محمد وردي
صدر حديثاً عن دار “ورق” للنشر والتوزيع رواية “عشيق المترجم”، وهي الخامسة للكاتب الألماني جان دوست (من أصل كردي – سوري)، التي يمكن اعتبارها بحق، رواية ثقافة التسامح بامتياز، فضلاً عن رموزها ودلالاتها ومحمولاتها المعرفية، التي تُعيد موضعة الأديان السماوية الثلاثة، فتردها إلى ينابيعها الأولى، حيث تتقدم وظيفة غرس المحبة والتواصل الإنساني بين البشر، من أجل عمارة الأرض بوئام وسلام، على غيرها من الوظائف، كون الأديان بجوهرها وحقيقتها الروحانية والمعرفية أو الفلسفية، هي في خدمة الإنسان وسعادته وليس العكس. أي أنها تشيد جسور التواصل والتعارف والتحاب بين البشر، لا الاحتراب مهما تنوعت أو تعددت الأسباب، ذلك لأن حُرمة الحياة الإنسانية تعلو على الحرمات كافة، في كل الأحوال والظروف. فكيف يمكن تبرير الاعتداء على هذه الحُرمة باسم الأديان كما يحصل في أيامنا هذه في مختلف أرجاء المعمورة، وبشكل خاص في منطقتنا؟.
زمن الأتراك
![]() |
|
![]() |
إذن رشدي على قدر عال من الانفتاح على الآخر القريب أو البعيد، وهذا النصراني (بولس الراهب)، الذي تتبرم سارة من صداقة زوجها له دون سبب معروف، هو أقرب المقربين الخلص له، بل هو شقيق روحه لدرجة ائتمانه على فلذة كبده الوحيد عشيق، ما أتاح للراهب بولس أن يلعب دوراً حاسماً في تقرير مستقبله بل مصيره، برغبة وطموح أبيه المسلم السني، الذي كان يحلم طوال فترة شبابه أن يتعلم الإيطالية واللاتينية، لأنه أدرك مبكراً أن الترجمة هي جسر للتلاقح بين الثقافات، هذا فضلاً عن مقام المترجم المحفوظ في الباب العالي ولدى أهل الصفوة في المجتمع. ولما أخذته التجارة من حلمه، قرر أن يَكِلَ ذلك لولده الوحيد عشيق، مستعينا بصديقه الراهب. ما جعل الراهب يتدبر أمر المنحة المأمونة على الولد في الغربة، وعملية سفره إلى روما، بأوراق زورها الراهب بنفسه، فصار اسمه بموجبها يوحنا الأنطاكي بدلاً من عشيق أفندي، لتسهيل عملية مغادرته البلاد، وتجاوز قوانين السلطنة، التي تمنع سفر أبناء المسلمين للتعلم في “بلاد الصلبان”.
![]() |
|
![]() |