الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شقاء المرأة في توقف ينابيع عطائها

شقاء المرأة في توقف ينابيع عطائها
9 فبراير 2009 00:30
يقال إن عطاء المرأة طبيعة وفطرة وليس فضيلة، لذا يرى البعض أنها يمكن أن تعطي دون أي حب، لكن لا يمكنها أن تحب دون عطاء ، فعندما نحب شخصا معينا، فإننا نعطيه كل ما لدينا دون أن نحسب ما أعطينا، فحين نحب لابد أن نضحي، ونتحمل الكثير، ومن نحبه نعطيه دون توقف، ودون أن نشعر أننا نعطي، ونكتشف أننا لم نعط شيئا بعد! وقيل أن أبلغ مرحلة تذهب بالمرأة إلى الشقاء والتعاسة، توقف عطائها، فعندما تشعر أنها لا تستطيع أن تمنح أو تعطي بسخاء من ينبوع الحنان بداخلها تتحول الى جفاف· والمثل الهولندي - الذي في متناولنا- يقول:''المرأة مثل الإبرة··تكسي غيرها وهي عارية''، فإلى أى حد نتفق ونختلف حول معانيه ومغزاه؟ وهل يمكن بالفعل أن تعطي وتهب المرأة السعادة للآخرين وتنسى نفسها؟ فطرة ربانية تقول مها السلمى ''موظفة'': ''إن الله سبحانه وتعالى أنعم على المرأة بقدرات وخصائص وسمات نفسية وعاطفية ووجدانية معينة، وجعلها قادرة على تحمل الصعاب، وأقسى الظروف لمواجهة الحياة ومشاكلها وأعبائها، وإن قول ''المرأة رمز للعطاء'' قول ليس فيه مبالغة، فالمرأة تجد سعادتها ونفسها في قدرتها على أن تعطي للآخرين، بدءاً بمن يهمونها في المقام الأول كالزوج والأبناء، وقد منحها الله سبحانه قيماً ومشاعر عميقة تتمثل في الحب والحنان والإيثار ونكران الذات، وأحاسيس مرهفة، وهي فطرة ربانية فطرها الله عليها، وبالتالي ما تتصف به من عطاء، إنما ينسجم مع هذه الفطرة التي خلقت عليها، وكثيرا ماتنسى المرأة نفسها من أجل من تحب''· نكران الذات وترى فتحية الريامي''معلمة'' أن المرأة لا تفكر في نفسها كثيراً إن شغلت بغيرها ممن تحب وباحتياجاتهم، فهي تتفانى في العطاء بلا حدود وتنسى نفسها، ولا يجب أن يفهم قول ''عارية'' أنها عاجزة أو خاوية من المضمون، أو نفهم الكلمة مجردة من معناها وسياقها أو تفسر حرفياً، ولا يجب أن ننظر إلى الحالات الشاذة أو الاستثنائية، لكن بشكل عام نجد المرأة دائماً لا يشغلها إلا عطائها سواء في الأسرة كأم، أو كإنسانة محبة أو عاشقة، فإن طبيعتها تجعلها تحب بتفانٍ واخلاص، ولا تنتظر سوى التقدير والاخلاص ممن أحبت وأخلصت، لذا فإننا نجد ردود أفعال المرأة المحبة كثيراً ما تتصف بالقسوة أو التطرف إن اكتشفت خيانة من أحبت، أو نكران ممن أفاضت له عطاءً، لكن في أغلب الأحيان نجدها تحرص على العطاء، وهذا العطاء ينبع من طبيعته الأنثوية الجياشة والحساسة، ولعلنا نسمع كل يوم عن عشرات القصص والحكايات التي تدلل على عطاء المرأة وحبها ونكران ذاتها''· ثمن التضحية تؤكد ميساء زيدان ''إعلامية'' أن المرأة لا تحتاج إلى ثمن لعطائها وتضحياتها من أجل الآخرين سواء على الصعيد الأسري أو الإنساني، فقد تحتاج إلى التقدير والعرفان وهو أمر طبيعي، إنما علينا أن نتذكر القول الشائع ''وراء كل عظيم امرأة''، فالمرأة كثيراً ما نجدها تضحي بلا أنانية، وتنكر ذاتها كثيراً من أجل غيرها، وطبيعتها تمنحها القدرة على محبة العالم بأسره، والقول بأنها ''تكسي'' غيرها وهي عارية، أفهمه على أنها قد تهمل وتنسى نفسها من أجل من حولها، ومن أجل أناس هم في حاجة إلى حبها وعطائها ودفئها وحنانها، وهذه المشاعر مصدر قوة لها، وليست معاني ضعف، فدائماً تقترن هذه الصفات بضعف المرأة، وإنما أراها غير ذلك، ودائماً من يضحي لا يحتاج ثمناً لهذه التضحية· والتاريخ الإنساني للمرأة حافل بالكثير من القصص التي تؤيد هذا القول''· نكران وجحود يشير عمرو محمد ''محاسب'' إلى جانب أكثر أهمية يلخصه في ''أن المعنى العام للقول المذكور، أو الاعتراف بدور المرأة في المجتمع لا ينكره عاقل أو ناضج، فالواقع والمعطيات على اختلاف الأزمنة والأمكنة تؤكد ذلك، ولا ينكر دور المرأة وعطائها إلا جاحد بحقها، وهذا النكران أو الجحود غالباً ما ينم عن نقص في الفهم والثقافة، أو النظر وفق ثقافة ذكورية ضيقة وبالية، ومن يتعمق في فهم حقيقة المرأة وطبيعتها وسيكولوجيتها، سيجدها أكثر من الرجل