الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

العـلاقــات الإماراتية الهندية.. نحو مزيد من الشراكة والتعاون

العـلاقــات الإماراتية الهندية.. نحو مزيد من الشراكة والتعاون
24 يناير 2017 23:50
وكان أول طريق تجاري بحري عالمي مسجل عبر التاريخ، هو الذي تأسس بين الحضارتين العريقتين، وبالتحديد بين «وادي السند» وحضارة «دلمون» منذ عام 2000 قبل الميلاد، وكانت حضارة دلمون تحتكر التجارة بين شبه القارة الهندية وحضارة ما بين النهرين. وخلال أزمنة الحضارة الرومانية، كان البخور ذو القيمة العالية الآتي من الهند يتم تصديره عبر شبه الجزيرة العربية. ومع انتهاء الألفية الأولى ما قبل الميلاد، أصبحت التجارة بين المنطقتين بمثابة العمود الفقري لشعوب شبه الجزيرة العربية. وكانت تجارة التوابل والمنسوجات بين الهند وأوروبا من جهة، وجنوب شرق آسيا والصين من جهة ثانية، يحتكرها تجار الخليج العربي الأكفاء. وهكذا، كانت التوابل والملابس والعديد من البضائع المتنوعة الأخرى تتدفق من دون انقطاع من الهند إلى المنطقة العربية، فيما استأثرت منطقة الخليج العربي دون غيرها بتصدير اللؤلؤ. وأصبحت شواطئ الهند هي المقصد النهائي المعتاد لغوّاصي استخراج اللؤلؤ في بلدان الخليج، وكان رجالات النخبة من الأمراء والمهراجا الهنود من أشهر مقتني اللؤلؤ الذي يأتي به التجار العرب من رأس الخيمة وأبوظبي ودبي والبحرين. وعلى التوازي مع نشاط التجار العرب، كان التجار الهنود يقومون برحلات متواصلة إلى دول الخليج العربي من أجل تعزيز علاقات العمل مع التجار العرب. وترك هذا التفاعل التجاري المنتظم بين العرب والهنود والذي شهد أعلى مستوى من النشاط في تلك الفترة، أثره المباشر على اللغة التي ينطق به كل طرف، وأيضاً على الثقافة المشتركة للطرفين. وكان لا بدّ لهذا الترابط والتعاون الذي تعزز بالتواصل الدائم بين الشعبين، أن يطرح ثماره الطيبة لكلا الطرفين. ونحن نقع الآن على العديد من الأمثال ذات الأصل الهندي وهي شائعة ومتداولة عل ألسنة عرب الخليج بسبب هذا التفاعل الثقافي. وأصبحت بعض البضائع الهندية التي تصل تباعاً إلى العالم العربي تُسمى بأسماء مصدرها مثل «الكشمير الهندي» و«التوابل الهندية». وكان الشعر العربي الجاهلي عامراً بالحكم والأمثال المستقاة من الواقع الثقافي لتلك الحقبة، لأن البضائع الهندية كانت متداولة على المستوى الشعبي عند أقوام البدو العرب. وفي مقابل ذلك، كان الهنود يستأنسون ببعض الحكم والمآثر الشعرية العربية، ومنها البيت الشهير للشاعر العربي الكبير «طَرَفة بن العبد» الذي يتداول الهنود معناه المترجم إلى لغتهم: وظُلمُ ذوي القربى أشدّ مضاضةً على المرءِ من وقعِ الحُسامِ المهنّدِ الهند.. بلد «التعددية» ومنذ زمن بعيد، آثر المجتمع الهندي التمسك بالتعددية الثقافية والدينية والإثنية واللغوية. ووردت أحاديث عن أهمية «التعددية» كشعار وكممارسة مجتمعية متواصلة في الهند حتى في النصوص الهندية المقدسة التي تغوص عميقاً ضمن التقاليد الشعبية للمجتمع الهندي. ثم ما لبثت أن تحولت إلى فلسفة حياة وأسلوب عيش في الهند كلها. وكان للتسامح والتعايش المشترك الذي ساد مئات القبائل والإثنيات والأقليات العرقية التي تستوطن الهند، أن يؤدي إلى ظهور المجتمع الهندي المتعدد والذي نشأ كنتيجة للتمازج المبني على التسامح ومبدأ قبول الآخر. وعلى أن جغرافية الهند ذات التنوّع الطبيعي الهائل، والتنوّع السكّاني الذي يسودها، ساعد