الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«قافلة».. الصوت في مواجهة مع كل شيء!

«قافلة».. الصوت في مواجهة مع كل شيء!
17 يوليو 2018 21:29
نوف الموسى (دبي) ما هو الصوت الذي يقودك، دون أن تدري إلى البحث عن الفضاءات الشاسعة المفتوحة، لإحداث مواجهة جذرية مع كل شيء؟ هو سؤالي الأوحد؛ طوال إنصاتي الهادئ جداً لتجربة 4 سيدات من الإمارات، من أصل 15 سيدة، قررن المشاركة في رحلات «قافلة» التي أسستها المصورة والرحالة البحرينية رشا يوسف، بعد أن زارت أكثر من 65 دولة حول العالم، متوصلةً إلى مصادر الطاقة اللانهائية لثقافة التجربة المعرفية والفنية بالتوازي مع المحاكاة العميقة للطبيعة. وسؤالي بأبعاده الجوهرية، يأتي استكمالاً لبحث مشروع «مجتمع» الثقافي، بإدارة الأديبة والكاتبة صالحة عبيد، حول إمكانية استشعار الالتقاء الوجودي بين الإنسان والمكان، والقدرة البديعة على تعزيز الحساسية الصافية نحو الحياة بتفاصيلها الدقيقة، قالتها الأديبة صالحة في الجلسة النقاشية بـ «كتّاب كافيه» وبعبارة صريحة: «أقصد حساسية الإنسان في الإمارات، في ظل المتغيرات والتطورات السريعة والتنموية للدولة، كيف يمكننا أن نعزز ملاحظته للمكان. المباني تأتي وتذهب، ولكن هناك مكونات أساسية في البيئة المحلية، مثل الساحل وبعض أنواع الشجر والصحراء الممتدة». رؤية الذات عندما تريد رؤية نفسك، فأنت تبحث عن مرآتك بدقة متناهية، تحتمل عشوائية اللحظة في معايشة المرآة، ولكنها قدرياً تتفاعل مع أفكارك ومشاعرك بحس رفيع، لذا فإن اختيار «كشمير»، كوجهة لرحلة «قافلة» الأخيرة، مدعاة للتأمل الروحي، خاصةً عندما تنتابك الدهشة في ما فعلنه الشابات، عند مواجهتهن لعاصفة قوية أثناء صعودهن إلى أعالي جبال كشمير، والاحتماء بالمراعي الخاصة لرعاة كشميريين، وتحديداً حضيرة ماشية، وصفتها خديجة محمد إحدى المشاركات، بلحظة القبول البديعة لكل شيء، اقتلعت الخيم من جذورها، من شدة الريح، إلا أن لجوئهن إلى «الزريبة» القريبة، أضفى شعوراً بالطمأنينة، أحسسن وقتها بمعنى التقارب مع بعضهن في الظروف الصعبة، ولم يهتممن ببيئة المكان المخصص للحيوانات، بل طاقة خدر انتابتهن من احتواء الرب لهن، أمدهن بشاعرية الامتنان للحياة. واهتمامي شخصياً بمشهد العاصفة الذي تحدثت عنه خديجة محمد، أثار لديّ ما تواجهه الذات، من خوف وقلق وألم دفين أو حتى «أنا» كبيرة أخفت بظلالها حقيقتنا، وأغوت العاصفة لتتجلى، ليطفوا على سطح الأعين كل الترهات والأوهام بشكل حيّ ورهيب. مشاركة الشاعرة إيمان محمد في الرحلة لافت؛ بحجم هدوئها الكبير عادةً، تعترف بأنها تمارس فعل الانطواء والمراقبة والتأمل المعجون بتحليل ذاتي، وما حدث في رحلة «كشمير»، قدم لها فضاءً غير اعتيادي، استشفت فيه أثر الثقافة الإسلامية المهيمنة على هذه الجغرافيا الفريدة. فالإسلام بالنسبة لإنسان المكان يمثل هوية، ما يطرح سؤالاً حول الهوية الخاصة بالفرد نفسه، مبينة أن هناك كاريزما مختلفة للشخص الذي يمشي في شارع كشمير عنه في المدن الأخرى، ما جعل الصورة النمطية للإنسان الهندي تتلاشى، بحضور تعاطف أكبر مع القضية الكشميرية، باعتبارها أحد الأقاليم المشتعلة التي تفتقد إلى إدارة فعلية تنقل أُناسها إلى مرحلة مغايرة من البحث والتكشف. واعترفت إيمان وقتها بأنها لم تذهب للرحلة كشاعرة أو مبدعة، سعياً إلى تتويج مشروع إبداعي، وإنما هو إدراك واع من قبلها لمشاركة الآخر، عبر تجرية إنسانية متكاملة. متغيرات المكان حضور الشقيقتين عبير وعُلا اللوز، في الأمسية المسكونة بحب الجبل، كان لطيفاً بكمية المتغيرات التي مرا بها إبان مشاركتهما برحلة «قافلة» إلى «كشمير»، أتذكر جيداً كيف عبرت عبير عن اكتشافها لنفسها أثناء صعودها للجبل، تقول: «كل ما ازداد شعور الخوف، لم أقدر على التنفس»، توصلت خلالها، أنه لا حل سوى مراقبة اللحظة، لم أرَ وقتها قمة الجبل، بل اتبعت خطواتي خطوة خطوة، وتذكرت استعجالي في العمل أثناء شروعي لإنجاز مشروع ما، حيث أقفز مباشرة للنهاية، ولا أدرك قيمة الانتقال إليها عبر الإحساس بكل خطوة». وأضافت عبير كيف أنها في منتصف الرحلة، فكرت في الرجوع إلى البيت، البيت بمعنى البيت وليس الفندق، متسائلة حول السبب الذي أتى بها إلى هنا، وعند اللحظة التي ركزت فيها عبير على نفسها، تغير كل شيء، بدأت لا تفكر بشيء إلا بكيفية عيش اللحظة الآنية ! أما شقيقتها عُلا اللوز، المرتبطة بعلاقة دائمة مع مواقع التواصل الاجتماعي، شعرت هناك ولأول مرة بعدم الاهتمام لما سيقال حول غيابها عن تلك المنصات، مضيفةً كيف أن شعور المكان ظل معها لما بعد العودة إلى الإمارات، لمدة تتجاوز الأسبوع، بحسب تقديرها، مؤكدة أن التجربة لم تقف عند حدود الالتقاء بالمكان، بل وازاه بعد ثقافي، يشبه مشهدية التعامل اليومي لأهالي كشمير، ومنها على سبيل المثال بائع الورد في كشمير، وكيف أن الجمال الطبيعي الذي يحوم حول هؤلاء العفويين جداً، يشكل جزءاً من تكوينهم اليومي. اختتمت الأديبة صالحة عبيد أمسية «مجتمع»، بسؤالها عن المدة المقدرة لبقاء الجبل في ذوات السيدات المشاركات في رحلة «قافلة»، مرجحة فكرة الحاجة أحياناً لترك المكان الذي نعيش فيه، لرؤيته بشكل أفضل، وضمان استمرار السؤال عن المكان اليومي العابر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©