الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الصين.. حضورٌ مشرقٌ في التراث العربي

الصين.. حضورٌ مشرقٌ في التراث العربي
15 يوليو 2018 00:34
إيهاب الملاح (القاهرة) لا يغفل أحد عمق وقدم الروابط الحضارية والتاريخية والإنسانية والثقافية التي تربط بين عالمنا العربي والصين التي تحضر حضوراً فياضاً في تراثنا القديم وواقعنا المعاصر على السواء، خاصة فيما يتصل بالجوانب الحضارية والتبادلات التجارية والتفاعلات الثقافية والفنية التي كان لها أبلغ الأثر في مد خيوط متينة من التعاون والصداقة. الحضور الصيني في التراث العربي الإسلامي مغر بالبحث والتنقيب، خصوصاً أن ثمة مادة هائلة يمكن جمعها من مظان التراث القديم في كل فروعه ومجالاته، وبما يشغل مجلدات ضخمة عن الصين في الواقع والمخيال العربي والإسلامي معاً. بمدّ الخيط على استقامته في الموضوع المتشعب، يمكن بحث موضوع الحضور الصيني في التراث العربي على مستويات عدة، منها: لحظات الاتصال التاريخي والحضاري الأولى بين الأمتين، ومنها بحث الأساطير والحكايات المتعلقة بوصول الإسلام إلى تخوم الصين، ومنها بحث أول ورود لذكر الإسلام والنبي (صلى الله عليه وسلم) في المصادر الصينية القديمة، والعكس كذلك.. إلخ. ولا يمكن المضي في بحث أي مسار من المسارات السابقة من دون التعرض للمادة التمهيدية الضرورية عن حضور «الصين» في مصادر التراث العربي، خاصة كتب الجغرافيا ومعاجم البلدان والمعاجم اللغوية، وكتب الفتوحات والتاريخ العام، وكتب الرحلة والرحالة.. إلخ. فالخطيب البغدادي، مثلاً، في موسوعته «تاريخ بغداد» يعتبر «الصين» هي الإقليم السابع بعد إقليم الهند والحجاز وبابل ومصر والروم وإقليم الترك، وبنحوه قال أيضاً ياقوت الحموي في «معجم البلدان»، وهذا في تفسير مؤرخي العلوم الجغرافية كان باعتبار ما وصلت إليه علوم الأقدمين ورحلاتهم، إذ كان مستقراً عدم وجود الأميركيتين وأستراليا، بينما كانت جزر اليابان وجزر جنوب شرق آسيا عموماً في غياهب النسيان التاريخي.. كذلك فقد نوه بشهرتها الإمام النووي في مؤلفه الكبير «تهذيب الأسماء واللغات»، فقال: «الصين إقليم عظيم معروف بالمشرق، يشتمل على مدن كثيرة. وقال الجوهري في معجمه «الصحاح»: والصواني الأواني المنسوبة إليها. ويستدل بعضهم، على أن هذا النقل عن الجوهري في «صحاحه» دليل على أن العلاقات بين العرب والصين بلغت مداها، لدرجة أن يطلق العرب على«الآنية» التي اختص بها الصينيون نسبة تدل على أهل صناعتها، ولم يولدوا لها اسماً من لغتهم الواسعة. وكان المؤلفون العرب القدامى في نظرتهم للعالم ولمكوناته الأممية والعرقية والدينية يعتبرون الصين وأهل الصين من الأمم السبع الكبرى التي عددوا حضورها في كتبهم ومؤلفاتهم. ولعلنا إذا قمنا بمراجعة غير مرهقة لكتب الجاحظ والمسعودي والتوحيدي وأستاذه مسكويه، فإننا سنجد مفردات«الصين»، «أهل الصين»، «سكان الصين» مبثوثة متناثرة في مواضع عدة، وصفحات متفرقة من أعمالهم الكبرى وكتبهم المعروفة. ويورد أبو حيان التوحيدي في كتابه «الإمتاع والمؤانسة» القصة الشهيرة في المفاضلة بين الأمم التي رواها عن ابن المقفع وجاء فيها ذكر لأهل الصين وأنهم«أصحاب أثاثٍ وصنعة». ويذكر المؤرخون أن أول اتصال بين الصين والعالم الإسلامي، يرجع إلى عهد أسرة تانغ، التي حكمت الصين بين عامي 609 و618 ميلادي. كما جاء ذكر المسلمين في المصادر الصينية لأول مرة في بداية القرن السابع الميلادي، ويذكر المؤرخ المصري المرحوم زكي محمد حسن في كتابه «الصين وفنون الإسلام» أن المؤرخين الصينيين أشاروا إلى الدين الجديد، وذكروا مبادئ الإسلام، قائلين: إنها تختلف عن مبادئ بوذا، وأن أتباعها لا يوجد تماثيل في معابدهم ولا أصنام ولا صور، وأضافوا إلى ذلك أن فريقاً من المسلمين قدموا إلى«كنتون» في فاتحة حكم أسرة«تانغ»، وحصلوا من إمبراطور الصين على الإذن بالبقاء فيها، واتخذوا لأنفسهم بيوتاً جميلة تختلف في طرازها عن البيوت الصينية، وكانوا يطيعون رئيساً ينتخبونه من بينهم. وفي بعض الروايات التي يرد ذكرها عند المسلمين من أهل الصين أن ملك تلك البلاد«تاي تسونغ»، أرسل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ليوفد بعثة لنشر الإسلام في الصين، فبعث النبي ثلاثة من الصحابة، تُوُفيِّ اثنان منهم في الطريق، ووصل الثالث إلى الصين، فأحسن الملك استقباله وساعده في إنشاء مسجد بمدينة «كنتون». كما أن في بعض الروايات الأخرى أن الإمبراطور«ون تي» الصيني قد بعث إلى النبي رسولًا يطلب إليه أن يسافر بنفسه إلى الصين، فاعتذر عليه السلام، وأوفد مع الرسول أربعة من الصحابة على رأسهم سعد بن أبي وقاص، الذي كان أول من بشر بالإسلام في الصين، والذي يقال: إنه تُوفي فيها ودفن في ظاهر مدينة كنتون بقبر لا يزال يُنسب إليه، والحقيقة أن هذه الروايات على اختلافها، وعدم دقتها التاريخية، إلا أنها تشير إلى مدى الاهتمام الذي أولاه الصينيون للعرب والمسلمين، وتجذر العلاقات بين الأمتين. الجاحظ: ميزة سكان الصين الصناعة الجاحظ، في كتابه الشهير «البيان والتبيين» يذكر في تعداد بيان مزايا كل أمة في عصره: «وميزة سكان الصين الصَناعة، فهم أصحاب السبكِ، والصياغةِ، والإفْراغِ، والإذَابةِ، والأصباغِ العجِيبة، وأصحاب الخَرطِ، والنَّحتِ، والتصاوير، والنسج. واليونانيون يعرفون العِللَ، ولا يباشرون العمل، وميزتهم الحكم والآداب. والعرب لم يكونوا تجاراً ولا صِناعاً، ولا أطباء، ولا حساباً، ولا أصحاب فلاحة، فيكونون مهنة. ولا أصحاب زرع لخوفهم من صغارِ الجزية.. ولا طلبوا المعاش من ألسنة المكاييل، ورؤوسِ الموازين، ولا عرفوا الدوانيقَ، والقراريط. فحين حملوا حدهم، ووجهوا قواهم إلى قولِ الشعرِ، وبلاغةِ المنطقِ، وتشقيقِ اللغة، وتصاريف الكلام وقيافة البشر، بعد قِيافةِ الأثَر، وحفظ النَّسبِ والاهتداء بالنجوم، والاستدلالِ بالآثار، وتعرفِ الأنْواءِ، والبصرِ بالخيلِ، والسلاح، وآلةِ الحرب، والحْفظِ لكل مسموع، والاعتبار بكل محسوسٍ، وإحكام شأن المناقب، والمثالب - بلغوا في ذلك الغاية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©