البلد على تأطير ثقافته، وساهم ذلك في جعل الهند بلد التعددية الثقافية الذي تنصهر فيه مئات اللغات وأكثر من ألف وخمسمئة لهجة محلية، إضافة إلى العادات والتقاليد الشعبية المختلفة. وكان انتشار الإسلام بعد ظهوره، وحكم المسلمين للهند لنحو ألف عام، قد ساهم في إثراء وإغناء وتعزيز القيم التي يقوم عليها المجتمع الهندي المسالم. وكان هذا الحكم مبنياً على مبدأ «لكم دينكم ولي دين» سورة الكافرون: الآية 6. وساهم التأثير المتبادل ذو الأوجه المتعددة للفنون الإسلامية والهندسة والملابس وأساليب العيش وفلسفة الحياة، في تقوية وتعزيز الروابط الثقافية والتجارية بين الهند والخليج العربي. وكان أول المساجد الذي بني خارج شبه الجزيرة العربية هو الذي أقيم على «شاطئ مالابار» في ولاية كيرالا الهندية عام 629 بعد الميلاد. وقد لا يكون ثمّة من دليل على التعددية الثقافية الهندية المبنية على تنوّع واختلاف الأقوام التي تسكن الهند، أفضل من تبنّي الهنود واستخدامهم لآلاف الكلمات والمفردات العربية حتى أصبحت جزءاً من حياتهم اليومية. وهي تعد دليلاً على أن المجتمع الهندي لا يكتفي بتقدير واحترام عادات وتقاليد ولغات وثقافات الأقوام المندمجة فيه أو ذات العلاقة به، بل إنه يتبنّاها أيضاً كأنها باتت جزءاً منه. العلاقات الإماراتية الهندية ولم تتجه الهند أبداً نحو تبنّي مبدأ العيش في العزلة، بل كانت تحرص دائماً على إبقاء الأبواب مفتوحة أمام الناس والثقافات الآتية من كل جهات العالم. وكانت فلسفة التسامح والعيش المشترك بين كل الإثنيات ومعتنقي مختلف الديانات والمذاهب، هي العماد والأساس الذي تقوم عليه حضارة الهند. وهي التي حافظت على مكانتها الخاصة كوعاء تنصهر فيه الثقافات والحضارات العالمية. وتنظر الهند إلى الخليج العربي باعتباره الجار الأقرب، أو كأنه امتداد لمناطقها النائية التي لا يفصلها عنها إلا بحر العرب. ولا تبعد مدينة بومباي عن دبي إلا بنحو 1937 كيلومتراً (1046 ميلاً بحرياً). ولا يزال النموذج المثير للإعجاب للعلاقات الهندية مع دول الخليج العربي بشكل عام والإمارات العربية المتحدة بشكل خاص ماثلاً بقوة حتى الآن. وهو يبرز ويتجسد من خلال التدفق المتواصل والمتزايد للبضائع والخبرات والأفكار عبر بحر العرب، وبما يولّد الانطباع بأن للبلدين مصيراً مشتركاً. ويتميز هذا التعاون القوي بين الهند والإمارات العربية المتحدة بالديناميكية وسرعة التطور، وبتعدد الاهتمامات والأهداف والأبعاد. وقد تتضح تداعيات هذا التفاعل من خلال نتائجه في المجالين الثقافي والفكري. وكان للتبادل الثقافي والرغبة المشتركة في تحقيق التطور الحضاري أن يزيد من العلاقات بين البلدين متانة ويؤسس لعلاقات أكثر قوة في مجالات حيوية متعددة. وبعد خروج المستعمرين البريطانيين من المنطقتين خلال النصف الثاني من القرن الماضي، ازدادت العلاقات التجارية بينهما قوة وعمقاً. دور القيادتين الحكيمتين ويعود فضل تأسيس العلاقات القوية التي تربط بين البلدين إلى الحكمة التي تميز بها القائدان الملهمان العظيمان للبلدين، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، وأنديرا غاندي التي كانت رئيسة وزراء الهند في ذلك الوقت. وأدت قيادتهما الحكيمة إلى تأسيس علاقات استراتيجية متينة بين الهند والإمارات العربية المتحدة. وخلال الزيارة التي قامت بها أنديرا غاندي إلى أبوظبي عام 1981، أكد البلدان أهمية التعاون في المجالات الأمنية وتحقيق