركني حياتي المقبلة. وأيقنت أن الصدق أقصر الطرق للإقناع وأن الكذاب كثير النسيان ويروي الواقعة بعدة روايات كلها مختلفة وكان سؤالها الأول عن علاقاتي العاطفية، فأجبت أن البداية في مرحلة المراهقة وكانت علاقة عابرة مع ابنة الجيران في وقت مبكر من العمر وكانت المبادرة من جانبها بنظرات وإشارات وكنت معجباً بها، لكنني لم أصل بمشاعري إلى درجة الحب فقد كنت حريصاً على أن تكون أحاسيسي تحت السيطرة ولا أود الاندفاع مثل أقراني في ذلك الوقت ولم تتم بيننا المصارحة وحينها كان أمامي سد منيع في هذه العلاقة؛ لأن أخاها كان صديقي فاعتبرت حبي لأخته خيانة لصداقتنا خاصة أنني مازلت في بداية التعليم الثانوي وأمامي مشوار طويل وانتهت التجربة الأولى. كانت خطيبتي تسمعني بتركيز واهتمام شديدين وترصد أيضاً قسمات وجهي وهل كنت متأثراً بتلك الأحداث أم لا فخطيبتي خريجة علم النفس ودرست ذلك بتعمق وطلبت مني أن أكمل سرد بقية هذه العلاقات فقلت: أما في الجامعة، فقد كانت هناك قصة حب من جانب واحد من إحدى زميلاتي، صارحتني بجرأة وقد كانت تفتقد حياء الأنثى وطاردتني طوال السنوات الأربع في دراستي الجامعية ولم يتحرك قلبي نحوها بغير الإشفاق عليها وقد كنت صريحاً كعادتي فلم أخدعها ولم أعدها بأي شيء حتى أنها ذات مرة عيرتني بأنني رجل من العصر الحجري لا قلب لي ولا مشاعر، وكانت النهاية مع انتهاء الدراسة الجامعية، غير أنني مازلت أقابلها حتى يومنا هذا؛ لأنها التحقت بالشركة نفسها التي أعمل بها وإن كانت ما تزال تذكرني بحبنا القديم كما يحلو لها أن تسميه رغم أن كل منا تزوج وأنجب حفنة من الأطفال. أما التجربة الثالثة والأخيرة، فكانت أكثر اختلافاً إذ ارتبطت بقصة حب حقيقية مع فتاة وجدت فيها اختلافاً عن كل اللاتي التقيت بهن في حياتي وعشقتها بمعنى الكلمة، وبادلتني المشاعر ووجدت فيها ما لم أجده عند غيرها، كانت النموذج الذي أبحث عنه، وجدت معها الحب الحقيقي بعيداً عن مشاعر المراهقة التي في الغالب لا تكون على صلة بالواقع وإنما هي إلى الخيالات أقرب، وتقدمت لخطبة محبوبتي لكنني وجدت معارضة شديدة من أسرتي بسبب اختلافات الطبائع بين الأسرتين، فنحن من عائلة محافظة لها تقاليدها وعاداتها وهي من أسرة متحررة وإن كانت غير متسيبة، لكن أبي وأمي وإخوتي كانوا يرون عدم التكافؤ وعدم التوافق في هذه الزيجة، واضطررت لفسخ الخطبة إرضاء لأبي وأمي. وقد هربت خلال هذه الاعترافات من الإجابة عن السؤال الاعتراضي من خطيبتي وهي تستفسر عما إذا كانت هناك عندي بقايا من هذا الحب أم لا؟ فقلت هذه مرحلة انتهت وقد أسقطتها من حياتي وحساباتي لكنها عاودت السؤال بصيغة أخرى، حول علاقتي بأسرتي وما إذا كانت تأثرت أو تغيرت بعد موقفها هذا، فأجبتها قائلاً: بالعكس فإنني بار بأبي وأمي وأساعد أفراد أسرتي بكل ما أستطيع ولن أعصي أمراً مهما كان وسأبقى ما حييت أنا وما ملكت يداي ملكاً لأسرتي، ووجدت من خطيبتي تعبيراً عن ارتياحها لهذه الكلمات، وبرقت عيناها بالإعجاب بشخصيتي وموقفي هذا. وهكذا عرفت خطيبتي كل