الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لغة التفاهم... الحر!

16 يناير 2012
انتصرت حركة الثورات العربية في كل من تونس ومصر وليبيا، وهي على وشك أن تعلن انتصارها في بلدان أخرى لا تزال تعيش مخاضات عسيرة على طريق التحرر من الاستبداد. لكن الذي حدث حتى الآن هو أن هذه الثورات العربية لم تكن أكثر من تحرر عام من الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي الناجم عن الاستبداد والقمع، على أمل أن تبدأ بالفعل مرحلة قطف الثمار ونيل الحرية بعد إنجاز مشروع التغيير الديمقراطي الموعود الذي رأينا بوادره في تونس والمغرب ومصر، حيث الإقبال الكثيف على صناديق الاقتراع، ورغبة الجماهير في إحداث تحولات وتغييرات حقيقية في واقعها العام بعد أن بقيت مغيبة لأشواط تاريخية طويلة كانت خياراتها محدودة وضيقة للغاية. وتبقى جملة أسئلة لابد من طرحها، ومحاولة الإجابة العملية عليها في ضوء نتائج تلك الانتخابات وانطلاق قطار التحول السياسي: هل ستتحقق الحرية الموعودة في ظل فوز التيارات الإسلامية بالانتخابات الأخيرة؟ وهل سننتقل من مناخ التحرر من الاستبداد إلى مناخ الحرية الحقيقية المكفولة بالدستور وبالقوانين الناظمة لحركة الدولة والمجتمع؟ وهل ستبقى تلك التيارات وفيةً لصندوق الاقتراع فيما لو خسرت لاحقاً أية انتخابات مقبلة؟ ثم هل مجرد تحقق الانعتاق من استبداد النخبة السياسية والأمنية التي كانت حاكمة سابقاً، سيجعلنا نحقق الحرية لاحقاً في ظل حكم الإسلاميين؟ نتصور أن الناس الذين نزلوا بكثافة إلى الشوارع معلنين بداية مرحلة جديدة للمشاركة في صنع المصير، سيكونون "بيضة القبان" والضمانة الحقيقية ضد أي انقلاب سلطوي لاحق، سواء تعلق الأمر بانقلاب فكري ومفاهيمي مضاد لحركة الديمقراطية، أو حتى انقلاب سياسي قد يقوم به تيار أو جهة تدعي وقوف الجماهير معها. على هذه الخلفية جاءت دعوتنا لتأصيل مناخ الحريات في تلك البلدان دستورياً وقانونياً، رغم أن شروط الحرية تحتاج لوقت طويل حتى تثبت وتتماسك على الأرض، وهي بالأساس تنبع من رفض داخلي ذاتي لكل المناخات المولدة لمفاهيم التعصب والإلغاء. وهنا ننبه التيارات التي ربما لا يزال كثير من منتسبيها يدعون حالة من العصمة الفكرية، أن عليها الابتعاد عن الأيديولوجي والنظري القيمي والنزول إلى ساحة الحياة، والاقتراب من مشاكل وشجون الناس، والانخراط ميدانياً مع باقي الأحزاب والتيارات لخير الناس والصالح العام. ونعتقد أن عيش الإسلاميين في جنان الأفكار والنظريات التي استغرقوا فيها طويلاً بعيداً عن العمل والتجربة، ينبغي أن يشكل دافعاً قوياً لهم للبدء في تحويل آليات التفكير عندهم من إطارها النظري إلى حيز التطبيق، عبر الاهتمام بلغة الأرقام والوقائع والإحصائيات التي ينبغي أن يتنافسوا فيها مع الآخرين على خدمة المجتمعات. المهم هنا هو العمل بلغة التفاهم والتواصل والتشارك مع الآخرين، وليس بعقلية الاصطفاء والنخبة والزعامة وسلوكية التفرد المقيتة. فعالمنا اليوم هو عالم المصائر الواحدة، والهويات المشتركة، ومنطق العمل والاقتصاد الحر وخدمة الناس جميعاً، والتنافس في الوصول لقلوبهم عبر خدمتهم والاهتمام بحلول جدية واقعية لمشاكلهم، والعمل على تدبير شؤونهم المتنوعة والكبيرة. وبهذا المنطق التكاملي الحر، وتلك العقلية التشاركية التداولية، تحقق الشعوب العربية حريتها الحقيقية المنشودة بعد أن أنجزت تحررها واستقلالها عن دولة الرعاية الأبوية والوصاية الذكورية. وهذا هو الفرق بين التحرر والحرية... بين الخلاص من حكم القائد المفدى، وبدء حكم العقل الحر التشاركي المؤسساتي. نبيل علي صالح - كاتب سوري ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©