الاستقرار في البلدين والمنطقة كلها. ومنذ ذلك الوقت، بدأت العلاقات بينهما تزداد عمقاً وتجذّراً عندما حققت الإمارات نمواً اقتصادياً سريعاً ساهم فيه المقيمون الهنود. وكما هي الحال في الهند، فإن مبدأ التسامح والعيش المشترك الذي تتبناه دولة الإمارات العربية المتحدة أدى إلى تدفق الهنود للعمل في الإمارات. ولقي الهنود كل الترحيب من حكومة وشعب الإمارات بسبب ما يقدمونه من جهد صادق في أداء الأعمال المنوطة بهم وحِرفيتهم ومهارتهم في أدائها وسلوكهم القويم الذي يدفعهم لتجنّب التدخل في الشؤون والقضايا الداخلية للدول الأخرى. ولقد دأبوا على تأدية دور حيوي في التحول الحضري والصناعي المبهر الذي تحققه دولة الإمارات. واتباعاً للمناهج التي أرساها مؤسس دولة الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ومن أجل الدفع برؤاه التطورية العصرية والطموحة، انطلق أبناؤه الكرام الشبّان مع إخوانهم الحكام في القيادة المعتدلة لدولة الإمارات الحديثة، بالعمل المتفاني نحو تحقيق المزيد من التطور وترسيخ الأمن والاستقرار والرخاء والطمأنينة في أرجاء الدولة كافة. وبما أن الهند والإمارات العربية المتحدة تمثلان قوتين اقتصاديتين أساسيتين في المنطقة، وتحتكمان إلى قوة اقتصادية يمكنها أن تحقق المزيد من التوسع والتنوّع وفقاً لأعلى المعايير والمستويات، فلقد قررت قيادتا البلدين أن يكون لهما دور كبير وفاعل في التطورات الإقليمية. وعلى الرغم من العلاقات التاريخية بين الإمارات العربية المتحدة والهند، والتي تعود إلى قرون عدة مضت، فلقد شهدت خلال السنوات الأخيرة دفعة جديدة حلَّقت بها إلى ذرى أكثر ارتفاعاً. زيارات متبادلة على أعلى المستويات وجاءت زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى أبوظبي ودبي في شهر أغسطس 2015 لتؤكد قوة الروابط التاريخية مع الإمارات وتأييداً لمواقفها السياسية والاقتصادية الراهنة. كما أنها عززت ووسعت من الحضور الهندي الاستراتيجي ما وراء حدود جنوب آسيا، وافتتحت فصلاً جديداً في الشراكة والمسؤولية في هذه المنطقة ذات الأهمية الكبيرة. ويمكن اعتبار البيان المشترك للهند والإمارات العربية المتحدة الذي صدر في نهاية الزيارة، أنه يمثل وثيقة تاريخية ومؤشراً لتبني الطرفين لرؤية سياسية ودبلوماسية جديدة أبعد مدى. وعقب هذه الزيارة مباشرة، قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بزيارة للهند في شهر فبراير 2016 تهدف إلى دفع الشراكة بين البلدين إلى آفاق استراتيجية أكثر اتساعاً. وانطوت هاتان الزيارتان المتبادلتان على رسالة مهمة لكل دول المنطقة مفادها أن هناك إجماعاً واسع النطاق على الحاجة إلى العمل بطريقة منسقة لمكافحة آفة الإرهاب والتطرف الديني في كل الدول التي تعاني هذه الأخطار. وتضمَّن البيان المشترك الذي صدر عقب زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى الهند، تعهداً واضحاً يقضي بأن الدولتين تدركان إدراكاً تاماً طبيعة المخاطر الأمنية المشتركة، وقررتا التنسيق العملياتي بينهما لتفكيك البنى التحتية للإرهاب، والعمل على تبادل وتدقيق المعلومات المتعلقة بتدفق الأموال التي تغذي النشاطات الراديكالية المتطرفة. واتفق البلدان أيضاً على زيادة الاهتمام بتنسيق الجهود لمكافحة التطرف، وسوء استخدام الدين من طرف بعض الجماعات والدول. ومن الجدير بالذكر، أن شعار «رؤية 2021» الذي تعتمده الإمارات العربية المتحدة، يهدف إلى تنويع الاقتصاد المبني