الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

كيف تقرأ التاريخ الصيني عبر لعبة الشطرنج التقليدية؟

كيف تقرأ التاريخ الصيني عبر لعبة الشطرنج التقليدية؟
19 يوليو 2018 01:18
نوف الموسى (أبوظبي) في منارة السعديات، بمدينة أبوظبي، سقط شعاعٌ من ضوء الشمس، اخترق النوافذ الزجاجية لأسقف المنارة، عاكساً لمسات من (الضَّيّ) الخفيف على مسرى النهر الفاصل بين مملكتين، في لعبة الشطرنج الصينية التقليدية «شيانغ تشي». وقف الزوار باهتمام نوعي، على مدى النسمات اللحظية لهذا السريان البسيط في حجمه غير المرئي، ولكنه عميق في احتفائه بالثقافة الصينية. فاللعبة تهدينا تقديراً معرفياً عميقاً لحضارة كاملة، إلى جانب أن اكتشافها ضمن برنامج الأسبوع الثقافي الإماراتي الصيني، يستدعي الجلوس ومواجهة لاعب صيني، وبذلك تتجسد أولى خطوات الانفتاح الحضاري نحو خلق حوار مع الطرف المقابل، والتي من شأنها أن تثير الأسئلة الكثيرة، وأبرزها: لماذا يستطيع الجنود والأحصنة عبور النهر في مواجهة مباشرة إبان اندلاع معركة الشطرنج، ولا يمكن للفيلة سوى انتظار لحظة الانقضاض النهائية للملك؟! وبابتسامة عفوية، يجيب اللاعب الصيني: «تقصدين المرور على نهر تشو، الفاصل بيننا، ربما لصعوبة حركة الفيلة في ذلك الوقت، إبان حرب تشو هان، عموماً الأحصنة تستطيع تجاوز النهر». ومع التلميح لتاريخية (هان)، التي تمثل ثاني السلالات الإمبراطورية الصينية، المعروفة بارتباط عهدها بتعاليم كونفوشيوس، ينتاب المتسائل الفضول، حول أسباب عدم انتشار معتقدات كونفوشيوس خارج الصين، وقتها، حيث وصل إلينا بعدها باعتباره فيلسوفاً ناقش السلوك الأخلاقي والإنساني، والمثير في ذلك كله، أن تتكشف الأسئلة عبر لعبة مصممة للدخول في حرب بين مكانين ينتميان لنفس الجغرافيا، يفصلهما فقط نهر ساحر، حضوره بينهما ليس إلا تذكيراً وجودياً بأهمية قبول المملكتين بأحقية الآخر في البقاء، إلا أن الإنسان مستمر في قمع نفسه عبر إبادة الآخر!. بالصينية: «شيانغ» تعني «فيل»، و«تشي» مفادها «لعبة»، اللافت أنه على طول الخطوط العرضية والطولية في اللعبة، تتفرد كل قطعة بتفاصيل شكلية تختلف عن ما يقابلها في الطرف المنافس، فالرغبة في تصنيف محدد لكل جهة، ضروري لتميز كل جيش عن الآخر. في لحظة التجربة الفعلية، لـ «لعبة شيانغ تشي»، تأملت كيف أن القتل يتم بدهاء عقلي مبرمج عبر تحريك القطع. فجأة، تنتابك الرغبة الجامحة في سحق من أمامك، ما يجعلك تتأمل اللاعب الصيني وتسأله عن إمكانية التراجع قليلاً، وإذا به يخبرك بأنه لا مجال للهروب، نحن في أرض مشتعلة، إية حركة للخلف تعني الإبادة، الحل المؤقت هو التنبه والاستيقاظ للحركة القادمة، الهروب يستفزك لخوض حرب ثانية، إنْهِ كل شيء الآن. وبطبيعة الحال، فإن تفضيل الموت - وقتها - على قتل أحد، يعد خياراً مطروحاً، وبشكل ذهني، على الأقل، كان هيناً. الاستمرار في تبادل الأحاديث الودية مع اللاعب الصيني الذي ركز جزئياً على الفوز، شتت انتباهه في كثير من اللحظات، لكنه في الوقت نفسه، يمنح المحاور فرصة للبحث عن ما يمكن أن تثريه لعبة الشطرنج الصينية لجهة خلق لقاء متفرد، ينقل الجميع إلى نواحٍ تنموية شتى. بالقرب من فضاءات اللعبة الصينية التقليدية، تحمل قطع التحريك الكثير من الرموز الدالة على مسمياتها، ووظائفها، وأدوارها في اللعبة. والرسوم هنا، تفتح أفق الخط العربي، وبالأخص استخداماته في فن الجرافيتي، المرتبط في المنطقة العربية بالجدران، لذا يمكن القول بأن تكبير أحجام قطع اللعبة إلى أضعاف حجمها الفعلي، سيقدم جداريات في منتهى الجمال، وبذلك ننقل قطع لعبة الحرب إلى لعبة فنية توحي بالرغبة في السلام، ونتحول من المواجهة إلى الانسجام، في أن يقف الجميع أمام الجداريات، بشكل حيادي، وبحق كل وجهة نظر الكامل في تفسير تلك الأشكال، فرؤية لوحة الفيل لدى كل متذوق ستتخذ وجهة نظر مغايرة، نضمن بها حضور كل ما هو متناقض، بقبول بديع تحت مظلة فنية متنامية.. وهنا تكمن القوة العميقة للثقافة، في أن التغير يبدأ من الداخل!.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©