السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الحواجز التجارية تدفع «العولمة» إلى الاتجاه العكسي

الحواجز التجارية تدفع «العولمة» إلى الاتجاه العكسي
2 يوليو 2018 02:09
لقد أمضت الشركات عقوداً في استثمار كل خطوة من خطوات الإنتاج لضمان الحصول على أفضل عائد من الربح، وذلك وفقاً للمكان الذي تتم فيه عملية التصنيع عن طريق دراسة جدوى لحجم وتوافر العمالة الماهرة في تنفيذ هذا النوع من الصناعات مع توافر البنية التحتية اللازمة بشكل يضمن سهولة وسلاسة حركة الإنتاج على النحو الأمثل. وفي الوقت الراهن ومع زيادة الحواجز التجارية، فإن أصحاب الأعمال يصارعون من أجل عودة حركة الصناعة إلى المحلية وتترك خلفها العالمية. خططت شركة هارلي دافيدسون الأميركية الشهيرة للدراجات النارية لنقل بعض خط إنتاجها من الولايات المتحدة لتجنب الرسوم الانتقامية التي من المتوقع أن تفرضها دول الاتحاد الأوروبي على الصادرات من الولايات المتحدة رداً على تعريفات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وما تقدم عليه هارلي دافيدسون هنا هو قمة جبل الجليد الذي قد يظهر للجميع، ولكن ما خفي كان أعظم. فمن ناحية أخرى، نجد الآن مصنعي السيارات في ألمانيا يقومون بتصدير بعض الموديلات إلى الولايات المتحدة من ألمانيا، كما يصدرون موديلات أخرى تُصنع في أميركا إلى الصين. وهذا لا معنى له إذا كانت الولايات المتحدة تفرض تعريفات جمركية على السيارات الألمانية الصنع وتفرض الصين رسوماً جمركية على السيارات التي تصنعها الولايات المتحدة. وفي الأسبوع الماضي، حذرت إيرباص من أن صفقاتها في المملكة المتحدة يمكن أن تتعرض للتهديد بمجرد مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي؛ لأنها تعتمد على المعايير التنظيمية الموحدة للاتحاد الأوروبي ككتلة واحدة مستفيدة من ميزة حرية تنقل قطع الغيار وغيرها، عبر الحدود بين الدول الأوروبية. من ناحية أخرى، قالت شركة بومباردييه، إنها ستقوم بتجميع بعض الطائرات في ولاية ألاباما الأميركية بدلاً من كندا للتهرب من الرسوم التي تفرضها الولايات المتحدة على الواردات من دول ومنها كندا. سلاسل التوريد ومع إعادة تنظيم سلاسل التوريد لخدمة الأسواق المحلية، فإن عدد الوظائف المكتسبة أو المفقودة بسبب تنقل حركة الصناعة من منطقة لأخرى، ربما ينتهي تماماً لتعود معدلات التوظيف والبطالة إلى وضعها الذي سبق العولمة. أما التكاليف الحقيقية، فستكون أكثر دقة، وهذا سيؤدي حتماً إلى أسعار أعلى وخيارات أقل بالنسبة للمستهلكين. ما قبل العولمة والشركات متعددة الجنسيات، كانت الشركات تعمل محلياً، وتقدم منتجاتها إلى الأسواق المحلي فقط، وبالتالي لم تكن هناك تهديدات بفرض رسوم جمركية عليها، ولكن في الوقت ذاته كانت هذه الشركات تعاني ربما بسبب زيادة الأجور أو عدم توافر العمالة الماهرة مما يترجم إلى عمليات إنتاج صغيرة مع دفع تكاليف باهظة للإنتاج. ومع تقليص الحواجز التجارية وتقليل تكاليف النقل، بدأت سلاسل الإمداد عبر الحدود تتشكل وتمثل حلاً لمشكلات متعددة كانت تعانيها الشركات. وبعد توقيع الولايات المتحدة وكندا على ميثاق السيارات في عام 1965، أصبحت صناعات السيارات الخاصة بهما واحدة. وتمكنت اتفاقية التجارة الحرة لدول أميركا الشمالية المعروفة باسم «نافتا» إلى خلق المزيد من سلاسل التوريد