على المعرفة والابتكار، وتوفير المصادر الطبيعية، والمحافظة على البيئة في الوقت ذاته. تبادل تجاري بلا حدود والآن، تحلق العلاقات الاقتصادية الهندية الإماراتية في ذرى جديدة تنطوي على إمكانيات هائلة. ففي عام 2015، بلغ حجم التجارة الهندية مع الإمارات 55 مليار دولار ارتفاعاً من 180 مليون دولار فقط خلال سنوات عقد السبعينيات. ومن المتوقع أن يبلغ 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020. ومن ناحية أخرى، تُعدّ الهند الشريك التجاري الأكبر لدولة الإمارات. ويبلغ حجم تجارتها معها 9,2% من الحجم الكلي لتجارتها غير النفطية. وبالنسبة للهند، تُعدّ الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري بعد الولايات المتحدة والصين. وبلغ مجمل التدفقات الاستثمارية المباشرة من الإمارات إلى الهند 4,38 مليار دولار بين عامي 2000 و2016، من بينها مليار دولار تدفقت على الهند للاستثمار المباشر العام الماضي وحده. ويتم تشغيل معظم هذه الاستثمارات في تطوير المرافئ وصناعة النفط والغاز والمشاريع العقارية والتمويل وقطاعات أخرى، ترتبط بشكل مباشر بالأولويات والحاجات الاستثمارية للهند ذاتها. وقررت الهند والإمارات أيضاً تأسيس «الصندوق الإماراتي الهندي للاستثمار في البنى التحتية» (EIIIF) برأس مال مستهدف يصل إلى 275 مليار درهم (75 مليار دولار). استثمار في المواهب والكفاءات وتتطلع الإمارات إلى الهند لتأسيس مشاريع مشتركة في الصناعات التي تتطلب المهارات والمعارف المكثفة. وتشتهر الهند بأنها واحدة من أكبر الدول استثماراً في دولة الإمارات التي تعد مقراً لما بين 50 و60 ألف شركة هندية. وفي عام 2015 وحده، اعتمدت وزارة الاقتصاد الإماراتية تسجيل 4365 شركة هندية جديدة، وهذا يعبر عن ضخامة عدد الشركات الهندية العاملة في الإمارات والثقة التي تحظى بها في السوق الإماراتي، كما أنها تعكس قوة اقتصادها. ويبلغ مجمل الاستثمارات الهندية في الإمارات نحو 50 مليار دولار في كل قطاعات العمل والإنتاج التي تتنوع بين الاستثمار في العقارات وقطاع البناء والتصنيع والشحن البحري والاتصالات والرعاية الصحية والخدمات المصرفية. كما يعد الهنود أيضاً أكبر المستثمرين في سوق دبي العقاري، حيث تبلغ قيمة استثماراتهم فيه نحو 5 مليارات دولار. تصدير النفط تُصنف الإمارات في مرتبة سابع دولة في العالم من حيث الاحتياطي النفطي. وهي تسهم بنحو 8% من الواردات النفطية للهند، وتتبوأ مرتبة رابع أكبر مموِّن للهند بالنفط الخام. وتمت دعوة الشركات الهندية المختصة للمشاركة في استكشاف واستثمار الآبار النفطية الجديدة ومساعدة الإمارات على تسريع عملية استصلاح الآبار النفطية المستنزفة. ووافقت شركة «مبادلة» الاستثمارية الإماراتية على الاستثمار المشترك في مشاريع عملاقة في الدول النامية. وفي صفقة هي الأولى من نوعها، وافقت شركة أبوظبي الوطنية للنفط «أدنوك» على تخزين نحو 6 ملايين برميل من النفط الخام في الخزانات الاستراتيجية الهندية بمدينة «مانغالور» بولاية كارناتاكا. وسوف تحتفظ الهند بثلثي الكمية بحيث يمكنها استخدامها في الحالات الطارئة. وتقضي الاتفاقية بأن تستخدم «أدنوك» المنشآت كمستودع لتخزين نفطها وبيعه وبما يحقق فوائد كثيرة لدولة الإمارات، لا سيما أن صادراتها الأساسية المهمة من النفط يتم توجيهها إلى دول شرق آسيا القريبة من الهند، وأيضاً من أجل تخزين النفط عندما تنخفض أسعاره لتعيد بيعه لزبائنها عندما