الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ملاحظات حول الاستفتاء

14 يناير 2011 22:01
بعكس ما ظلت وسائل الإعلام الأجنبية، وبخاصة الأميركية تبثه، وخلافاً لما دأب المسؤولون الأميركيون، وفي مقدمتهم أوباما، على ترديده في الآونة الأخيرة من مخاوف حول عملية استفتاء جنوب السودان باعتبار أنها ستُدخل البلاد في دوامة من العنف والصراعات، وأن دماءً ستجري في هذا البلد المطحون بصراعاته... إلا أن مخاوفهم ذهبت أدراج الرياح. فقد أثبت السودانيون، في الجنوب والشمال معاً، أنهم شعب مسؤول ومتحضر، وحتى الآن تتجه عملية الاستفتاء نحو أيامها الأخيرة بهدوء وسكينة، حيث جري الاقتراع بسلاسة ويسر ولم تقع أحداث كبيرة، باستثناء صِدام صغير ومعزول بين قبيلة المسيرية وسكان قرية جنوبية في أطراف منطقة أبيي، وقد أمكن احتواؤه بفضل جهود والي جنوب كردفان (حزب المؤتمر الوطني) ونائبه (الحركة شعبية) ووفد من زعماء المسيرية. لقد تدفق على السودان، خاصة جوبا والخرطوم، مئات الإعلاميين الأجانب مزودين بآلات تصويرهم، وكان محور الأحاديث فيما بينهم وفيما يجهرون به من أسئلة، يدور حول ما إذا كان الاستفتاء سيجري أم لا؟ ومن سيبدأ بعرقلته ليدفع بالسودان نحو حرب جديدة؟ إلا أن المراقبين الدوليون الذين يقدر عددهم بأكثر من ألف وأربعمائة مراقب لعملية الاستفتاء، وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي الأسبق كارتر، دحضوا هذه التوقعات المرجفة وشهدوا بسلامة وشفافية الاستفتاء، وأثنوا على سلوك الناخبين والسلطات السودانية. وهي شهادة تكفي لدحض النبوءات المغرضة. ولا شك أن الرئيس الأميركي الذي يبدي اهتماماً كبيراً باستفتاء الجنوب السوداني، لدرجة أن البيت الأبيض ظل يصدر البيانات التحذيرية الموجهة باسمه لحكومة الخرطوم من خرق التزامها بإجراء استفتاء حر ونزيه وآمن، لابد أنه الآن يشعر بالحرج من تصريحاته التي اعتبرها السودانيون إهانة وشكاً في قدرتهم علي الأداء الديمقراطي المتحضر. قادة الحركة الشعبية أقاموا أكبر مركز استفتاء في جوبا حول قبر قرنق، تعبيراً عن وفائهم لزعيمهم التاريخي، وقال سلفاكير في تلك المناسبة إن "شهداء" الجنوب لم تذهب دماؤهم هدراً وإن حلم قرنق قد تحقق في هذا اليوم التاريخي، أي اليوم الذي سيبدأ فيه انفصال الجنوب. ومع كل الاحترام الواجب لمشاعر سلفاكير وأرملة قرنق وبقية شركائه في الحركة، فإني أظن أن قرنق لو كان قد بقي على قيد الحياة لما عرّف هذا اليوم (يوم تمزيق السودان) بأنه يوم تاريخي. لقد كان حلم قرنق أن يرى "سوداناً جديداً" وكبيراً يمثل القدوة لسائر الدول الأفريقية، وقد سمعته بأذني يقول لصديق صحفي رداً على سؤاله عما إذا كان هو نفسه (قرنق) انفصالياً حقاً كما يشاع عنه؟ فأجاب: "أنا لست انفصالياً بل وحدوي ووحدويتي تمتد إلى الإسكندرية، بل تتعدى وادي النيل إلى دول حوض النيل... وعندما أرى -وذلك سيحدث بحكم التاريخ والواقع الدولي القائم والمتوقع- هذه الكتلة البشرية التي تضم مصر والسودان وإثيوبيا وأوغندا وكينيا وإرتيريا، تشكل اتحاداً يحقق الحرية والديمقراطية والتنمية المستدامة وتأخذ مكانها في الاتحادات والتكتلات الدولية في عالم لن يعود فيه مكان للدول الصغيرة والفاشلة... عالم يتحقق فيه اليوم وغذا الاقتصاد والتقدم والتنمية، حينئذ سيتحقق بعض حلمي بأفريقيا متحدة وقد استردت مكانتها التاريخية في بناء الحضارة الإنسانية". انفصال الجنوب عن السودان لم يكن حلم قرنق، كما عرفناه وسمعناه ووثقنا بصدقه وقناعته بـ"السودان الجديد". ستكتمل عملية الاستفتاء "المبرمجة" حتى يوليو القادم، وبرغم الخلافات العالقة، سيخرج السودان من هذا الابتلاء بسلام... المهم ألا نسمح للأعداء والمتربصين أن يفسدوا، أكثر مما أفسدوا، علاقات المستقبل بين الجنوب والشمال. وهذه مسؤولية كبرى يتحمل عبأها "حزب المؤتمر الوطني" الذي بقدرته أن يطوي صفحات التاريخ التي انتهت بانفصال الجنوب وأن يجلس قادته مع بقية القوى السياسية لمواجهة الواقع، وهم يعرفون ألا مخرج من كل تلك الأزمات إلا بتشكيل حكومة قومية ونهج دستوري متفق عليه. لقد حقق القوميون الجنوبيون الانفصاليون حلمهم وسيواجهون من المشاكل والأزمات ما لا تستطيع حمله الجبال. لكن المواطن السوداني الذي قلبه وعقله مع أخيه في الجنوب، لن يسعد بفشل الدولة الوليدة، بل واجبه أن يمد يد العون والمساعدة. فمهما كان الأمر فإن الدم لا يصبح ماءً. عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©