شيء، وتم زواجنا ونحن على وفاق واتفاق وانتقلنا إلى عشنا الهادئ الذي ترفرف عليه السعادة، لا يعكر صفو حياتنا أي شيء، بل من الله علينا بطفلة جميلة، كانت ريحانة بيتنا ومبعث سرورنا، وقررت أن أذهب لزيارة أسرتي واشتريت بعض الهدايا الخفيفة والملابس وعدت بعد يومين فقط لأجد زوجتي بوجه آخر غير الذي عرفت وتركتها عليه، استقبلتني بجمود وعبوس، في البداية اعتقدت أن أمراً جللاً قد حدث، لكنها نفت حدوث أي شيء، حتى أنني استحلفتها بالله أن تخبرني عما جعلها كذلك، فوجدت أمامي بركاناً ينفجر، وهي تتهمني بأنني ذهبت في هذه الزيارة لأرى ابنة الجيران وكما أطلقت عليها حبي الأول لأنها تزوجت وتقيم في الشارع نفسه الذي تقيم فيه أسرتي، وان الحنين ساقني وأرقني فاختلقت هذه الزيارة، وأتحفتني بتأكيد شكوكها وهي تهز رأسها، وتقول: “نقل فؤادك حيث شئت من الهوى، ما الحب الا للحبيب الأول”، فأقسمت لها أن شيئاً من ذلك لم يحدث ولم يكن هذا في خاطري، فأضافت وبالطبع أنففت كل ما بين يديك على أبيك وامك وإخوتك، فقلت لها ما فعلت أكثر مما رأيت وكان أمام عينيك من هدايا، فلم تصدق، وفي النهاية تركتني واتجهت إلى غرفة أخرى قضت فيها ليلتها مع طفلتنا الصغيرة كعقوبة لي، وندمت على أنني أخبرتها بتلك العلاقة العابرة، وبأنني أساعد أسرتي على أحوال المعيشة، وبعد عدة أيام عادت زوجتي إلى طبيعتها نسبياً وإن لم تكن مثل ذي قبل، وحاولت أن أنسيها كل ما حدث وأؤكد أنها الوحيدة في حياتي وفي بؤرة اهتمامي وفي قلبي وكياني. لم يكن “الموبايل” قد دخل الخدمة عندنا بعد وكنا نعتمد على الهواتف المنزلية في الاتصالات، واتصلت بي زميلتي في العمل، وردت عليها زوجتي فإذا بزميلتي تطلب منها أن تتكلم معي وذكرتني باسمي المجرد دون أستاذ أو غيره، وسألتني عن بعض الأوراق والإجراءات واجبتها باقتضاب مع تبادل الشكر والتحية في البداية والختام، لكن البركان الثاني عند زوجتي تفجر وفتحت لي تحقيقاً موسعاً واستجواباً مفصلاً، كيف لي أن أسمح لزميلتي بأن تناديني باسمي المجرد؟ وأجابت زوجتي على نفسها، طبعاً لأن العشاق هكذا ينادون بعضهم ويا لها من جرأة وهي تتصل بك في البيت، ألم يكفك أن تقضي معها كل الوقت في العمل واسترسلت زوجتي في تساؤلاتها. وتقول الإجابة بنفسها على نفسها ووضعتني في موضع الاتهام دون أن تدع لي فرصة الدفاع عن نفسي وأصدرت حكمها بعقوبات من عندها بألا تعد لي طعاماً ولا تجيب لي مطلباً ولا تجاورني في غرفة، ونفذت هذه العقوبات حفاظاً على أسرتي الصغيرة وحتى لا تتصاعد الأمور وكي لا تتفاقم المشكلات إلى أن عادت المياه إلى مجاريها ولكن ليست صافية تماماً كما كانت. واستمر مسلسل النكد الذي كتبته زوجتي وأحرجته وقامت بتمثيله، عندما زرت وهي معي المدينة التي كانت فيها خطيبتي السابقة، وكانت الزيارة عبارة عن رحلة جماعية ليوم واحد، ولكن بقدرات زوجتي الإبداعية حولتها إلى جحيم واتهمتني بأنني جئت إلى هنا لأرى حبيبتي وليس للنزهة كما ادعيت فأخبرتها بأن هذه الفتاة قد تزوجت وأنجبت ورحلت عن البلاد كلها وتقيم في