ترتفع. إشادة هندية بالتعاون مع الإمارات وتولي الهند أهمية قصوى لعلاقاتها مع دولة الإمارات. ولقد تجلى الاحترام البالغ الذي توليه الحكومة الهندية للقيادة السياسية في الإمارات في أبهى صوره من خلال اختيارها الخاص لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، باعتباره «كبير الضيوف» في «يوم الجمهورية»، وهو الاسم الذي يطلق على العيد الوطني للهند. وتجسّد هذه اللفتة مدى الإعجاب والتقدير الذي تكنه الهند لقيادة ولي عهد أبوظبي، وهو تعبير عن الاهتمام الخاص بالدور الريادي للإمارات في المنطقة. ويُذكر أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد هو القائد الخليجي الثاني الذي يحظى بهذا التكريم في اليوم الوطني الهندي بعد المغفور له الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز آل سعود، منذ استقلال الهند قبل 70 عاماً. كما أن هذا التكريم يحمل رسالة سياسية تتجلى من خلال الحقيقة التي تفيد بأن الرئيس باراك أوباما كان «كبير الضيوف» في العيد الوطني الهندي عن عام 2015، كما وقع الاختيار على الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند عام 2016 في هذا اليوم المشهود عند الهنود. ومن المنتظر أن يقام احتفال خاص بتطور العلاقات الاستراتيجية الهندية الإماراتية خلال الزيارة المقبلة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى الهند. ويُذكر أيضاً أن «يوم الجمهورية» في الهند يصادف الاحتفال بتبني دستور الهند الجديد بعد استقلالها عن الحكم البريطاني. وعادة ما يتضمن الاحتفال استعراض الإنجازات التي حققتها الدولة في قطاعات استراتيجية وحيوية مختلفة. وتشتمل المناسبة على مشاركة قوات من سلاح المشاة والبحرية والقوات الجوية في عرض احتفالي لا يخلو من مظاهر الأبهة والعظمة. وفي إيماءة خاصة لتكريم دولة الإمارات في هذا الحدث المهم، وجهت الهند دعوة لفرقة عسكرية إماراتية للمشاركة في هذا العرض جنباً إلى جنب مع الفصائل المشاركة من الجيش الهندي. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الهند التي تشارك فيها فرقة عسكرية عربية في عرض عسكري هندي، بما يؤكد المشاركة الاستراتيجية المتنامية بين البلدين الصديقين. وتحظى حكمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بتقدير كبير من الهنود. ويبدو ذلك واضحاً من خلال الحماس الذي يسبق زيارته القريبة إلى الهند. والآن، يتم التحضير لهذه الزيارة باحتفالية كبيرة تعبر عن الحفاوة البالغة التي تليق بالحليف المقرب من الهند، والشخصية التي تحظى بالإجلال والتقدير. وسوف تكون هذه هي الزيارة الرسمية الثانية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى الهند خلال أقل من عام واحد، وبما يوحي بمدى الأهمية التي توليها الهند للشراكة الاستراتيجية مع دولة الإمارات، وتشير إلى المستوى المتقدم الذي بلغته العلاقات الثنائية بين البلدين. انفتاح على ثقافات العالم وبالإضافة إلى تفهّم البلدين للتحديات التي تهدد السلام الإقليمي والأمن والاستقرار، فإن لدى الهند ودولة الإمارات ميلاً قوياً لركوب الموجة الحضارية استناداً إلى تاريخهما الطويل من الإنجازات الفكرية والأدبية والفلسفية، ومن خلال التشارك والتمسك بالقيم الإنسانية والأخلاقية التي تنطوي عليها التعددية الثقافية. وما هذا المجتمع متعدد المشارب الذي نراه في أبوظبي ودبي وبقية إمارات الدولة، إلا بمثابة المنارة التي يستشهد بها العالم عن التسامح