الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شرارات أفريقيا الحارقة

15 يناير 2011 20:14
لأن الحدث الساخن يفرض نفسه، هيمنت أفريقيا وشراراتها الاجتماعية والطائفية على معظم الدفق العالمي من معلومات الأسبوع، وأحاطت القارة السمراء والسوداء بالأضواء على تطورات ساحل العاج في الغرب وتونس والجزائر في الشمال (المغرب العربي) والسودان في الشرق وتفجير الأسكندرية وتفاعلاته المأساوية في أكبر بلد عربي تخفق القلوب جذعاً من خطر يهدد استقراره. المشترك بين الأربعة أنها شرارات أفريقية حارقة وأنها كلها تحولت فجأة إلى أولوية دولية بالنسبة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، على حساب ملفات أخرى مثل الملف النووي الإيراني ومثيله الكوري الشمالي. والمشترك فيها أنها تعني كل، قريبين أو بعيدين، رغم اللامبالاة الظاهرة التي قد تخفي نوعاً من الصدمة مع الحرص على تقليد «عدم التدخل في الشؤون الداخلية» إلا حين الطلب. والمشترك بين هذه الشرارات أيضاً أنها حافلة بالعبر التي يمكن تُعلّم الكثير منها حتى لا تتفاقم وتتحول إلى حرائق لا يرغب أحد بتخيل مداها، ومن ذلك: - أن مفاعيل انتشار المعلومات موثقة بالصوت والصورة عبر الحالة الشبكية المنسوجة من خلال الدولة وفوقها وتحتها والعابرة للدول باتت راسخة ومؤثرة أكثر بكثير مما يعتقده كثيرون في مراكز قرار ما زالت تدير أمور الرعية بأساليب القرن الماضي وما قبله وتعتقد أن حجب المعلومات من طرفها كفيل بالستر على المشاكل مهما كثرت ضحاياها. - أن الحل الأمني للمشاكل الاجتماعية ومظاهر الشعور الجماعي بالتمييز، أو الغبن أو الحرمان على أي قاعدة كان طائفيا أو عقائدية، بات غير ذي جدوى بل مصدرا لتوسع «الشغب» أو الاحتجاج حتى لو كانت تقف وراء هذا أو ذاك أيادٍ خارجية وجماعات إرهابية. - أن الانغلاق والتقوقع «الوطني» والانعزال عن الجوار وعصر الدولة القطرية (العربية تحديدا) هو شذوذ عن العصر (وحركة التاريخ وتوجهات المستقبل) قبل أن يكون مخالفا للطبيعة والجغرافيا القومية، وهو لا يوفر لا لحمة وطنية ولا أمن اجتماعياً ولا فرص عمل ولا تنمية من أي نوع كان، حتى لو توفرت الثروة النفطية أو الثروات المعدنية ، ومهما بلغت درجة تطبيقنا الأعرج للعولمة عبر الارتباط باتفاقيات عابرة للفضاء ومساعدات متوسطية أو أطلسية من أي نوع كانت. - ان التدخلات الأجنبية المؤججة للأزمات والتي قد تأتي من أقرب الحلفاء (والخصول في آن) والمانحين تؤكد أن نظام المشاركة والقبول الإيجابي بالاختلاف والمصالحة مع الشعوب هي الخيارات الأخيرة المتبقية بعد تجريب كل السبل الأخرى، وإن أي إصلاح يأتي متأخرا سوف يزيد رصيد هذه التدخلات للتدخل في أي فرص متاحة لاحقاً. - ان عوامل ضعف الإمكانيات أو تداعيات الأزمة المالية العالمية أو الشكوى من أعداد المتعلمين والخريجين الجامعيين وانتشار البطالة في الشرق كما في الغرب أو المنظمات الإرهابية تصب في النهاية في خانة تثبيت إعلان الحكومات الضمني عن عجزها بما يفترض بدائل جديدة لها ولو على سبيل التجريب. وهذا هو مؤدى قبول حكومات الغرب للاحتجاجات والمظاهرات المليونية (لنفس الأسباب أحياناً) وإفرازاتها ليقينه بأن قمعها لا ينتج إلا شرارات حارقة تكوي الجميع أحياناً، وتضِّيق فرص الإنقاذ أياً كان الخاسر والرابح في الميدان. هذه هي أخطر عواقب مبدأ ربط استمرار الحكومات باستمرار هيبتها. بدل أن يكون ذلك في فضائلها واحترامها. وهذه أدنى مقومات ومتطلبات عدم تحول شرارات أفريقيا إلى حرائق واسعة لا توفر أي بلد في القارة السمراء وجوارها. د.الياس البراج barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©