بين الولايات المتحدة وكندا وكذلك المكسيك. في عام 1996، أرست اتفاقية تكنولوجيا المعلومات مبادئ التجارة الحرة العالمية في مجال منتجات تكنولوجيا المعلومات، مما حفز سلاسل الموردين المعقدة التي تربط الخبراء والمصممين والمهندسين في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان مع التجميع والتصنيع في جميع أنحاء شرق آسيا ليصل المنتج شبه متكامل إلى المستهلك. تكلفة التصنيع كانت الفوائد التي تعود على المستهلكين كبيرة، حتى لو لم يدركوا ذلك. فعلى سبيل المثال، فان معظم السيارات التي تباع في البرازيل وبسبب قوانين الحماية يجب تجميعها هناك. ونتيجة لذلك، فإن مبيعات السيارات الشعبية في البرازيل تباع بنسبة ما يقرب من 50% أكثر من مثيلتها في المكسيك التي تخضع لقواعد العولمة. من شأن تجميع جهاز iPhone بالكامل في الولايات المتحدة من المكونات المصنعة في الولايات المتحدة أن يضيف ما يصل إلى 100 دولار إلى تكلفته، وفقاً لما تناوله تقرير نشر في عام 2016 في مجلة معهد ماسشوسيتس للتكنولوجيا. هذا يفترض، بطبيعة الحال، أن يثبت أن قرار شركة ابل بشأن نقل سلسلة التوريدات الخاصة بها إلى مناطق أخرى خارج الولايات المتحدة كان قراراً ناجحاً. ولكن عندما بدأت بسبب ضغوط مارستها إدارة رئيس الولايات المتحدة السابق باراك أوباما، بنقل عمليات تجميع أجهزة الكمبيوتر من خارج الولايات المتحدة إلى مدينة أوستن، بولاية تكساس، واجهت «آبل» العديد من مشكلات ضبط الجودة، بالإضافة إلى تعقيدات توظيف ورعاية القوة العاملة. وبينما يتم تصوير العولمة بشكل روتيني على أنها سيئة بالنسبة للعمال الأمريكيين، فإن الحقيقة أن هذا الأمر لا يمكن قياسه بسهولة. فالوظائف التي تنطوي على الأعمال الروتينية والتي لا تحتاج إلى مهارات خاصة ربما لا تتوافر في سوق العمل الأميركية بقدر توافر الوظائف الخاصة بأعمال الأبحاث والتسويق والتصميم المتطورة. وتمثل الشركات الأميركية متعددة الجنسيات 23% من العمالة في القطاع الخاص في الولايات المتحدة، و 53% من الصادرات و79% من الأبحاث والتطوير، وفقًا لما ذكره الاقتصادي ماثيو سلوتر من كلية دارتموث الأميركية. وأضاف أن هذه الشركات تدفع أكثر من المتوسط الذي يدفعه القطاع الخاص الأميركي بمقدار الثلث. وكان التخفيض الضريبي الذي أقره الكونغرس ووقعه الرئيس دونالد ترامب العام الماضي يهدف إلى تعزيز نقاط القوة الأميركية تلك. وكتب مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض أن تخفيض ضريبة الشركات، والقضاء على فرض الضرائب على الأرباح الأجنبية وفرض عقوبات جديدة على تحريك الأرباح، تحفز «هذه الشركات ذات الأجور العالية على أداء المزيد من عملياتها في الولايات المتحدة». ولكن في الواقع، فإن ارتفاع الحواجز التجارية ستقف بالمرصاد لهذه المنافع المنتظرة. رد الفعل العنيف ضد العولمة يسبق بزمن طويل وصول الرئيس ترامب إلى سدة الحكم، فقد تولدت ردة الفعل تلك مع انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001. واستخدمت الشركات الغربية الصين كقاعدة للتصدير إلى بقية العالم، لكن الصين لم ترد بالمثل: لقد استخدمت العملة الرخيصة مقابل الدولار الأميركي والعملات الرئيسة الأخرى مع فرض العديد من القوانين التي تفرض القيود على الواردات لوضع المزيد من الحواجز لمنع تدفق البضائع من الخارج