الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في تفسير

في تفسير
31 يناير 2008 01:22
في إطار محاولة ابتذال بعض المفاهيم النقديّة والسِّيمَائيّة الجديدة، وإشاعتها بين القرّاء، نودّ أن نعرض اليوم لمفهوم ''التَّمَدْلُل'' (وهو من ترجمتنا) الذي يعني في اللغة الفرنسيّة القديمة: (La signifiance)· وقد أُنشئَ من حيث هو لفظٌ معجميّ زُهاءَ سنة 1155 للميلاد بمعنى: ''المعنى الآخر''، وقد جاءوا به من ''المدلول''· ويعني في اللّسانيّات: ''فِعْل الاشتمال على معنىً''· ولقد وقع اختلاف كبيرٌ، وغموض شديد، من حول المعنى الحقيقيّ لهذا المفهوم الجديد الذي أنشأته جوليا كرسْتيفا من اللّغة الفرنسيّة القديمة فنفختْ فيه دلالة سيمَائيّةً جديدةً لم تكن فيه، في التنظيرات الفرنسيّة نفسِها، فأتعبت المنظّرين من بعدها فلم يبلغوا به إلى مستوى المفهوم الواضح، إلى اليوم· ولم يكد يتناول هذا المفهوم بعد جوليا كرستيفا، فيما لدينا نحن من مصادر على الأقلّ، إلاّ بارت، وتودوروف، وأريفي، ودكرو، وشيفر، ومعجم ''روبير الصغير''··· وأمّا بَنْفُنيست، ولاكان: فمِشال أريفي يزعم أنّ جوليا كرستيفا هي التي أخذته منهما لدى استعماله· ويعني هذا المفهوم، بوجه عامّ، في الكتابات المتفرّقة، القليلة، عنه، أنّه النّصّ في حال اعْتِماله؛ ولذلك فهو لا يُقرّ بالحقول التي تفرضها علوم اللّغة· فهذه الحقول يمكن الإقرار بها في مستوى ''النّصّ التامّ''، وليس في مستوى ''النّصّ الْخَادِج'' الذي هو بصدد النشوء، ولكنّه لا يبرح ناقصاً لَمّا يكتمل· فكأنّ التَّمدْلُل من العناصرِ المكوّنة للنشاط الذهنيّ والفنّيّ والخياليّ والجماليّ تتضافر معاً حين يكون النّصّ بصدد النّشوء؛ ذلك بأنّ كلّ الأطراف تتدخّل متضافرةً صوتيّاً ودلاليّاً ونسْجيّاً وخياليّاً لمحاولة إنشاء هذا المولود الجديد الذي هو النّصّ في حالاته الأولى، وبتعبير لغويّ قديم أدقّ: حين يكون النّصّ في حال ''الحافرة''· بل إنّ هذا النّصّ الأوّلي يمثُل في مستويين اثنين: المستوى الأوّلِ ويتجسّد في تمخّض النّصّ وتكوّنه في حالته الفطريّة، أو حين يكون في الحافرة (أي حين يكون في مستوى ''الجِينو/ تَكسْت'')· في حين أنّ المستوى الآخر يعني بلوغ النّصّ حالةً من الوضوح والمثول والتّمَام من الانتساج فيكون في مرحلته التي يبلغ فيها حدّ المثول في صورته المكتملة، أو النهائيّة، (أي يغتدي في مستوى ''الفينو/ تكست'')· وأيّاً ما يكن الشّأن، فإنّ كرِسْتيفا هي صاحبة مفهوم التمدلل، وهي التي اختصَّتْه بمقدارٍ صالحٍ من الاحتفال، نتيجة لذلك، في مقدّمة كتابها الآنف الذكْر، وقد عنونَتْ فصلها فيه: ''النّصُّ وعِلْمُه''· ومن أهمّ ما تكتبه كرستيفا عن هذا المفهوم قائلة: ''إنّنا نعيّن بقولنا: ''التمدْلُل'': العمل القائم على الْمُفاضلة، والبذْر والمواجهة التي تعتمِل داخل اللّغة؛ فتضع فوق خطّ النّاصّ سلسلةً دالِّيَّةً تبليغيّةً، ومُبَنْيِنَةً من الوجهة النحويّة؛ بحيث إنّ التحليل النّصّي الذي يدرُس في النّص التَّمَدْلُلَ وأنواعَه، سيكون عليه اجتيازُ الدّالّ مع الموضوع والسِّمَة والنظام النّحويّ للخطاب معاً، من أجل بلوغ هذه المنطقة حيث تتراكم البذور التي تُعطي دلالةً داخل حضور اللّغة''· ويبدو أنّ الذين جاءوا بعدها لم يزيدوا على لوك مقولاتها عن هذا المفهوم السِّيمائيّ·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©