السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تايلاند... السير على حافة الهاوية

17 يناير 2014 23:46
ترفع الحملة الإعلانية المكثفة المعروفة بـ«تايلاند المدهشة» التي تساعد على امتلاء الشواطئ والفنادق والخزانات العامة في تلك الدولة التي تعانقها الشمس، شعار «سحر تايلاند يبدأ مع الشعب»، بهدف ترويج المبيعات للسائحين والمسؤولين التنفيذيين في كل مكان، ولكن لو لم ينتبه هذا الشعب فسينتهي هذا السحر معه أيضاً. وقد اعتاد العالم على المرونة الملحوظة في تايلاند، فمنذ عام 2006، تعثرت البلاد التي تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا في أزمات سياسية واحدة تلو الأخرى من دون أن تقضي على اقتصادها. وقبل ثمانية أعوام على سبيل المثال، أدت مظاهرات حاشدة إلى إقصاء رئيس الوزراء آنذاك تاكسين شيناواترا في الانقلاب الـ18 خلال ثمانية عقود. ومنذ ذلك الحين، تعاقب على الحكومة في بانكوك ستة رؤساء وزارة، وتشغل المنصب حالياً ينجلوك شيناواترا، الأخت الصغرى لتاكسين، بينما تغلق القوى المناهضة للحكومة في الوقت الراهن شوارع بانكوك في محاولة للإطاحة بها أيضاً. ويساورني القلق في أن رصيد الحظ الذي يحالف تايلاند بدأ ينفد، فهل يمكن أن تفضي هذه الأزمة الأخيرة إلى دفع العالم كي يدير ظهره إلى أرض الابتسامات؟ في الحقيقة، هناك ثلاثة أسباب تشي بأن تايلاند تخاطر بالتعرض إلى تراجع اقتصادي نتيجة ضيق المستثمرين الأجانب والسياح الذين تعتمد عليهم البلاد في النمو. والسبب الأول هو دوران تايلاند في حلقات مفرغة، فحتى الآن تعاني الانشغال في حال من الفوضى وعدم اليقين لم تفارقها أبداً. وينبع تكيف البلاد مع هذه الحالة حتى الآن من أمور كثيرة، مثل الموقع الجغرافي الحيوي للدولة، وتعداد السكان المتزايد، وانخفاض الأجور، والسهولة النسبية في تأسيس الشركات، والموازنة العمومية التي تفادت بشكل كبير -منذ الأزمة الآسيوية في عام 1997- الضغوط التي واجهها كثير من الدول المناظرة. وإضافة إلى ذلك، ثمة إدراك بأن النظام البيروقراطي المستقر والمألوف يحفظ الاقتصاد من الانهيار. غير أن الشلل أصاب تايلاند بصورة فعلية بسبب الإطاحات الشعبية بحكومة تلو الأخرى، وفي هذه الأثناء لا تجعل كل من الصين والهند وإندونيسيا والفلبين من القارة الآسيوية أكثر ديناميكية فحسب، ولكنها أيضاً تجذب الشركات من «آبل» إلى «لينوفو» وتويوتا، ومن ثم، سيعمل المسؤولون التنفيذيون الذين يثمنون الاستقرار على نقل مصانعهم ومكاتب شركاتهم إلى مكان آخر. كما أن الفوضى السياسية المستديمة دفعت صناع السياسة في تايلاند إلى عدم الانخراط في استراتيجية طويلة الأجل، ويبدو أن خطة الإنفاق على البنية التحتية البالغة قيمتها 61 مليار دولار، التي تعتبر ضرورية بدرجة ملحة قد آلت إلى زوال، كما هي الحال بالنسبة لمشروع القطار فائق السرعة الطموح. وهناك حاجة إلى طرق وموانئ وجسور وسكك حديدية أفضل في تايلاند كي تواكب الازدهار الاقتصادي في المنطقة، ولتؤكد الدور الحيوي الذي تلعبه بانكوك في رابطة دول جنوب شرق آسيا المكونة من عشرة أعضاء، لا سيما أنها تتجه إلى تقليص التعرفة الجمركية بحلول العام المقبل. وربما أن الأضرار التي تلحق الآن بالاقتصاد التايلاندي غير ملحوظة بشكل مباشر، ولكنها يمكن أن تستمر لسنوات مقبلة. وأما السبب الثاني فهو عدم وجود خيار وسط، فالداعمون لتاكسين والمناهضون له أصبحوا قطبين متنافرين تماماً، ويصمم كل طرف على مواجهة الظروف كافة إلى أن ينتصر على خصمه. وفي الواقع، لا يمكن لأي من الطرفين تقديم طريق واضح من أجل المضي قدماً، فالداعمون لتاكسين، والمدعومون بشكل كبير من الناخبين في المناطق الريفية، يعتقدون أن ذلك السياسي الملياردير الذي يعيش الآن في المنفى يجب أن يعود ويقوم بدور المنقذ. أما أنصار الجموع المناهضة لتاكسين -وغالبيتها في المناطق العمرانية المزدحمة- يرون أن فترة وجوده في السلطة كانت من أكثر فترات الفساد والانتهاكات، ويفضلون نقل السلطة إلى مجلس شعبي غير منتخب بدلاً من البرلمان. ولا يرتكز أي من الحلين على مبادئ التفاوض والحلول الوسط الديمقراطية، التي تفضي وحدها إلى ضمان الاستقرار في المستقبل. وفي نهاية المطاف، لن يكون هناك بديل سوى العنف، ومثلما يقول أستاذ في جامعة «نوتنجهام» في ماليزيا: «إن تايلاند وجدت أنها تفتقد تيار وسط موثوقاً يمكنه إجراء مصالحة وتسوية تعترف بالعناصر العادلة الموجودة في مطالب الفريقين السياسيين». وما لم يظهر هذا التيار الوسطي، لا يمكن أن نتخيل سوى مزيد من العنف والفوضى مع سعي كل فريق إلى سحق الآخر. والسبب الأخير أن أمام تايلاند نموذجين لتختار بينهما، هما: الخاسر والرابح، فقد آن للشعب التايلاندي الذي يبلغ تعداده 67 مليون نسمة أن يقرر ما إذا كان يريد أن يعيش في دولة تعج بالفوضى وحالة من الركود الاجتماعي والاقتصادي، وهذا هو النموذج والرهان الخاسر، أم أنها سترقى السلم الاقتصادي مثلما فعلت كوريا الجنوبية وهذا هو النموذج الرابح الناجح. ولا يمكن للديمقراطية أن تجدي نفعاً ما لم تثق فيها جموع الشعب، وفي حالة تايلاند، يعني ذلك بناء مؤسسات مستقلة وموثوقة تُحدث توازناً بين صلاحيات المسؤولين المنتخبين، فوحدها الهيئات القضائية القوية وأذرع مكافحة الفساد وشبكات الرقابة الحكومية هي التي يمكنها ضمان المحاسبة. وعلى رغم أن البلاد تواجه كثيراً من التحديات، لكنها أيضاً في طليعة الدول الآسيوية النامية التي تتقدم بخطى ثابتة ومزدهرة. ومثلما يوضح شعار تايلاند «كل شيء يبدأ مع الشعب»، فلن تنتهي حالة الفوضى الراهنة ما لم يقرر التايلانديون أنفسهم ذلك، وليس أمامهم وقت كبير يستطيعون تضييعه. ‎ويليام بيسك كاتب ومحلل سياسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©