الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اعتراف على الجانب الآخر

14 يناير 2015 23:05
قلنا من قبل إنه لابد من أن نعترف في عالمنا الإسلامي بأن البعض منا يرتكب جرائم إرهابية مروعة باسم الدين، والدين منها براء. وقلنا أيضاً إنه لابد من مراجعة صريحة للذات ومكاشفة جريئة للنفس ونظرة موضوعية لعل وعسى يكون ذلك بداية الطريق نحو إغلاق هذا الملف. لكن (الاعتراف) مطلوب على الضفة الأخرى من البحر المتوسط. إذ يتعين على المجتمعات الغربية، بمؤسساتها الرسمية والتعليمية والشعبية ونخبتها السياسية والفكرية ووسائطها الإعلامية أن تخوض عمليه مكاشفة واسعة، وتراجع الكثير من مواقفها تجاه المسلمين والعالم الإسلامي.. بل وتاريخها مع الإسلام وعالمه. لقد أدان العالم الإسلامي الجرائم التي ترتكب باسمه أشد الإدانة، لكنه بالتأكيد لا يقبل استباحة مقدساته وإهانتها وتدنيسها بطرق رخيصة وأساليب دنيئة لا يقبلها عاقل. وللأسف الشديد تفعل ذلك بعض الأوساط الغربية، بزعم أن حرية الرأي والتعبير «مقدسة»، وأنه لا يمكن أبداً السماح بالنيل منها أو المساس بها أو انتهاكها. وهنا ينطوي الأمر على مفارقة عجيبة تثير تساؤلات عدة.. إذ كيف لتلك الأوساط أن تقر وتعترف بأن هناك على الأرض ما هو «مقدس» - أي حرية الرأي والتعبير، وتطالب العالم بأسره باحترام ذاك «المقدس» الدنيوي الواسع، الفضاض، غير محدد المعالم، حمال الأوجه، النسبي.. ثم ترفض لمجتمعات أخرى «مقدساً» سماوياً ينبغي احترامه وتبجيله وعدم المساس به من قريب أو من بعيد. أيضاً، كيف تحمي جميع القوانين الغربية، الأشخاص من جرائم السب والقذف وتشويه السمعة، وتعاقب مرتكبيها، بينما يبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه لتدنيس وتشويه رسل وأنبياء الله وكتبه وشرائعه وتاريخ ومجتمعات وثقافات الآخرين.؟! والمفارقة أننا جميعاً نعرف أن حرية الرأي والتعبير الغربية «المقدسة» لها حدود لا يمكن تجاوزها، عندما يتعلق الأمر - على سبيل المثال لا الحصر - بإنكار المحرقة أو كل ما يمكن ترجمته وتفسيره باعتباره معاداة للسامية. ونعرف أيضاً أن بعض السياسيين الغربيين ولأغراض انتخابية ضيقة - يروجون بخبث للإسلاموفوبيا، ويحرضون قطاعات عريضة من الرأي العام الغربي ضد الإسلام والمسلمين، ويطالبون بتبني مواقف متشددة منهم. إن الأمر جد خطير، ولا يمكن تركه أبداً للمتطرفين على الجانبين، ليشعلوا مزيدا من النار. والواجب أن يتدخل العقلاء وأهل الوسط والاعتدال لنزع بذور الفتنة التي يمكن أن تحرق الأخضر واليابس. لقد كابد العالم سنين طويلة في العصور الوسطى ومازال حتى الآن في فمه مرارة حروب الماضي.. القريب والبعيد. ومن ثم، فلابد من تبني استراتيجيات متزنة، عاقلة، لا تترك لليمين المتطرف هنا وهناك زمام المبادرة. وفي هذا المجال يبرز بقوة النموذج الألماني المتحضر البالغ الموضوعية الذي تقوده المستشارة أنجيلا ميركل ونفر غير قليل من النخبة السياسية الألمانية، بتحركاتهم السياسية الواعية للدفاع عن دور ووضع المسلمين والإسلام في المجتمعات الغربية، والوقوف ضد أنصار الإسلاموفوبيا الذين ينشطون الآن على نطاق واسع لاستغلال الفرصة التي أتاحها المتطرفون لهم من الجانبين، لقطع الطريق على أي محاولة للتعايش السلمي الحضاري. أحمد مروان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©