السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام والصين علاقات برائحة المِسكْ

الإسلام والصين علاقات برائحة المِسكْ
18 يوليو 2018 19:45
أبدى الإسلام في الصين قدرةً هائلةً على التعايش مع نمطين حضاريين، أحدهما بائد والآخر سائد. تمثّلا في نمط إمبراطورية التفويض السماوي ونمط جمهورية الصين الحديثة. ففي التاريخ السالف احتضن النمطُ الكنفوشيوسي الإسلامَ المبكّر وتآلف معه على مدى قرون. وفي التاريخ المعاصر عبّرت جمهورية الصين الشعبية عن احتضان بارز للإسلام، غالباً ما طمسته الدعاية المناوِئة للاشتراكية والصين الحديثة. فقد عَدّت الثورة الصينية المسلمين مكوَّناً إثنياً رئيساً من مكونات المجتمع الصيني. ورأت جمهورية الصين الشعبية، ذات الخلفية الاشتراكية، في مبدأ العدل المتأصّل في الإسلام سنداً داعماً للمجتمع الاشتراكي المنشود. ترِد كلمة إسلام في اللغة الصينية «يِسِيلانْجاو»، وهو اسم مركّب من مفردتيْ «إسلام» العربية و«جاو» الصينية التي تعني الدين. وانطلاقاً من حقبة يوان تقريباً (1279-1368م)، أضحى المقابلُ الرائج للإسلام في النصوص الكلاسيكية «كينغزينجاو»، وترجمته «دين الحق والصفاء». في الواقع شملت تسمية «كينغزين» اليهوديةَ أيضاً، وما كانت حكراً على الإسلام. تُثبت ذلك نقيشة عُثر عليها في مصلّى يهودي في كايفينغ تعود إلى عام 1489م. وفي حقبة مينغ فقط أضحت كلمة «كينغزين» تشير إلى دين الإسلام حصراً، و«كينغزينسي» إلى مصلّى المسلمين. والشهادة الأكثر قدماً مستوحاة من نقيشة من دونغسي (مسجد الشرق) في بكين، ويعود تاريخها إلى عام 1447. مرج البحرين يلتقيان ثمة تساؤل حول بدايات الإسلام في الصين ما زال محلّ تدقيقٍ وتثبّتٍ في أوساط علماء الصينيات. ففي الرواية الشائعة يُعتبر سعد بن أبي وقاص أول سفراء الإسلام إلى برّ الصين، أو كما يُطلق على ذلك الفضاء المترامي في تلك العهود «إمبراطورية التفويض السماوي». فقد حلّ الصحابي الجليل بشنغان (كسيان الحالية) سنة 628م بدعوة من الإمبراطور تايزونغ. وكما يروي مؤلف «هويهوي يووانلاي»، الذي يعود تأليفه إلى القرن الرابع عشر الميلادي، كان المجيء بقصد تأويل رؤيا رآها إمبراطور الصين بشأن رجل صادِق (النبي محمد) هلَّ نوره من المغرب، أي من جزيرة العرب. ليكون سعد بن أبي وقاص أوّل مسلم تطأ قدماه أرض الصين. ينتصب إلى اليوم في كانتون معلَمٌ يُنسب إلى الصحابي المذكور، حيث يقوم مسجد هوايشينغ الذي تُعدّ صومعته من أقدم المعالم الإسلامية في الصين، يتمازج في المبنى الطراز الفني الإسلامي بالطابع العمراني الكنفوشيوسي-التاوي. ومما تورده حوليات أسرة تانغشو (سنة 651م)، وهي السنة الثانية لحقبة يونغهوي (650-656م)، أن بلاط إمبراطور الصين حلّ عليه وفدٌ من الخليفة عثمان بن عفان، الوارد ذكره تحت مسمى «هانمي موموني»، بما يرادف «أمير المؤمنين». تكفّلت تلك البعثة بمهمّة دبلوماسية سياسية تحديداً، تمثّلت في السعي لإقناع كوزوانغزوغ بعدم معاضدة الأسرة الساسانية (224-641)، التي بدأت تترنّح تحت وقع الغارات الإسلامية المتصاعدة. كما التمستْ تلك البعثة من إمبراطور الصين التحالفَ ضد بيزنطة لصدّ تمدّدها في آسيا الوسطى. هذا وتورد «حوليات تانغ» أن أُولى السفارات الإسلامية الرسمية قد أُرسلت من قِبل قتيبة بن مسلم الباهلي سنة 713م، والتي أبى فيها السفير المسلم أداء «الكوتو» (الانحناء التقليدي) للإمبراطور زوان زونغ. جاء ذلك الاتصال السفاري في العهد الأموي، في أعقاب اقتحام القوات الفاتحة بقيادة قتيبة وللمرة الأولى ترانسوكسانيا (بلاد ما وراء نهر جيحون). وفي أقلّ من عقد تيسّر للمسلمين ضمّ بخارى وسمرقند، أبرز الحواضر على طريق الحرير، تحت سلطان الدولة الإسلامية. وبحسب رواية الطبري بلغ قتيبة كاشغر، خلال عام 715م، وهي إحدى أهمّ حواضر