«البقعة السوداء» يختبر صمود القيم الإنسانية.. ويضع التضحية في مواجهة الجشع

«البقعة السوداء» مسلسل سوري جديد يتناول حياة الناس البسطاء على خلفية الحرب الرابعة التي خاضتها سوريا في لبنان خلال الاجتياح الإسرائيلي لأراضيه وحصار بيروت عام 1982. والمسلسل لا يتناول قضايا سياسية أو أيديولوجية، بل يطرح قضايا الناس ومعاناتهم جراء الحرب، وما تبعها من حصار اقتصادي على سوريا استمر حتى العام 2000، ومعاناة السوريين من وطأة هذا الحصار وآثاره ومنعكساته على حياتهم. نماذج حية يقدم المسلسل نماذج حية من البشر، بينها أسر شريفة تبذل التضحيات، وتحتمل الضائقة الاقتصادية، وتضحي من أجل الوطن، في مقابل نماذج أخرى جشعة وأنانية تنقاد وراء مصالحها المادية، وتستغل ظروف الناس، لتحصد أكبر قدر من المغانم! وعبر خطوط درامية عديدة نعيش الصراع بين القوى الخيرة ونقيضتها قوى الشر. مخرج المسلسل رضوان المحاميد يعتبره عملاً اجتماعياً يكرس صمود القيم الإنسانية السامية في مواجهة العدوان والظروف الاستثنائية، من خلال أسر عديدة تتأثر بالحرب، وبالضغوط الاقتصادية، لكنها تعبر عن الحب وتبعث برسائله الطيبة. ورغم أن المسلسل لا يتحدث عن الحرب بحد ذاتها، وإنما يركز على تأثيراتها في الناس، فإنه يرصد عدداً من حالات التضحية والشخصيات التي أثرت فيها الحرب، وأفقدتها الكثير مما تملك، لتدخل الكاميرا إلى داخل أسر تتجسد فيها المعاناة المريرة ومواجهة الظروف بإرادة الحياة. مصابو الحرب الفنان عبدالحكيم قطيفان يلعب شخصية مروان عبدالهادي، وهو طيار أفقدته الحرب قدميه الاثنتين، لتبدأ معاناته النفسية الشديدة مع تغير وضعه الشخصي من رجل عكسري معتد بنفسه، إلى شخص مقعد يثير الشفقة. ونظراً لأن مروان يرفض وضعه الجديد المأساوي، فإنه يعاني من أزمة عدم تكيف عنيفة مع الواقع الجديد، مما ينعكس على أسرته وزوجته ووالدته. وهنا تطل الفنانة لينا حوارنة بشخصية زوجته (سوسن) المرأة الصبورة والحنون، والتي تحاول استيعاب واقع زوجها الجديد، ومساعدته على تخطي أزمته العنيفة كي تستمر الحياة بالحب والتكيف مع المستجدات، وقبول الأمر الواقع والتعامل معه بإيجابية، أما الممثلة القديرة أنطوانيت نجيب، فتلعب شخصية والدة مروان التي أصيبت بالعمق نتيجة ما حدث لنجلها، لكنها تحيطه بحبها وحنانها وتشد وثاق الأسرة بمشاعر المحبة، كي تنجو من مأزقها المؤلم. الجشع القاتل في موازاة هذه الأسرة المنكوبة برجلها، نشاهد أسرة أخرى جشعة ومفككة، ولا يهمها من الدنيا إلا المال. يقف على رأس هذه الأسرة الأب التاجر (أبو عماد) الذي يجسد شخصيته الفنان (رضوان عقيلي)، وهو يعتقد أن المال، والمال وحده هو جوهر كل شيء في الحياة. وتقف إلى جانبه زوجته إلهام التي تلعب دورها الفنانة لينا كرم، وهي شابة جميلة وصغيرة تزوجت منه طمعاً في ماله، رغم حبها لابن الجيران، لكنها تفضل عليه المال ومتع الحياة المادية، وما بين الحب والجري وراء المال، تبدو إلهام ضائعة وهاربة دائماً من نفسها، لتغرق في لا مبالاة تقودها إلى السفر الدائم والجري وراء آخر صرعات الأزياء، لكن حادثاً يقلب حياة هذه الأسرة الجشعة رأساً على عقب، إذ أن عماد الابن الأكبر يدخل السجن نتيجة سطو مسلح يقوم به، فينكفئ الأب وينزوي ويشعر بفشله في تربية أولاده، وتحاول زوجته اســــتعادة الأسرة، لكن محاولتها تأتي متأخرة جداً، إذ أن ابنتها ماجدة التي تلعب دورها الفنانة (هبة نور) تخسر زوجها ويضيع منها كل شيء أيضاً. شريرة وسط العائلة في المسلسل محاور درامية أخرى وشخصيات كثيرة أبرزها (أم عصام) التي تؤدي دورها الفنانة فيلدا سمور في شخصية شعبية شامية، وإخلاص التي تلعب دورها الفنانة تولين البكري التي تعاني من كون زوجها عقيم، فتتحول إلى شريرة، وسط عائلة كبيرة. وتحاول الإيقاع بين إخوة زوجها وزوجاتهم. وهناك شخصية جديدة يلعبها الفنان عاصم حواط، وهي شخصية الشاب المتخلف عقلياً، وهو سعيد بأدائه لهذه الشخصية، ويلعبها بمقاربة جديدة، لأنه يلحظ أن المتخلفين عقلياً لديهم أيضاً مشاعر وأحاسيس يجب مراعاتها والتعبير عنها. ثلاثون فناناً ويشارك في هذا المسلسل الذي كتبه خلدون قتلان ثلاثون فناناً في مقدمتهم عبدالحكيم قطيفان وعمر حجو وعبدالرحمن أبو القاسم ورضوان عقيلي، وقاسم ملحو وجيهان عبد العظيم ولينا حوارنة وتولين البكري ومحمد الأحمد وهدى شعراوي. ويواصل المخرج رضوان المحاميد تصوير مشاهد المسلسل في مدينة دمشق، قبل أن ينتقل بكاميرته إلى الساحل السوري ليستكمل التصوير. وسيكون العمل جاهزاً للعرض في رمضان القادم، وهو من إنتاج مديرية الإنتاج في التلفزيون السوري