قدرة على التفاني والعطاء والصبر رغم ما يعرف عنها بأنها عاطفية أو هوائية أو يقال إنها مخلوق ضعيف، لكنني أرى العكس تماماً، فالمرأة أكثر قدرة على التحمل والصبر والعطاء والتضحية مقارنة بالرجل، وإن كانت التعميمات غير منطقية في كثير من الأحوال، لكن الواقع يقول إن سعادة المرأة الحقيقية في أن تجعل الآخرين سعداء، وربما ينحرف رأي البعض عن هذه الحقيقة لأسباب شخصية، أو نتيجة تجارب ذاتية محدودة، لكن المرأة خلقت لتعطي، وقدرتها على هذا العطاء ليس لها حدوداً''· رمز العطاء الإنساني من جانب آخر تقول المهندسة سمر الشامسي: ''يجب ألا نجرد القول الشائع، أو المثل الشعبي أو الحكمة، أو أي قول كالذي بين أيدينا ''المرأة مثل الإبرة·· تكسي غيرها وهي عارية'' من مضمونه الحقيقي، ولا يجب أن نناقشه بمعزل عن البيئة والثقافة التي أفرزته، ولدينا في التراث الشعبي العربي أمثلة كثيرة تتفق مع هذا المعنى، وإن تفحصنا جيداً دور المرأة على الصعيد الإنساني والاجتماعي والأسري منذ فجر التاريخ، سنجدها بالفعل رمزاً للعطاء الإنساني بلا حدود، فعندما نقول ''رجل'' نستدعي على الفور القيم المرتبطة بالرجل والرجولة، والشهامة، أو يقال ''الرجولة موقف''، أو الإقدام والشجاعة·· الخ من صفات تقترن بالرجل، كذلك إن قلنا ''أنثى'' على الفور تستدعي معاني الجمال والحب والوفاء والتضحية والعطاء والأمومة وغير ذلك من صفات هي من صلب حقيقة المرأة، ومن أهم خصائصها النفسية والعاطفية· كيف نتعاطى مع المعنى؟ يعلق اختصاصي العلاقات الإنسانية الدكتور علي شراب على ''المثل الهولندي'' بالقول: ''لايمكن أن نوافق أو نرفض هذا القول من الوهلة الأولى، ولا على سبيل التعميم، وإنما علينا أن نتمعن معناه وجوانبه ودلالاته بعيداً عن حرفية كلماته، ونفكر في مغزاه، وهو أن ''المرأة مثالاً للعطاء''، والصحة النفسية تنظر إلى قيمة العطاء على أنها قدرة الفرد على العمل، والبذل من أجل نفسه ومن أجل الآخرين · وتاريخياً وتراثنا العربي والإسلامي حافل بالقصص والمآثر الإنسانية التي تؤكد هذا المعنى، ولنا في سير النساء الفاضلات من الصحابة رضي الله عنهن أمثلة عديدة ومواقف خالدة، لكن اذا كان ''المثل'' يشير إلى أن المرأة تعمل، وتعطي، وتضحي في الوقت الذي تنسى فيه نفسها ''تكسي غيرها وهي عارية'' تشبيها ''بالإبرة''، فإنني أتفق مع هذا القول الذي يتناسب وطبيعتها التي جبلت عليها، وما تتصف به من صفات تحمل معاني الحب والود والرحمة والحنان، وهي صفات أوجدها الله فيها لتكون أماً تفيض بكل المعاني الإنسانية الرفيعة والمشاعر الفياضة الدافئة، وهي في ذلك تنسى نفسها كثيراً، وتضحي من أجل بيتها وأولادها وزوجها، وهذا العطاء يلزمه كثير من الحب، وإن أحبت المرأة ستعطى بلا حدود، ولا تنتظر الرد أو المكافأة، لأنها تكافئ نفسها بالعطاء إن أحبت· وعلينا ألا نجرد هذه الدلالات من الحالة التي تعيشها المرأة، والثقافة السائدة· وتجربتها الشخصية والإنسانية، والمقومات التربوية والسلوكية والأخلاقية التي كونت وصقلت شخصيتها، لكن علينا ألا نغفل التوازن المطلوب بين حقوق المرأة، ودورها، وواجباتها، ولعل مفهوم ''الأمومة'' وما يحمل من مشاعر فياضة وغزيرة، هو ما يترجم معنى المثل أو القول الذي بين أيدينا''· عطاء أم المؤمنين كان عطاء أم المؤمنين السيدة خديجة عطاءٌ ميزها به الله سبحانه وتعالى، عطاء من نوع آخر،· فقد أعطت النبي عليه أفضل الصلاة والسلام الأمن والأمان، وكانت له أماً و زوجةً وملجأً و مأوىً من عداوة الكفار و مكرهم وتآمرهم· ثم أعطت نفسها وحياتها ومالها للرسالة الإسلامية وأهدافها، واتخذت محبوبة عين محبوبها عليه السلام، وطريقة عين طريقها، فأحبته لله وأحبت الله فيه، واتخذت دستوره حياة، واختارت هجرته إلى الله هجرة محببة لها، وكانت حياة الاثنين معا أنساً كاملاً وائتناساً وملاءً كاملاً لا خواء فيه ولا ملل، لهذا لم يفكر الرسول الكريم أن يتزوج عليها أو يجمع عليها بأخرى وهي التي كانت تكبره بعشرين عاماً، ولم يعدد بين زوجاته إلا بعد وفاتها رضي الله عنها·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©