تركستان الصينية. لتشهد العلاقات الصينية الإسلامية بعدها هدوءا إلى غاية عام 751م، التاريخ الذي مُنِيت فيه قوات القائد الصيني كاو كسيانزي بهزيمة نكراء في معركة نهر طلس على يد القائد زياد بن صالح. شكّل ذلك الحدث إنهاءً لهيمنة الصين وبدءاً لاختراق النفوذ الإسلامي آسيا الوسطى، والحادثة معروفة في التاريخ بأسْرِ كوكبة من صنّاع الورق الصينيين ممن استفاد المسلمون من خبراتهم الحِرفية. استطاع المسلمون على إثرها أن ينهوا احتكار الصين صنْع الورق ويشيعوا تلك الصنعة في أرجاء العالم. كان من بين الأسرى خبيرُ صناعة الكاغد دو يوهان الذي بقي أسيراً إلى عام 762. في مذكرات «جينغكسينغ» (يوميات رحلة)، كان دو يوهان أول صيني يقدّم وصفاً مبكراً لدار الإسلام التي أطلق عليها اسم «داشي فا» أي «دار شريعة العرب»، و«داشي» هي مفردة دخيلة على اللغة الصينية وردت من فارسية الطاجيك، يقول في وصفه: «هم لا يتناولون في مأكلهم لحوم الخنزير والكلب والحمار والخيل، ولا يعبدون الملوك ولا السادة، ولا يعتقدون في القوى الخارقة، ولا يقدّمون الأضاحي إلا لله. وبحسب عوائدهم، اليوم السابع هو يوم عيد، وبالتالي لا يتعاطون فيه التجارة». في أواخر القرن الثامن الميلادي توطّدت العلاقات التجارية مع الصين، خصوصاً إبان فترة الخلافة العباسية، وعلى خلاف الأمويين أوْلى العباسيون التبادل التجاري أهميةً، حيث تنامت حركة التجارة باتجاه بحر الصين الجنوبي، لجلب الحرير والتوابل والفخار نحو مدينة السلام بغداد، المعروفة في «يوميات تانغ» باسم «فودا». تواصل ثقافي تجلّى التواصل الثقافي، الصيني العربي، في نصّ مجهول المؤلف بعنوان: «كتاب غرائب الفنون وملح العيون» يعود إلى منتصف القرن الحادي عشر الميلادي، ضمّ تفاصيل خريطة الطريق الرابطة بين بلاد الفاطميين وأرض التبت وإلى غاية برّ الصين. وهي المسارات الحضارية ذاتها تقريباً التي يصف الأندلسي بنيامين الطليطلي (1130-1173) فيها «طريق المِسْك»، الرابطة بين المتوسّط والجزيرة العربية فالهند، مروراً بالتبت وإلى غاية الصين. وبوجه عام يمكن القول إن تجذر الإسلام في الصين قد تأكد مع مطلع القرن العاشر الميلادي، عقب اهتداء السلطان ستوق بغرا خان (920م) خاقان الإمبراطورية القراخانية إلى الإسلام. الإسلام في زمن الجمهورية تورد صحيفة «شانغيانغ» اليومية، بتاريخ الخامس من أغسطس 1949، وصايا للجيش الأحمر المتأهّب لدخول الشمال الغربي المأهول بأغلبية مسلمة لمراعاة السكان، لكن مراعاة المسلمين في الصين لم تبقَ عند حدود التعليمات الظرفية، بل استندت إلى نصوص قانونية ضبطت أوضاعهم في الصين الحديثة، أقرّتها تشريعات الجمهورية، وبُنيت على أساسها التركيبة الإثنية الجديدة للمجتمع الصيني. عمادها أربعة مقومات (اللغة والإقليم والاقتصاد والمخزون الثقافي)، وتعود في الأصل إلى قواعد عامة أرساها ستالين في كتاب «الماركسية والمسألة القومية» (1913). جرى بموجبها توزيع مكونات المجتمع الصيني إلى 54 إثنية معتمَدة من قِبل الدولة، أُلحقت بها إثنية إضافية سنة 1979، مع مكوَّن إثني غالب يضمّ السواد الأعظم من الصينيين يُعرف بالـ«هان»، ولا يزال هذا التقسيم «الإثني» نافذ المفعول وحاضراً على بطاقة الهوية الصينية. في خضمّ ذلك التنوع تدين عشرٌ من تلك الإثنيات بدين الإسلام: التتار، والأوزبيك، والبونان، والطاجيك، والسالار، والكيرغيز، والدونغسيانغ، والكازاكي، والإيغور، والهويزو. وفي الصين أقلية ضئيلة فحسب من «المسلمين المهتدين» (كسين مسيليم)، ممن لا ينطبق عليها التقسيم الإثني السائد. هذا وقد مرّت علاقة الجموع المسلمة بأغلبية الهان وبجهاز الدولة العام بتحولات، من «ضيوف أجانب» إلى «صينيين مسلمين». تبقى مقولة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ معبّرة في فهم سياسة الصين الحديثة