الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفيلسوفة الفرنسية آن شنغ: «الصين الجميلة».. غائبة

الفيلسوفة الفرنسية آن شنغ: «الصين الجميلة».. غائبة
18 يوليو 2018 19:50
فرانسوا غوفان ترجمة : أحمد عثمان آن شنغ، فيلسوفة فرنسية وبروفيسور بالكوليج دو فرانس، تجاهد في عرض وتبيان الأفكار الصينية بصورة دقيقة، وبأكثر من لغة. فلسفة، حكمة، ممارسة، دين، طب الجسد والروح، ما هو الفكر الصيني بالضبط؟ منذ وطأت أقدام الآباء اليسوعيين الصين، يلاحق هذا السؤال أوروبا. وهو ما عملت على إيضاحه آن شنغ، المتخصصة في كونفوشيوس ومؤلفة الكتاب المرجعي المهم: «تاريخ الفكر الصيني» المترجم إلى كثير من اللغات. لا تحب ابنة فرانسوا شنغ، عضو الأكاديمية الفرنسية، الأضواء، إلى حد أنها ترددت كثيراً في الانضمام إلى الكوليج دو فرانس. ولكن، أليس هو المنبر الأمثل للعمل على تعريف الفكر الصيني؟ وبالتالي، وافقت، ولكن في درسها الافتتاحي، شكرت أعضاء المجلس، وبدأت العمل من فورها مع أعضاء مجموعتها، فمعهم، كما قالت، يقوم هذا العقل المستقل بدور جماعي، ويفتح الباب أمام عمل الباحثين معاً لاكتشاف الصين بعيداً عن الأفكار الرائجة. * كيف تعرفين علاقتك بالصين؟ ** علاقة معقدة. ولطالما أثار هذا التعقيد إعجابي! أسعى بطريقة بسيطة نوعاً ما إلى عرض الصين بطريقة سلسة، بصيغ واضحة. هذا التبسيط، الذي لا أخفيه، مرتبط بصورة مبهمة بحياتي الشخصية. كنت حائرة بين تعليم بلا تاريخ (كما يقال) من الحضانة إلى مدرسة المعلمين العليا، ورحيل والدتي إلى الصين، بعد انفصالها عن أبي، الذي أصبح فيما بعد الشخصية اللامعة فرانسوا شنغ. هناك، وقعت في براثن الثورة الثقافية التي بدأت وقتذاك. كنت صغيرة، وكان هذا الانفصال، من دون إمكانية رؤيتها ثانية، مؤلماً. عملت على اجتيازه بتأسيس نفسي ثقافياً. وهكذا، عشت حياتي بين تكويني في المدرسة الجمهورية وهذا الارتباط العضوي بالصين. وليس من قبيل المصادفة زواجي من صيني قادم من نفس مدينة أمي، شنغهاي. تأهيل التاريخ * مع ماو، أطاحت الثورة الثقافية بالتقليد الصيني، وأيضاً بكونفوشيوس. ولكن اليوم، عمل الحزب الشيوعي منه نجماً... ** الصين الشعبية تبحث عن إعادة تأهيل تاريخها الثقافي، وأمام العديد من المباني الرسمية، المتاحف، الجامعات، سوف ترى تمثالاً لكونفوشيوس. مؤخراً، نصبت السلطات تمثالا له في ميدان تيانمين في بكين. غير أنه اختفى بطريقة غامضة بعد فترة وجيزة. * ولكن كيف تفسرين هذا الاهتمام المفاجئ؟ ** إنه آخر المطاف لمسيرة ثأرية من الغرب. الصين الشعبية، التي أصبحت قوة اقتصادية عظمى، تريد أن تبين أن تقاليدها الثقافية تضارع مثيلتها الغربية. * يهتم الغرب أيضاً بهذا الحكيم العجوز الذي لا يزال حياً منذ ما يقرب الألفي عام.. لماذا؟ ** ما الذي يمكن قوله اليوم عن كونفوشيوس. هو ذا بالضبط موضوع أدركته خلال السنوات الأخيرة من عملي في الكوليج دو فرانس. اليوم، الباحثون نقاد متطرفون لنص «محاورات» كونفوشيوس، على وجه التحديد. في العقود الأخيرة، تم العثور في قبور قديمة على سلسلة من المقاطع التي تنتمي إلى نص «المحاورات» ولكن من دون ارتباط واضح بمدرسة كونفوشيوس. وهو ما يعارض فكرة أن النص المحرر يرجع إلى مؤلف واحد أو حتى يحمل نفس أفكار كونفوشيوس. هذه الاكتشافات الحديثة منحت الفرصة لازدهار الأعمال والأبحاث. معادل الأناجيل * كما الكتاب المقدس، مكون من فصول متتابعة، فقرات مجمعة... ** في الواقع، كل شيء يمضي كما جرى مع النصوص الكتابية. والكل يسعى استدلالياً إلى التواصل والتجانس. الدراسات حول «المحاورات» تبين أن هذا النص، كما النصوص الأخرى الراجعة إلى العصور الصينية القديمة، مجمعة من وحدات متغيرة. ولهذا، التوازي بين الكتاب المقدس والمحاورات خداع. * لماذا؟ ** دوما، عرض كتاب «المحاورات» كمعادل صيني لأناجيل الغرب المسيحي. ولكن على عكس الأخيرة، لم تحز المحاورات، في التقليد الصيني، على مكانة بارزة إلا مؤخراً، نحو القرنين الثاني عشر والثالث عشر. وإذا أردنا الحفاظ على التوازي مع الأناجيل، من الممكن القول إن المحاورات تؤسس منجماً من التعبيرات المماثلة التي تسللت إلى اللغة الصينية. وهنا يتوقف التوازي. * ومع ذلك، أوائل الآباء اليسوعيين الذين قدموا إلى الصين عملوا من فورهم على دراسة كونفوشيوس، الذي تبدى في نظرهم مسيحياً إلى حد ما... ألا يتأتى الهوى الأوروبي لهذا الحكيم الصيني من هنا؟ ** هذا هو ما يسمى ببواكير عولمة كونفوشيوس. من خلال الآباء اليسوعيين في القرنين السابع عشر والثامن عشر، اكتشفت النخب الأوروبية عالماً مثالياً. تحت تأثيره، ساهم فولتير بقوة في نشر هذه الرؤية الخيالية عن الصين. بالنسبة له، حضارة نجحت في المرور من العقيدة، أو على الأقل من كل ما يمكن أن تقوم العقيدة به. العبادة الكونفوشيوسية، من وجهة نظره، عقيدة مدنية، عقلانية، ومتجردة من كل ما هو وهمي. كانت لديه رؤية زائفة، ولكن في آخر الأمر، كانت فكرة عن الصين المستنيرة مماثلة لتلك عن أوروبا الأنوار. * بعد الهوى، الكف عن الهوى...! ** كان يكفي مرور بعض من العقود حتى تنقلب هذه الرؤية المثالية كليا رأسا على عقب، بين نهاية الفرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. عملت أوروبا على تأسيس معرفة علمية وجامعية، وبحثت على توسيع قاعدتها الفلسفية بدلا من الاعتماد على الفلسفة اليونانية وحدها، وبذا انفتحت على الصين. حل الهوى الصيني محل الفوبيا الصينية بصورة ملحوظة. عصر ذاك، كان ينظر إلى الصين كدولة طفولية أو متخلفة. في منتصف القرن التاسع عشر، قام مؤلفون بشرح أن بنى اللغة الصينية نفسها تجعل الفكر الصيني عاجزاً. بما أن اللغة الصينية ليست لغة إعرابية، تم استنتاج: لا إعراب، بالتالي، لا تأمل. ألخص هنا بصورة كبيرة... * ربما يفسر هذا كون المفكرين الصينيين اللاحقين للعصور القديمة غير معروفين في أوروبا؟ ** في جزء ما. حدث أن النصوص الكونفوشيوسية هي الأولى التي ترجمها الآباء اليسوعيون. ثم، «كتاب التغيرات» و «لاو تسي» الذين جذبا اهتمام أوروبا بدءا من عصر الأنوار. هيغل، مثلا، اهتم بمفهوم «داو» (الطريق)، في كتاب «لا وتسي»، ساعيا إلى إيجاد (الخير)، شيء من معادل مفهوم العقل. المشكلة الحقيقية، أنه بعد قرنين من الزمان، لم نزل عند نفس النقطة. نجد دوما الخيل الرابح، كما أقول، في المطبوعات الشائعة. في كل مرة، يتم دعوتي فيها للكلام من قبل الصحافيين، يدور هذا للكلام عن نفس النصوص... ولكن أسعى إلى تدارك الوضعية. * كيف؟ ** مع مارك كالينوفسكي، مدير الدراسات بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا، قمت بالأشراف على سلسلة جديدة تصدر عن «البل ليتر»: «المكتبة الصينية». إنها المعادل الدقيق لسلسلة «بوديه» الشهيرة، وسوف تصدر بلغتين ومزودة بالشروح. ولكن بدلا من القراءة من اليونانية أو اللاتينية (أفلاطون أو شيشرون)، لديك الترجمة الفرنسية لنص مكتوب بالصينية الكلاسيكية. على إيقاع أربعة كتب خلال العام، أصدرت السلسلة ما يقرب العشرة كتب. تسمح للنصوص المكتوبة بالصينية الكلاسيكية بالدخول إلى الإنسانية الأوروبية، وتمكن الإنسان من رؤية، بصورة مادية، ما يعرضه النص الصيني. حتى مع عدم إمكانية القراءة، من الممكن مثلا ملاحظة الإيجاز والدقة الكاملة للشعر الصيني. قصيدة تستدعي زهور اللوتس الجميلة، مقروءة بترجمة بسيطة، من الممكن أن تتبدى غثة، ولكن مع هذه السلسلة، يستطيع القارئ اكتشاف الجمال الشكلي للنص الصيني. * من هم الكتاب الذين سوف يظهرون في هذه السلسلة؟ ** هناك مثلا معادل توما الاكويني، «تشو تشي» (1130-1200)، عملاق الفكر الصيني الذي كان له تأثير عظيم ليس فقط في الصين وأنما تعداه إلى كوريا، اليابان، فيتنام... بدأنا بمراسلات دارت بينه وبين أحد معاصريه. وهذا سمح، من بين أشياء أخرى، للقراء تجاوز الادعاء القائل بأن الصينيين لم يعرفوا فن «النقاش»، اذ أنهم لم يتوفروا على معادل المدينة اليونانية وساحتها (الأغورا)، الخ... الصين الأخرى * تكرهين الرواسم... ما هي الرواسم الشائعة اليوم؟ ** حينما تبحث عن كتب ذات جمهور عريض، سوف تجد كتباً مكرسة عن النجاح الاقتصادي للصين، عن أثريائه الجدد أو مدنها الكبرى. أو تجد أمام الأرفف «الروحية»، كتبا عن البوذية (مع الابتسامة الضرورية للدلاي لاما في مقدمة الجندول) وعن التاوية. لقد اختلط الحابل بالنابل؛ كتب جادة وكتب عصور وسطى عن ثقافة الجسد، «البيو»، الرفاهية... ولا كلام عن كل ما يتعلق بما أسميه «الصين الجميلة»: الفن، الكاليغراف، رسوم العصافير، جمالية الخيرزان. * الغرائبية كانت إلى هذا الحد... ** هذا ليس بجديد. هناك طلب حقيقي من الجمهور لاكتشاف صين «أخرى»، مأهولة بصينيين غيرنا، لا يكتبون ولا يفكرون مثلنا. بعض مثقفينا يطالب من ناحية أخرى بمنهجية «مقارنة»، تقوم على إدراك الصين كما الآخر الكبير للغرب – هذا المصطلح الأخير يظل هو الآخر مبهما، يمنح نظرة مزدوجة توافقية، نقيض «ناعم» لما أسماه المفكر الأميركي صمويل هانتنتغون «صدام الحضارات». تلك طريقة للبقاء في محيط المعارضة بين الغرب والشرق، الموروثة من هوى الصينيات في عصر الأنوار والفوبيا الصينية في القرن التاسع عشر الأوروبي. * ولماذا كانت المقارنة مدانة؟ ** أجيب من وجهة نظر المدرسة. المقاربة المقارنة تثير شغف الطلاب الذين درسوا الكلاسيكيات اليونانية أو اللاتينية، مثلي تماماً. أفهم أنه يثير شغفهم. المشكلة، هؤلاء الطلاب الذين بدأوا الدراسة في هذا المجال البحثي يريدون البدء بالمقارنة، مثلا، بين لاو تسي وبارمنيدس، أو بين لاو تسي و هايدغر. ولكن قبل البدء بالمقارنة، من الضروري أن يتمكنوا من اللغة الصينية الكلاسيكية، قراءة النصوص، وهو ليس بالعمل اليسير. طلاب مبتدؤون انقذفوا في مشروع مقارن سوف ينتجون حتما مقارنات مزدوجة: في الصين، لدينا هذا، في الغرب، لدينا ذاك... دوما، تكون المحصلة متباينة وتماثلية.. ومع ذلك، محصلة مُرضية للعقل، بالأخص عندما تسمح بتأثير المرآة، الانعكاس النرجسي. وهكذا، تستطيع الصين استعادة صيغة ناجحة، تساهم في العودة إلى اليونان... لست معارضة للمقارنة، ولكن لا يمكن إلا أن تكون نقطة وصول وليس نقطة انطلاق. * بالنسبة لك، هل الفكر الصيني فلسفة أم لا؟ ** بالنسبة لي، السؤال مفتوح. ولكن سوف أطرح سؤالا آخر عليك: لماذا الوقوف دوماً حول هذا الموضوع؟ هل لهذا السؤال معنى. هو ذا السؤال الحقيقي من وجهة نظري. * ولكن منذ سقراط، اجتهدت الفلسفة في تعريف الأشياء: ما هو العدل، الواقع، الفكر؟ هل من الصحيح أن الفكر الصيني يمنح شيئاً ضئيلاً من الأهمية لهذه الأشياء؟ ** إذا كانت الفلسفة تتبدى من خلال العمل على تعريف المفاهيم، فإن الحوار يكون منتهياً ولا وجود لفلسفة صينية. لكن، هناك تيارات فلسفية معاصرة لا تطابق هذا التعريف للفلسفة. هل يمكن النظر إلى أن جزءا من التيولوجيا القروسطية هي وريثة الفلسفة «الغربية»؟ ألا تمثل أيضاً جزءاً من تاريخ الفلسفة الأوروبية؟ إذا كان الحال كذلك، أعتقد أن التقليد الفكري الصيني ينظر إليه على اعتبار كونه فلسفة. إذن، هذا هو الخيار: سواء تناولنا تعريفاً ضيقاً للغاية، وفي هذه الحالة يكون الفكر الصيني مستبعد قبليا، أو قبلنا تعريفا أكثر رحابة، وبالتالي يظل سؤال الفلسفة مفتوحاً – ولكن أليس هذا حال الفلسفة؟ * ما الذي يمكن أن يجلبه الفكر الصيني إلى الغربي؟ ** إذا حاولت مقاسمة هواي بالنصوص الصينية، أجد أن لدى المفكرين الصينيين ما يريدون قوله لنا. بداية، من خلال الطريقة التي يدركون بها الإنسانية، الكون، والبيئة. طريقة الإنسان الذي يحيا مع أشباهه في عالم ومجتمع معينين، ولكن أيضا، وهذا هو الجوهري من وجهة نظري، من خلال نمط التعبير ذاته. مع طلابي، حتى الذين يعرفون القليل، بل ولا شيء عن اللغة الصينية، أعمل على النصوص الأصلية من دون الاكتفاء بالترجمة. بالنسبة لي، نمط التعبير وشكله جزءاً متمماً لأهمية النصوص الصينية وجمالها. إلى الإنسانية الأوروبية مع مارك كالينوفسكي، مدير الدراسات بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا، قمت بالإشراف على سلسلة جديدة تصدر عن «البل ليتر»: «المكتبة الصينية». إنها المعادل الدقيق لسلسلة «بوديه» الشهيرة، وسوف تصدر بلغتين ومزودة بالشروح. ولكن بدلا من القراءة من اليونانية أو اللاتينية (أفلاطون أو شيشرون)، لديك الترجمة الفرنسية لنص مكتوب بالصينية الكلاسيكية. وهي تسمح للنصوص المكتوبة بالصينية الكلاسيكية بالدخول إلى الإنسانية الأوروبية، وتمكن الإنسان من رؤية، بصورة مادية، ما يعرضه النص الصيني. رؤية زائفة من خلال الآباء اليسوعيين في القرنين السابع عشر والثامن عشر، اكتشفت النخب الأوروبية عالمًا مثالياً. تحت تأثيره، ساهم فولتير بقوة في نشر هذه الرؤية الخيالية عن الصين. بالنسبة له، حضارة نجحت في المرور من العقيدة، أو على الأقل من كل ما يمكن أن تقوم العقيدة به. العبادة الكونفوشيوسية، من وجهة نظره، عقيدة مدنية، عقلانية، ومتجردة من كل ما هو وهمي. كانت لديه رؤية زائفة، ولكن في آخر الأمر، كانت فكرة عن الصين المستنيرة مماثلة لتلك الفكرة عن أوروبا الأنوار. .................................. François Gauvin، Entretien avec Anne Cheng، Le point، 05/‏05/‏2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©