الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

مي لانفانغ.. أسطورة المسرح الصيني

مي لانفانغ.. أسطورة المسرح الصيني
18 يوليو 2018 23:33
عصام أبو القاسم (الشارقة) يعود الفضل في تعرف العالم على المشهد المسرحي الصيني، لرائد أوبرا بكين الفنان مي لانفانغ (22 أكتوبر 1894 - 8 أغسطس 1961)، الذي انتقل بالدراما الصينية الشعبية، التي تتميز بطابعها البنائي الذي يمزج السرد والرقص والقناع والغناء والأزياء والإشارات ذات الخصوصية المحلية، من الفضاء المحلي إلى الفضاء الدولي في النصف الأول من القرن العشرين، عبر رحلة تاريخية إلى اليابان والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، فاتحاً بذلك السبيل أمام رموز ورجالات المسرح في أوروبا وأمريكا على وجه الخصوص ليتعرفوا للمرة الأولى إلى هوية المسرح الشرقي الفريد، ويستلهموا تقنياته الإخراجية والتمثيلية، ومن أبرز هؤلاء المسرحيين الغربيين الذين تأثروا به «برتولد برخت» الذي شاهد «لانفانغ» في موسكو (1935) وتأثر بطريقته التمثيلية تأثراً بالغاً، واتخذ من تجربته مدخلاً إلى «نظرية المسرح الصيني»، مشيراً إلى أنه وجد في أداء «لانفانغ» ما كان يدعو له دائما، فالممثل الصيني لم يتقمص دوره، كما لعب في بعض لحظات العرض دور «الراوي/ الشاهد»، وتلك من أهم عناصر «المسرح التغريبي» الذي دعا إليه المخرج والكاتب الألماني المشهور. وإلى جانب برخت، هناك ستانسلافسكي، الذي أسس ما يعرف بمدرسة الواقعيّة النفسية في التمثيل، فهو الآخر أعجب بـ «لانفانغ» وبطريقته في الأداء على رغم اختلافها البيّن عن منهجه. بيد أن ما قدمه لانفانغ من أجل تكريس المسرح الصيني في الجغرافية المحلية الواسعة، لا يقل أهمية عما ما أسهم به على الصعيد العالمي. ولتقدير ذلك لا بد من الإشارة إلى أن «ملك أوبر بكين» كما يوصف، عاش طفولة قاسية، فعائلته وهي جزء من عائلات عدة تسترزق بالعمل في الأوبرا، كانت فقيرة جدا، وفي السنة الخامسة من عمره مات والده، الذي كان يعيل الأسرة من عمله في الأوبرا، فكان على الصبي الوحيد في العائلة أن يعمل لتوفير لقمة العيش لأهله. لم يتح لـ «لانفانغ» أن يكمل تعليمه ليس بسبب فقره فحسب ولكن أيضا للمزاج الطبقي الذي كانت يتحكم في إدارات المدارس حينئذ إذ لم تكن هذه الإدارات تحترم عائلات فناني الأوبرا، ولذلك تبع «لانفانغ» درب والده والتحق بالأوبرا وراح يتعلم فنونها، في بطء وتعثر، وبعد فترة وجيزة، سجل ظهوره الأول سنة 1904 وقد بلغ سنته العاشرة ولكنه احتاج لسنوات عدة ليلفت الأنظار بمهاراته الأدائية وخاصة طاقته الصوتية. واشتهر الرجل بأداء الأدوار النسائية، إذ لم يكن مسموحاً للنساء بالمشاركة في أوبرا بكين قبل 1911، وقد عرف عنه إجادته تجسيد شخصية «دان»، وهذا الاسم يشير إلى جميع النساء في الأوبرا، وبزيادة حرفين أو ثلاثة أحرف إليه تتحول دلالته ليعني إما «نساء مرحات» أو «نساء محترمات»، إلخ. واكتسب الأسلوب الأدائي ل «لانفانغ» سمعة واسعة خاصة وسط فناني الأوبرا وعرف باسمه، وتشير العديد من المصادر النقدية الصينية إلى أن «لانفانغ» الذي طغت سمعته في أرجاء البلاد وأقبلت الجماهير على عروضه التي تنقلت في معظم مدن أرياف الصين، نجح في إحداث تطويرات عدة على بنية الأوبرا، مطوراً شكلها ومضمونها، عبر الموسيقى والرقصات والزينة الأنثوية ومن خلال مقاربة موضوعات الحياة الصينية المعاصرة. وتعتبر رحلة لانفانغ إلى الولايات المتحدة سنة 1930 من الأحداث المهمة في مسيرته المهنية، حيث قدم «أوبرا بكين» في برودواي بنيويورك والتقى شارلي شابلن (1889 1977) ورافق دوغلاس فيربانكس (1920–1936) وماري بيكفورد (1892 1979)، وحظي باهتمام من الصحافة الثقافية هناك وامتد إشعاعه كمثال على المسرح الصيني في مختلف أنحاء العالم، وبعد خمس سنوات من رحلته إلى أميركا زار لانفانغ الاتحاد السوفييتي وخلف أصداء واسعة هناك بعروضه، ولكن الانتقالة الأولى والرائدة لأوبرا بكين إلى الخارج كانت بقيادة لانفانغ إلى اليابان 1919، وعلى ذكر اليابان لا بد من الإشارة إلى واقعة جسر ماركو بلو 1937 حيث غزت القوات اليابانية الصين وكانت تلك الحادثة بمثابة بداية لمعارك عدة لاحقة بين البلدين، وقد تأثر لانفانغ بهذه الواقعة تأثراً بالغاً، وعبر عن سخطه باعتزال التمثيل وعمد إلى تغيير ملامح وجهه إذ صار بشارب حتى لا يضطر بأمر من السلطات اليابانية إلى تمثيل دور «دان»، الذي اشتهر به، هو الرمز الثقافي الصيني، وحين دعته السلطات اليابانية إلى مقابلة لتنصيبه في موقع رسمي عمد إلى التظاهر بالمرض وعدم القدرة على الحركة، فعاد الوفد المرسل إليه من دون أخذه. وعقب انتهاء الحرب، ما بعد 1945، اجتهد لانفانغ، الذي استمر لنصف قرن في مشواره الإبداعي، في دعم فرق الأوبرا، التي لم تكن تمنح أي شكل من أشكال الدعم الرسمي، من ماله الخاص حيث باع بعض أملاكه لأجل هذا الهدف. وبعد سنين طويلة، وبفضل جهود ومثابرة لانفانغ واجتهادات رفاقه في فرق الأوبرا، اعترفت الدولة بهذا الفن الشعبي وعمدت إلى رعايته ودعمه بوصفه من علامات الصين الثقافية والحضارية. بعد رحيل لانفانغ ورث واحد فقط من أولاده التسعة مهنته بشكل بارز، وهو مي باو جيو الذي طور مدرسته التمثيلية ووسع نطاق صداها قبل أن يرحل هو الآخر سنة 2016 بعد يوم واحد من احتفاله ببلوغه 82 سنة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©