الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تساو يو.. شكسبير المسرح الصيني

تساو يو.. شكسبير المسرح الصيني
18 يوليو 2018 19:55
يحتل الكاتب المسرحي الصيني تساو يو (1940 - 1966) أهمية كبيرة في المشهد المسرحي الصيني، نظراً لجهوده النوعية في تطوير هذا الحقل الثقافي المهم، والأساسي. فعلاوة على جهوده الأكاديمية في التعريف بالمسرح الصيني، ساهم بشكل مباشر في تطوير الكتابة المسرحية في بلاده شكلاً ومضموناً، كما تمكن من زحزحة الذوق التقليدي ليقبل الحداثة المسرحية ومعطياتها المختلفة. يعرف تساو يو (1910 ـ 1996)، في الوسط المسرحي العربي أكثر من أي كاتب مسرحي صيني آخر، فلقد ترجمت نصوصه في معظمها إلى العربية، بداية بمسرحيته التي تعد فاتحة مشواره في الكتابة المسرحية «العاصفة الرعدية/‏‏ عاصفة الرعد- 1933» ونقلها إلى لغة الضاد أحمد مصطفى النمر، وصدرت ضمن سلسلة المسرح العالمي الكويتية سنة 1970، وثمة مسرحية «شروق/‏‏ طلوع الشمس- 1936» التي ترجمها عبد العزيز حمدي عبر سلسلة المسرح العالمي الكويتية سنة 1986، كما أصدرت له وزارة الثقافة السورية مسرحية « أهل بكين- 1940» بترجمة فؤاد حسن. أما آخر نصوصه المسرحية المترجمة إلى العربية فنشرتها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث (كلمة) سنة 2012 تحت عنوان «البرية» للمترجم ذاته. ويمكن تفسير هذا الحضور الملحوظ للكاتب المسرحي الصيني، الذي يلقب بـ«شكسبير الشرق»، في المكتبة العربية بوصفه صدى لاحتفاء المشهد المسرحي الغربي بإبداعه الدرامي، إذ ترجمت ستة من نصوصه على الأقل إلى الانجليزية ووجدت أصداء عالية، كما كان لإقامته مدة عام في الولايات المتحدة أواخر أربعينيات القرن الماضي كبير الأثر في أن يُعرف ويتعرف على نطاق واسع من الحركة المسرحية الأميركية والغربية؛ فلقد تركزت مهمته في تلك الرحلة على تقديم محاضرات حول المسرح الصيني خُصصت لطلاب الجامعات، أما في فرنسا فلقد ترجمت نصوصه بصفة أقل، ولكنه مُنح هناك وسام الشرف 1987.   فضل السياسة كان تساو يو مسرحياً أكاديمياً، وكانت دراسته الجامعية مدخله إلى التراث المسرحي العالمي، خاصة الغربي؛ فبعدما أنهى دراسته الثانوية في مدينة نانكاي (1920 ـ 1924) بدأ دراسة العلوم السياسية في جامعة المدينة ذاتها، إلا أنه ما لبث أن انتقل في السنة التالية إلى جامعة تسنغ- هوا، لدراسة اللغات والآداب الغربية، ملبياً رغبته الشخصية. وأتاح له هذا التخصص تعلم اللغتين الروسية والانجليزية وقراءة الإبداع الغربي الكلاسيكي والمعاصر. ومن هنا، تعمقت معارفه في المسرح الغربي الذي تعرف عليه أول مرة حين كان طالباً في ثانوية نانكاي التي كانت تتيح لطلابها تمثيل النصوص المسرحية الغربية المترجمة إلى اللغة الصينية، وبحسب بعض المصادر، فإن تساو يو شارك كممثل مرة، وجسد دور «نورا» في مسرحية «بيت الدمية» لهنريك ابسن، كما أنه شارك في المرحلة الثانوية في ترجمة مسرحية «صراع ـ 1909» للكاتب البريطاني الحائزة على جائزة نوبل جون جلزورثي (1867- 1933).     وقبل تخرجه، كتب تساو يو أولى أعماله المسرحية «العاصفة الرعدية» التي اعتبرت نقطة تحول صوب الدراما الحديثة في الأدب المسرحي الصيني. وفي ذلك الوقت، أي مطالع ثلاثينيات القرن الماضي كان المشهد الثقافي الصيني قد بدأ يتعرف إلى لون مسرحي جديد، مغاير لفنون العرض الشعبية التي كانت سائدة لوقت ليس بالقصير وفي مقدمها «الأوبرا»، والتي كانت ترتكز على الموسيقا والغناء والأزياء الشعبية والاستعراضات. بدأ بروز هذا الشكل المسرحي الجديد الذي عُرف بـ«المسرح الحواري أو مسرح الكلمة» عبر ثلة من الطلاب الصينيين الذين التحقوا بالجامعات اليابانية للدراسة في العقد الأول من القرن العشرين. ولما كانت اليابان أسبق الدول الآسيوية ارتباطاً بالحداثة الغربية في ذلك الوقت كان يشار إليها باعتبارها «غرب الشرق». في سنة 1911 قدمت مجموعة من الطلاب الصينيين المبتعثين إلى اليابان مسرحية معدة عن رواية «كوخ العم توم»، وفق التقاليد الغربية، واعتبرت تلك المسرحية فاتحة لهذا التيار المسرحي الصاعد خاصة بين الطليعة المتعلمة في الصين، بيد أن هذا التيار وجد صعوبة في الانتشار بين الجمهور المحلي الذي كان مشبعاً ومؤمناً بالدراما الشعبية الراسخة (الأوبرا) وبأنماط أخرى من فنون الأداء المرحة. ومع ظهور أولى كتابات تساو يو بدا كأن هذا المشكل يمكن تخطيه، إذ وجد الجمهور الصيني في نصوص تساو يو، المحبوكة والمعقدة درامياً، شيئاً جديداً لم يعهده وراح يتتبعه. حياة درامية  عاش تساو يو طفولته في أجواء مكتئبة فهو لم ير أمه التي رحلت بعد أيام من ولادته، وكان بيت والده الأرستقراطي كبيراً وموحشاً، ويرجح أن ذلك أثر سلبياً في نفسية الكاتب الذي كبر في كنف زوجة والده ومربيته. ومع تقدمه في العمر كان يلاحظ الفروق الطبقية الحادة في المجتمع الصيني في تلك المرحلة وكيف أن المعاملة بين الناس مشروطة على مسافاتهم من الغنى أو الفقر، وحين بدأ في الكتابة مزج تساو يو هذه الأجواء التي عاشها بما عمر ذاكرته من  قراءات في التراث اليوناني والروماني وما تعرف عليه من أشكال الكتابة الدرامية الغربية الحديثة أثناء دراسته الجامعية، وقدم نصه الأول «العاصفة الرعدية» متناولاً قصة زوج وزوجته افترقا نتيجة الفقر وخلال ثلاثة عقود من الزمن افلح الزوج، نتيجة لاستشراء الفساد في المجتمع الإقطاعي، في تغيير مصيره وصار من الأثرياء وتزوج امرأة أخرى، فيما زاد فقر زوجته الأولى فقراً. وحين تحتاج أسرة الأب الثرية إلى خادمة، يقع اختيارها على بنت يتضح لاحقاً مع التقدم في قراءة النص أنها ابنة المرأة الفقيرة، أي زوجة والد الأسرة الغنية!.. وتتعقد المسائل أكثر حين يرتبط أحد أبناء الأب من زوجته الثانية عاطفياً بالخادمة التي هي ابنة الأب من زوجته الأولى، ويمضي ارتباطهما إلى أطوار بعيدة نتيجة جهلهما بصلة القرابة بينهما. ثورة مسرحية   أحدث تساو يو ثورة في الذاكرة الفنية الصينية؛ فهو طوّر المسرح من ناحيتي المضمون والشكل، سواء من خلال ما تطرق إليه من موضوعات لم يكن شائعاً تناولها كالجنس والوراثة والفقر، أو عبر اعتماده على أسلوب درامي يتداخل فيها نمط التأليف الإغريقي بالتطويرات التي أحدثها كتّاب مثل: هنريك ابسن وانطوان تشيخوف وسواهما، ولقد استخدم تقنيات الحوار والفلاش باك والمونولوج  وتصميم المنظر المسرحي وغيرها من التقنيات غير المعهودة آنذاك في المسرح الصيني.    وتشير بعض المصادر إلى أن تأثر تساو يو بالثقافة الغربية لم يقف عند حد اعتماد تقنيات التأليف الشكلية ولكن أيضاً من خلال استلهام الأساطير الغربية /‏‏ الإغريقية والرومانية على وجه الخصوص، خاصة في مسرحيته «العاصفة الرعدية» التي تذكرنا، من خلال وقائعها العائلية المفجعة، بمسرحية «أوديب الملك» للكاتب اليوناني سوفوكليس، كما توحي بمسرحية «الأشباح» للكاتب الإيرلندي هنريك أبسن التي كتبها 1881. وتأثرت الحياة المهنية لتساو يو بالتقلبات التي عرفها المشهد السياسي في بلده، ابتداء من الحرب اليابانية الصينية الثانية (1937 ـ 1945) وصولاً إلى «الثورة الثقافية» 1966، وما بعدها.    كُتبت العديد من الأبحاث والدراسات حول التجربة المسرحية لتساو يو الذي رحل 1996 كما تم إخراج بعض مسرحياته سينمائياً. أما بيته في مدينة تيانجين، التي انتقل إليه صغيراً من مقاطعة هوبي، فلقد بات متحفاً ثقافياً يعرض أعماله وصوره والمحطات البارزة في حياته. المجدّد أحدث ثورة في المسرح الصيني على صعيدي الشكل والمضمون؛ سواء من خلال ما تطرق إليه من موضوعات لم يكن شائعاً تناولها كالجنس والوراثة والفقر، أو عبر اعتماده على أسلوب درامي يتداخل فيه نمط التأليف الإغريقي بالتطويرات التي أحدثها كتّاب مثل هنريك ابسن وانطوان تشيخوف وسواهما، ولقد استخدم تقنيات الحوار والفلاش باك والمونولوج، وتصميم المنظر المسرحي وغيرها من التقنيات غير المعهودة آنذاك في المسرح الصيني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©