الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استعادة المتمرد الساخر

استعادة المتمرد الساخر
27 يناير 2010 21:07
ستون عاماً مضت على رحيل إبراهيم عبد القادر المازني، أحد المتمردين الثلاثة على أمير الشعراء احمد شوقي، وكان ذلك تمرداً على الكلاسيكية الشعرية، فقد شكل مع زميليه عباس العقاد وعبد الرحمن شكري “جماعة الديوان” عام 1921، لتبشر بكتابة شعرية جديدة، وفتح “الديوان” الباب للتجديد وللتمرد أيضاً، وكان ذلك جزءاً من حالة تمرد عامة على الأشكال الثقافية والكتابة العربية التقليدية. ولد المازني عام 1889، وهو العام نفسه الذي ولد فيه العقاد وطه حسين وعدد آخر من الكتاب، لكن المازني سبقهم إلى الموت، فقد توفي مبكراً في عام 1949 أي قبل العقاد بعقد ونصف العقد، وقبل طه حسين بحوالي ربع قرن، وتعرض المازني للتجاهل والنسيان، واختفت كتبه من المكتبات وظل الأديب الراحل نجيب محفوظ يحذر وينبه إلى ذلك في العديد من حواراته ويلفت الانتباه إلى أهمية المازني ودوره في كتابة الرواية العربية. وتنوعت اهتمامات المازني فكتب المقال، والرواية فضلاً عن الشعر والمسرحية وكان يعمل صحفياً محترفاً وانتخب وكيلاً لنقابة الصحفيين المصريين قبل وفاته. وفي الأشهر الأخيرة دفعت “دار الشروق” إلى المكتبات بطبعة جديدة لثمانية أعمال للمازني، مثل “إبراهيم الكاتب”، و”حصاد الهشيم”، و”قبض ريح”، و”من النافذة” وغيرها. وقبل “دار الشروق” عكف الدكتور عبد السلام حيدر، الأستاذ بكلية دار العلوم، على الصحف يجمع مقالات المازني، ودفع بها إلى المجلس الأعلى المصري للثقافة وصدر منها حتى الآن خمسة مجلدات، وهناك مجلدان قيد الطبع، يضمان رحلات المازني إلى العراق والشام. وبالتأكيد ليس هناك تنسيق في ذلك بين المجلس الأعلى المصري للثقافة الذي بدأ مشروعه في عام 2006 ونشر الأعمال “بدار الشروق”، لكن قيام مؤسستين بهذا الدور، يعكس إدراكاً ثقافياً لقيمة أعمال المازني وأهمية ما كتبه. كان المازني قد تعرض لأزمة حين نشر “إبراهيم الثاني” وتبين أن بها فقرتين لم يكتبهما، بل ترجمهما عن كاتب أجنبي، وقامت الدنيا عليه، وهاجمه النقاد واعتبر سارقاً وانصرف الكثيرون عنه، وظل نجيب محفوظ يردد أن المازني تعرض لغبن شديد بسبب تلك الواقعة، وبالطبع لابد أن نندهش اليوم فهناك من يسرقون كتباً بأكملها ولا يطرف لهم جفن، ولا تحاسبهم الحياة النقدية. نشر المازني في حياته عشرين كتاباً، أولها الجزء الأول من ديوانه عام 1913 واخرها “من النافذة” عام 1949، وبعد وفاته صدرت أعمال له هي تجميع لمقالات أو نصوص لم تكن قد صدرت من قبل مطبوعة. أسلوب المازني وكلماته بسيطة للغاية، هي العامية الفصيحة إنْ جازت التسمية، وفي أعماله ومقالاته كان مغروساً وسط البسطاء، يكتب عنهم ويتابع حياتهم ومساراتهم ولعل عمله الصحفي في صحيفتي “البلاغ”، و”الجهاد” وغيرهما أفاده كثيراً في ذلك. وتمتع المازني بأسلوب خاص في السخرية الراقية والتهكم الرصين، الذي يبرز السلبيات ويكشف أوجه القصور في هدوء. المازني صاحب مصطلح “المقال القصصي” وهناك مجموعات تحمل هذا المسمى “مقالات قصصية” فهو لم يشأ أن يطلق عليها “قصة قصيرة” وإنْ كان بعضنا يمكن أن يعتبرها كذلك الآن، غير أنه في هذه المقالات القصصية، كان هو المتحدث دائماً، وهو الراوي، واخر مجموعة نشرت له هي “من النافذة” أطلق عليها “مقالات قصصية”. ويمكن اعتبار الجزء الأكبر منها رواية فهي تدور حول موضوع واحد، وبطل واحد هو المؤلف، يجلس ليتأمل المجتمع والعالم حوله من نافذة الغرفة. وكان يجلس بجانب النافذة كل يوم صباحاً، وفي أيام الإجازات والعطلات، من العمل، وكانت النافذة تطل على محطة الترام، حيث الزحام والتدافع، فكان يرى أفراداً مختلفين ومن خلالها يتابع البشر “أكون فيها كالراهب المنقطع في صومعته، سوى أنني لا أتعبد إلا بالنظر إلى خلق الله في الفرجة بين مصراعي الشباك الخشبي”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©