الديني في الخليج العربي. وتشهد الإمارات بانتظام زيارات متكررة لكبار علماء الأديان والمفكرين والأدباء بهدف ترسيخ مبدأ التعايش والتسامح. ولا يزال هذا التواصل على أشدّه حتى يومنا هذا، وهو ما يتجلى في عقد الندوات والمؤتمرات الفكرية والحوارية ومعارض الكتب والبرامج والاحتفاليات الثقافية والزيارات التي يتم تنظيمها للكتاب والمؤلفين والشعراء ورجالات الفكر والفلسفة والأدب الذين يقصدون الإمارات من كل أصقاع الأرض. وتُعدّ أبوظبي ودبي مقصداً مهماً لنجوم السينما الهندية الذين يفضلون إطلاق العروض الأولى لأفلامهم في أجواء الإثارة وأماكن العرض المتطورة التي تذخر بها الإمارات. ولا غرابة بعد كل هذا أن نرى الآلاف من الفنانين والممثلين والرسامين الهنود وقد اختاروا الإمارات وطناً ثانياً لهم. وعلى نحو مشابه، يشهد جناحا أبوظبي والشارقة في «معرض نيودلهي الجديد للكتاب» إقبال الآلاف من المثقفين والقراء الهنود. ويمكن اعتبار الإنجازات الأدبية التي حققتها «جائزة الشيخ زايد للكتاب» من خلال دعوة مشاهير المفكرين والمؤلفين والشعراء الهنود والعرب لحضور معارض الكتب ومشاركتهم لعامة الناس في هذه الاحتفاليات الأدبية، بمثابة المثال الحي على عمق اهتمام البلدين بالنتاجات الثقافية والأدبية والفنية لبعضهما البعض. وساهم مشروع «كلمة» الذي أطلقته أبوظبي قبل بضع سنوات، في ترجمة ونشر عدد كبير من الكتب لكتاب هنود معاصرين إلى اللغة العربية خلال الفترة القريبة الماضية. وفي المقابل، ساهم «المركز الثقافي الهندي- العربي» في نيودلهي وبالتعاون مع مشروع «كلام» QALAM في ترجمة ونشر عشرات الكتب لكتّاب إماراتيين إلى اللغة الهندية وبقية اللهجات المحلية المنتشرة في الهند. ولم يكن بالإمكان تحقيق كل هذه الإنجازات، لو لم يتوافر الدعم والتشجيع من القيادتين السياسيتين وحكومتي البلدين وتصميمهما على رفع العلاقات التاريخية بينهما إلى ذرى جديدة. ويمثل وجود 2,8 مليون هندي ينتمون إلى أديان وأصول عرقية مختلفة، ويعيشون في مختلف أرجاء دولة الإمارات ضمن مجتمعها المسالم والمتسامح، أكبر وأوضح دليل على ذلك. ويبلغ مجمل التحويلات المالية السنوية للمقيمين الهنود في الإمارات نحو 13 مليار دولار، ويبلغ عدد الرحلات الجوية الأسبوعية بين المطارات الهندية والإماراتية 1070 رحلة، وبما يساهم في تعزيز العلاقات بين الدولتيــن ويزيد من المصـالح المشتركة بينهما عمقاً وتجذّراً. *مدير المركز الإسلامي في نيودلهي علاقات استراتيجية متنوعة الإمارات والهند تتعاونان بشكل وثيق في عدد من الحقول الاستراتيجية، بما فيها استكشاف الفضاء. وتتشاركان في المعلومات الاستخباراتية لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني وغسيل الأموال والجريمة المنظمة، وتعقدان اجتماعات منتظمة بمشاركة مستشاريهما المتخصصين في قضايا الأمن الوطني، ويقوم بينهما «حوار أمني استراتيجي» على أعلى المستويات. ويقوم بين البلدين تعاون مشترك في مجال الأمن الافتراضي والأمن البحري والتعاون المتبادل في تقديم المساعدات الإنسانية في حالة حدوث الكوارث الطبيعية والصراعات، ولقد عملت الدولتان على تعزيز العلاقات الدفاعية من خلال إجراء المناورات المشتركة، وتدريب أفراد الجيش، وفي مجال الدفاع عن الشواطئ. ولقد شاركت الإمارات في مناورات «مراجعة الأسطول البحري الدولي» التي أجريت في الهند بداية العام الماضي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©