الخارج، فردت ببساطة إذا جئت إلى هنا لزيارة الديار والبكاء على الأطلال، وأضافت إليَّ تهمة جديدة استخرجتها من كلامي نفسه، وقالت إن الدليل على حبي القديم أنه مازال حياً أنني مهتم بأخبارها وأعرف كل شيء عنها وعندما انتهى اليوم أضيفت إلى سجلي اتهامات جديدة لتتراكم أوراق الملفات، وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما طلب أبي مني مساعدة شقيقي الأصغر في تكاليف زواجه واستجبت لمطلب والدي، فأعلنت زوجتي الثورة ضدي وأذاعت بيان الانقلاب ووجهت إليَّ هذه المرة تهمة الخيانة العظمى لأنها ترى أنني فضلت أخي عليها لأنني لم أستجب لبعض مطالبها وهرولت لمساعدة أخي، وقد فشلت هذه المرة في إقناعها بموقفي، ورفضت أن تسمعني، وقالتها صراحة إنني خدعتها وهكذا كانت زوجتي تحوّل كل المواقف حسب رؤيتها وتأويلاتها، ولا تصدق أقوالي وتعتبرها مبررات واهية لأخطائي. كاد البيت يهدم على رؤوسنا وقد أنجبنا ثلاث بنات التحقن بمراحل التعليم ووضعتني زوجتي في دائرة الشكوك وهي ترى أن كل تصرفاتي خاطئة وعكس إرادتها ورغبتها وفكرت كثيراً في مخرج من الأزمة الطاحنة التي بلغت مداها، ووجدت أن الحقيقة مزعجة وأن الصدق معها يأتي بنتائج عكسية، وبعد أخذ وجذب وصد ورد، رأيت أن أسلك طريق السلامة والأمان وأن أخفي كل تحركاتي وتصرفاتي عن زوجتي حتى أبعدها عن الطريق الذي تسير بنا فيه، وحقيقة في البداية وجدت نتائج طيبة لذلك فلم أعد أخبر زوجتي بأية مساعدة أقدمها لأسرتي، بل ادعي أنني لا علاقة لي بهم، وإذا قمت بزيارتهم أخفي ذلك تماماً عنها وادعي أنها مهمة عمل، وإذا ساقتني قدماي إلى مدينة حبيبتي السابقة لظروف العمل، أخبرت زوجتي عن وجهة غيرها، واعترف أن “الكذب” للأسف جاء بنتيجة مرضية، وهدأت عواصفها، وإن لم تهدأ شكوكها وسرت في طريقي رغم أنه معوج، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد تكشفت بعض الحقائق، وإن لم تكن من النقائص، وعلمت زوجتي بها، ومنها مساعداتي لأسرتي، وكالعادة فشلت في إقناعها، بل وجدتني قد وضعت رقبتي في حبل المشنقة لأنها أمسكت بأدلة اتهام، كانت هذه المرة حقيقية، لأنني فعلاً كذبت عليها وأخفيت عنها كل ما يؤدي إلى المشاحنات والخلافات بيننا، حتى وصل بها الأمر لأن تسميني “الكذاب” وتشك في كل تصرفاتي علاوة على أنها أصبحت لا تصدقني حتى لو أقسمت لها، فكل شيء أخبرها به هو كذب في رأيها ولا ترى عندي الصدق أبداً. والنتيجة النهائية أن زوجتي جعلتني كذاباً سواء حقيقة أو ادعاء وخيالاً، ولم أعد قادراً على التمييز، لا أعرف ماذا يرضيها، فلو أخبرتها بالحقيقة ثارت ثائرتها ورفضت وعارضت رأيي وقراري، ولو كذبت عليها كانت الثورة أكبر وكالت لي الاتهامات ووضعتني بين المطرقة والسندان، ضيقت عليًّ الخناق ولم تترك متنفساً وأجبرتني على الاختيار الصعب والخاطئ، إنني أريد الحفاظ على أسرتي من أجل الصغار، ولا أستطيع أن أتخلى عن عائلتي لكن زوجتي استغلت صراحتي وصدقي واستخدمتهما في الاتجاه المعاكس.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©