الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

بلاغة اللمسة وقوة الضوء

بلاغة اللمسة وقوة الضوء
12 يوليو 2018 21:28
محمد نجيم (الرباط) «عتمة ونور» هو العنوان الذي اختاره الفنان التشكيلي المغربي فيصل أحميشان لمعرضه المقام حالياً، في مدينة الرباط والذي يقدم فيه أحدث أعماله الصباغية، ببلاغة فنية متقدة ولمسات شاعرية، بعد المعارض الفردية والجماعية التي أقامها داخل وخارج المغرب، والتي قدم فيها إبداعاته الموسومة بالتجريد الحركي القائم على بلاغة اللمسة وقوة التبصيم والاشتغال تشكيلياً على التضاد اللوني بين النور والعتمة. لوحات هذا الفنان تنطق بإيقاع لوني أخّاذ يمنح المتلقي لحظة من الجمال والدهشة، وتجعل العين تنغمس سريعاً في سطوة البياض المهيمن على المساحات المتوسطة والكبيرة نسبياً. ونحن أمام لوحات الفنان فيصل أحميشان، نجد أنفسنا، كما يقول الناقد الجمالي بنيونس عميروش خلال افتتاح المعرض، أمام توليفة بصرية مُفرطة في التجريد، لا تحتمل أي توجيه سردي، بينما تترجم فعل اليد والجسد ضمن حركية تركيبية مدفوعة بشحنة انفعالية، تنشد للتو اكتمالها كتجميع أوتوماتيكي للعناصر المادية وأثرها. ففي هذا الترتيب البديع للتجاورات والتضادات والتناغمات، يكتمل الإنشاء المادي كـ«صورة» مجازية مختزلة للفعل والحركة، وما يقبع بين ثناياهما من أنفاس وهواجس وإحساسات سرعان ما تمتد للمتلقي وتدفع به للتأمل والتساؤل. ومن ثمة، نلامس سرائر العلائق الكامنة بين الانفعال والتفاعل، التفاعل المزدوج كسيرورة للبناء التشكيلي في حد ذاته، وكسيرورة تواصلية تنسج خيوط القراءة والتذوق، ففي هيمنة البياض وتدرجاته، ينتظم ذلك الالتحام المادي الذي يسن قواعد خفية لاشتغال حيث حول الضوء، باعتباره أهم مقومات البحث التشكيلي لدى فيصل أحميشان الذي يحدد بدقة فصيلة الألوان الرمادية التي تتراوح في مجملها بين الأوكر والبني والأجري والأخضر المسود، ضمن تنويع كروماتيكي مشدود ومختصر، إذ يخضع لاحتكام نوراني في حالات الانقشاع والخفوت والتلاشي، بحيث يسير التكوين في اتجاه تحوير بصري ينتصر لتوالد التضادات والتوافقات المادية الشفيفة، التي تنسجم مع بقع الحياكات المحببة الموصولة بدوزنة الملتمس كمعطى مرئي يروم تشذيب التوازن وتغذية الجاذبية. وفي لوحاته يستدرجنا الفنان إلى مناطق قصية من اقتناص التباينات في الإضاءة واللون والملامس، بخبرات تشكيلية ترشح فيها المعرفة بالأداء مع الرهافة في الإحساس والقدرة على التركيز والتأمل، ليست التقنية أو الأداء المهمان الوحيدان في عملية كهذه، بل المهم فيها هو رسم المسار الذي يسحب العين إلى موقع ما في اللوحة سرعان ما يغيب عليها الإقامة في الرمادي والأبيض المتحلل من كل انتماء لوني، لكن يطعمها الفنان بسيطرة لونية أو بحبكة ملمسة تجعل من الأبيض والأسود وما بينهما من رماديات تنتصب كمراكز ضوء محايدة. وبحسب الناقد قائم بن عامر فإن التنويع في ممارسة فيصل أحميشان التصويرية سمة بارزة، جعلت من هذه الأعمال المعدة للمعرض الحالي في وحدة شكلية وأدائية متميزة، وحري بنا أن نرصد في هذه الأعمال هذا البعد من الوحدة الموسومة بالتنويع والمؤلفة عبر الاختلافات البسيطة النافذة، ليست الممارسة ذاتها في كل مرة ومع كل عمل تشكيلي وليست اللحظة ذاتها، إنما اللحظات المتتاليات هي التي تعطي للتزمين قيمته وللتجربة ترسخها. أما الناقد إبراهيم الحيْسن فوصف أعمال أحميشان بكونها تخفى في ثنايا المادة واللون جاعلاً منهما حقله الإبداعي البصري الموسوم بدينامية راكضة تمتد لجسده وفكره في آن. في هذه التجربة الصباغية، تتواشج الألوان واللمسات اللونية العريضة وتنبجس مكسوة بتخطيطات منثالة وتواقيع غرافيكية سريعة التنفيذ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©