تجاه الأديان: «حتى السماء ينبغي أن تكون صينية». فقد عكّرت الكنائس الغربية المتوثّبة للتبشير صفوَ الانسجام الذي ساد في الصين طوال قرون. ولا زالت كنيسة روما الكاثوليكية إلى اليوم تصرّ على تنصيب إكليروسها في الصين وهو ما ترفضه الأخيرة بشدّة. وعلى الرغم من دخول المسيحية إلى الصين، إلا أن الصينيين غالباً ما نظروا إليها كرديف تابع للقوى الغربية، وما أمْلته من اتفاقات غير متكافئة فُرضت على الصين في السابق، من ضمنها حزمة الامتيازات لصالح المبشّرين. فلا يزال المخيال الصيني يطفح بذكريات مريرة عن نزول الأوروبيين على شواطئ كانتون، حتى أطلقوا عليهم حينها مسمّيات مثل «شياطين ما وراء البحر»، و«البرابرة الأشرار»، و«البرابرة ذوو الشعر الأحمر». حضور متميّز تضمّ الصين في التاريخ الحالي ثلاثين ألف مسجد ومصلّى، يتميز جلّها بطابع عمراني صيني مع تأثيرات واردة من العمارة الإسلامية. ويبلغ عدد المسلمين فيها ثلاثين مليوناً، أي بنسبة 2 بالمئة، ويتوزعون على أقاليم الشمال الغربي (كسينجانغ ونيغسيا وغانسو وكينغاي)، وكذلك في يونّان، وفي هينان، وبشكل أقلّ في شانكسي، وهيباي، وشاندونغ. والملاحظ في هذا الحضور الإسلامي العريق، الممتدّ إلى عهد أسرة تانغ (618-960م)، أنه لم يمثّل على مدى عهود تهديداً للوئام الاجتماعي داخل الفضاء الإمبراطوري الصيني أو داخل النسيج الاجتماعي للصين الحديثة؛ ما جعل الإسلام ينعمُ بوضعٍ قانوني مميَّز.ثمة إقرارٌ في التصور السياسي الصيني أن تعاليم الإسلام السمحة لا تشكّل تهديداً أو خطراً على التوجهات الاستراتيجية للبلد، ما خلق نوعاً من الارتياح للمسلمين، وهو ما يتغاير كلّياً مع النظر للمسيحية بوصفها يد الغرب المتستّرة بالدين لاختراق الصين. لذلك نجد اعترافاً في السياسات الصينية وفي استراتيجيات البلد الخارجية، كما تبين الباحثة الإيطالية فرانشيسكا روزاتي في كتابها «الإسلام في الصين.. من البدايات إلى جمهورية الصين الشعبية» المنشور بروما خلال العام الفائت، أن مسلمي الصين هم أصحاب خُلق رفيع نابع من تراث عريق، وبوسعهم أن يكونوا عوناً وسنداً للصين الحديثة في ترسيخ نفوذ اقتصادي وسياسي في العالم الإسلامي وفي الشرق الأوسط، وهو ما تتطلّع إليه الصين بقوة في الراهن. لقد حاول الغرب التلاعب بورقة التنوع الديني والعرقي في الصين، لزعزعة هذه الكتلة الحضارية الوازنة في الشرق، مستغلا في ذلك التميّز المسلم في هذا البلد العريق، غير أن المسلمين غالباً ما أبدوا حذراً من مكر السياسات الغربية لكونها ظرفية وانتهازية ولا تعبّر عن نوايا صادقة. 10 إثنيات مسلمة تدين 10 إثنيات من بين 55 إثنية معتمَدة من قِبل الدولة الصينية بالإسلام هي: التتار، الأوزبيك، البونان، الطاجيك، السالار، القيرغيز، الدونغسيانغ، الكازاكي، الإيغور، والهويزو. وفي الصين أقلية ضئيلة فحسب من «المسلمين المهتدين» (كسين مسيليم)، ممن لا ينطبق عليها التقسيم الإثني السائد. هذا وقد مرّت علاقة الجموع المسلمة بأغلبية الهان وبجهاز الدولة العام بتحولات، من «ضيوف أجانب» إلى «صينيين مسلمين». وصايا للجيش الأحمر تورد صحيفة «شانغيانغ» اليومية، بتاريخ الخامس من أغسطس 1949، وصايا للجيش الأحمر المتأهّب لدخول الشمال الغربي المأهول بأغلبية مسلمة: «راعوا حرمة المساجد وحيّوا القائمين عليها. لا تدخلوا مصلّيات المسلمين بغلظة ولا تكتبوا شعارات فيها أو ترفعوا صوراً على جدرانها. وإذا ما استضافكم مسلمون في مساكنهم لا تتناولوا عندهم لحوم الخنزير أو البغال أو الخيل. واتركوا بينكم وبين بناتهم مسافة ولا تدخلوا بيت امرأة متزوجة. وإذا صادف أن مررتم أثناء أداء المسلمين صلواتهم فلا تثيروا شغباً. وحين تدخلوا بيت مسلم لا تحتسوا الخمر ولا تشربوا السجائر».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©