إلى الصين. وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية، قلد عدد أكبر من البلدان ما تفعله الصين منذ سنوات بتحفيز الشركات على إنتاج المزيد محلياً. وسعت شركة «جنرال إلكتريك» الأميركية، قبل اندلاع الأزمة الأخيرة، إلى إعادة تشكيل نفسها لهذا العالم الممزق من خلال نقل المزيد من عمليات الإنتاج إلى الخارج، مثل استثمار 200 مليون دولار في صناعة القاطرات في الهند لمد الهند نفسها بما تحتاج إليه من وسيلة النقل الرئيسة في البلاد. كما تخطط شركة هارلي ديفيدسون الأميركية للدراجات النارية بالفعل لنقل بعض إنتاجها إلى الخارج، وتحديداً إلى تايلاند لخدمة الأسواق الآسيوية بسبب التعريفات الآسيوية التي تفرضها عدداً من الدول انتقاماً من التعريفات التي تفرضها إدارة الرئيس ترامب على الواردات من العديد من الدول إلى الأسواق الأميركية. الشركات متعددة الجنسيات ويبدو أن الرئيس ترامب يسعى من خلال التعريفات التي يفرضها إلى نسخ ما فعلته الصين والهند ودول أخرى، وذلك بنقل الشركات متعددة الجنسيات لبعض خطوط إنتاجها إلى الولايات المتحدة. لكن فرض التعريفات على سلاسل التوريد الحالية مليء بالعواقب والسلبيات كعرض جانبي غير مقصود. ويستخدم الفولاذ الكندي خام الحديد من ولاية مينيسوتا الأميركية، لذلك فإن تعريفات ترامب تؤلم الجانبين الكندي والأميركي. وحوالي 17 % من قيمة السيارات المكسيكية الصنع المصدرة إلى الولايات المتحدة نشأت في الأساس في الولايات المتحدة، وذلك وفقاً لمركز أبحاث بروغل، ومقره بروكسل. وعلى صعيد آخر، نجد أن شركة بيكيت غاز الأميركية، وهي شركة مصنعة لمكونات الغلايات والأفران وسخانات المياه، قامت بتحويل الإنتاج من الخارج إلى مصانعها في منطقة كليفلاند الأميركية خلال عدد من السنوات الماضية. وخلال تلك الفترة قامت بتحسين عملية الإنتاج باستمرار مع السيطرة على السلبيات التي انطوت على نقل خطوط الإنتاج إلى داخل الولايات المتحدة وبالتالي فإنها الآن لا تخضع للمشكلات الناشئة من فرض الرسوم الجمركية، وتقوم الشركة الآن ببيع إنتاجها في جميع أنحاء العالم. ولكن ما حققته الشركة حتى الآن معرض للخطر بسبب التعريفة الجمركية البالغة 25% على الصلب المستورد إلى الولايات المتحدة، وهي المدخلات السائدة في منتجات شركة بيكيت. ويقول موريسون كارتر، الرئيس التنفيذي للشركة: «هناك منافسون أجانب فقط لما نقوم بإنتاجه». لدى هؤلاء المنافسين الآن ميزة تكلفة أقل بنسبة 25%. ويشعر كارتر بالقلق من أن زبائنه، الذين لديهم بالفعل فرصة للحصول على إنتاج مماثل من مصانع مكسيكية، سوف يتحولون إلى موردين مكسيكيين. وأشار إلى أن الشركة على استعداد لتحمل بعض الألم على المدى القصير لتحقيق مكاسب على المدى الطويل من أجل البقاء كلاعب أساسي في السوق. ولكن. قال كارتر، إن الشركة «سننقل الإنتاج إلى الخارج كلما أمكن ذلك إذا اصبح فرض التعريفات أمر واقع ودائم». وبالطبع، فإن سلاسل التوريد التي استغرقت سنوات عدة لتثبيت ركائزها لن تغير ما حققته بين عشية وضحاها. فما زالت الشركات تأمل في أن تنتهي موجة الحمائية، ويعيد منطق العولمة تأكيد نفسه. لكن بالتأكيد الجميع بلا شك في يفكر في السيناريو الأسوأ ويضع خططاً بديلة مثلما تفعل شركة هارلي ديفيدسون. * الكاتب: جريج ايب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©