الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هايتي... معضلة تبني الأطفال بعد كارثة الزلزال

هايتي... معضلة تبني الأطفال بعد كارثة الزلزال
27 يناير 2010 21:23
هوارد لافرانشي بور أو برانس اصطف الأطفال على مقاعد خشبية بأحد ملاجئ الأيتام في مشهد لا يختلف عن أطفال مدرسة عادية، حيث الأولاد يستفزون بعضهم ويتضاحكون، والبنات يهمسن لبعضهن البعض في هدوء، حينها ظهرت امرأة بطولها الفارع الذي يظلل الأطفال الجالسين ووضعت الكتاب المقدس، الذي كانت تحمله في يدها معلنة بدء الترانيم ليردد بعدها الأطفال بأصواتهم الصغيرة. وتتراوح أعمار الأيتام السبعة والخمسين الذين يستضيفهم الملجأ الواقع في أحد أحياء العاصمة الهايتية، بورت أوبرانس، بين الشهر وأربعة عشر عاماً حالفهم الحظ بما يكفي للبقاء على قيد الحياة والخروج سالمين من الزلزال الذي ضرب البلاد مطلع الشهر الجاري. ومن دون علمهم يقع هؤلاء الأطفال والعديد غيرهم في صلب عاصفة من الجدل اندلعت بعد الزلزال وتكشف حجم الكارثة التي تدور بين المدافعين عن تسهيل إجراءات تبني الأطفال اليتامى وبين المعارضين، الذين يحذرون من التسرع في تبني الأطفال بينما آباؤهم الحقيقيون، ربما مازالوا على قيد الحياة. والحقيقة أن النقاش ليس جديداً على هايتي، البلد الأكثر فقراً في الجزء الغربي من الكرة الأرضية، حيث تتواجد العديد من ملاجئ الأيتام خارج رقابة الدولة وغير خاضعة لقوانين تنظيمية، وتعمل كمزود للعائلات الثرية في الغرب الباحثة عن أطفال للتبني. لكن اليوم بعد انتهاء الزلزال المدمر ارتفعت حدة النقاش حول تبني الأيتام في هايتي بالنظر إلى الانشغال العالمي بمصير الآلاف من الأيتام الجدد الذين خلفتهم الهزة العنيفة التي قوضت حياتهم السابقة وتركتهم في مهب الريح بعدما أشارت الإحصاءات الرسمية إلى مقتل ما لا يقل عن 100 ألف شخص تحت الأنقاض. وفي غمرة الأزمة الناشئة عن الزلزال والجدل الدائر حول قضية التبني يظهر "بيرلاندو" الذي لم يتجاوز بعد شهره الخامس ليجسد الوجه الإنساني الأكثر مأساوية للكارثة التي حلت بالبلاد، فقد ظل "بيرلاندو" في الملجأ لأسبوع، بعدما عُثر عليه ممداً أمام والده الذي قُتل في الزلزال فجيء به إلى الملجأ بعد موت والديه، وعدم وجود من يراعاه ويتولى أمره، وهو ما يوضحه "بيير أليكس"، المدير الإداري للملجأ، قائلًا: "لقد عثر عليه بجانب والده الذي فارق الحياة وكان الناجي الوحيد في عائلته بالإضافة إلى جدته التي جاءت به إلى هذا المكان بعدما عجزت عن رعايته لوحدها". ورغم الحالة المأساوية لهؤلاء الأطفال والقصص الإنسانية المؤلمة التي كشف عنها الزلزال، فإنها ليست جديدة على واقع هايتي، الذي شهد في الماضي عمليات تبني واسعة للأطفال، جاء الزلزال الأخير ليفاقمها؛ وفي قصة أخرى أليمة يحكي "أليكس": كيف تم العثور على رضيع في أحد المجاري القريبة من مقر الملجأ، فحمله الناس إليه موضحاً: "لقد كانت طفلة صغيرة رمت بها أمها وكأنها كيس من القمامة بعدما عجزت عن تربيتها"، وحتى بعد انقضاء الزلزال مازال "أليكس" والأطفال الذين يأويهم في الملجأ، ينامون في العراء بسبب الخوف المستحكم لدى الأطفال من تكرار المأساة، إذ قام بتوظيف حراس أمن لإبعاد اللصوص من دخول الملجأ وسرقة المواد الغذائية بسبب الأوضاع الأمنية والإنسانية المعقدة التي تمر بها البلاد حالياً، وفي ظل أجواء الكارثة التي تخيم على البلاد يقول "أليكس" إن بارقة الأمل الوحيدة التي تلوح في الأفق هي تسريع الزلزال لعمليات تبني الأطفال وانتقال عشرين منهم إلى عائلاتهم الجديدة في الولايات المتحدة، بعدما خففت هذه الأخيرة من إجراءاتها الإدارية المعقدة، وسهلت عملية الانتقال والتبني. فقد ضغط أعضاء في الكونجرس على وزارة الخارجية للإسراع في إجلاء الأطفال من هايتي، لا سيما هؤلاء الذين كانوا قيد التبني، كما وجه في الأسبوع الماضي 34 من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بقيادة "روبرت مينديز" عن ولاية نيو جيرسي رسالة إلى وزيرة الخارجية ووزارة الأمن الداخلي، يطالبون فيها بخطوات إضافية لضمان تبني أيتام هايتي، حيث شددت الرسالة على ضرورة تعزيز عمليات "البحث والإنقاذ" للأطفال وتسهيل التبني في الحالات التي فُقدت فيها الوثائق خلال الزلزال. لكن البعض الآخر يرى بأن التعجيل في تبني الأطفال بعد الكارثة قد لا يكون العلاج المناسب لمشكلة الأطفال، حيث أكدت مفوضية اللاجئين من النساء، التي تتخذ من نيويورك مقراً لها أنه رغم تشرد الآلاف من الأطفال وفقدانهم لذويهم خلال الزلزال، إلا أن التبني يجب أن يظل الخيار الأخير على أن تعطى الأولوية إلى توفير الخدمات داخل البلاد بدل نقلهم خارجها. وعن هذا الموضوع تقول "ميشيل بارني"، مديرة برنامج اللجوء في المفوضية ":من السهل نقل الأطفال خارج هايتي لتوفير المساعدة وفرص التبني، لكن علينا أن نعرف أنه في ظل الفوضى التي تسبب فيها الزلزال ربما يكون الآباء يبحثون عن أبنائهم"، مضيفة أن نقل الأطفال بهذه السرعة خارج البلاد قد "يهدد فرص التئام شمل العائلات من جديد ومضاعفة احتمال سقوط الأطفال في أيدي مهربي البشر وذوي النوايا السيئة". ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©