الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليبيا.. حل سياسي لإشكاليات أمنية

4 يونيو 2014 00:03
‎فريدريك ويهري باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط بمعهد كارنيجي للسلام الدولي تواجه ليبيا أعمال عنف هي الأسوأ من نوعها منذ اندلاع ثورتها عام 2011 لتقذف بالبلد في أتون مرحلة جديدة من انتقالها المتعثر نحو الديمقراطية الموعودة، وهو الأمر الذي يطرح تحديات كبيرة ليس فقط لليبيا والليبيين، بل أيضاً للولايات المتحدة التي تراقب ما يجري بقلق بالغ، فقد تحرك مؤخراً الجنرال المتقاعد، خليفة حفتر، ومعه تحالف متنوع من القبائل الشرقية، وضباط سابقون في الجيش، بالإضافة إلى سياسيين من ذوي التوجه العلماني، ليشن هجوماً مسلحاً على الميلشيات الإسلامية في بنغازي، بل إن وحدات بأكملها في سلاح الجو ومعها قائد القوات الخاصة في المدينة، الذي يتمتع بمكانة مرموقة لدى السكان، شاركت في الهجوم، بعد أن انشقت عن النظام المؤقت وانضمت إلى حفتر. والمشكلة أن العنف المستجد لم يقتصر على بنغازي، حيث يقيم «حفتر» ومعه قاعدته، بل امتد إلى العاصمة طرابلس من خلال حلفائه هناك الذين لم يترددوا في التجاوب مع الجنرال ومهاجمة «المؤتمر الوطني» العام الذي يمثل الهيئة السياسية والدستورية الوحيدة في ليبيا، مطالبين بحله وتعطيل نشاطه. وفيما أعلنت ميلشيات الزنتان المناوئة للإسلاميين انضمامها إلى «حفتر» ومشاركتها في خطته، ناشد «المؤتمر الوطني» الذي يهيمن عليه الإسلاميون ميلشيات مصراتة المعروفة بتعاطفها مع الإسلاميين للتدخل وحماية المؤتمر من المعتدين، ويبدو أن ليبيا لحد الآن تجنبت الدخول في حرب أهلية واضحة، رغم توافر جميع العناصر المحرضة، كما أن ميلشيات «مصراتة» القوية اكتفت بالتريث والانتظار. وفيما يبدو أنه نوع التسوية تم الاتفاق على إجراء انتخابات لاختيار مجلس تشريعي جديد في 25 يونيو الجاري، لكن رغم الاتفاق على موعد للانتخابات فتحت أعمال العنف الأخيرة الباب على مصراعيه أمام سابقة خطيرة بعد أن بدت ليبيا، وكأنها متجهة نحو سياسة الانقلاب، واستيلاء الجيش على السلطة، فتحرك «حفتر» في هذا الاتجاه يضع أميركا أمام تحديات جمة، بعد أن اقتصرت سياستها في الفترة الأخيرة على إبداء حسرتها على استهداف البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي، والدخول في مراجعة لا متناهية بشأن الحادث الذي غالباً ما يتم توظيفه لأغراض سياسية في واشنطن، هذا ناهيك عن تركيز السياسة الأميركية في ليبيا على امكافحة الإرهاب وبناء جيش وطني. والحقيقة أن انقسامات ليبيا أعمق وأكثر تعقيداً، ولا يمكن بأي حال اختزالها في رواية التناقض بين الليبراليين والإسلاميين، ففي بنغازي يتحدث أصدقاء أعرفهم عن حالة الإرهاق والسأم التي أصابت المواطنين جراء أعمال العنف المتكررة، فيما أكد آخرون إحباطهم إزاء «المؤتمر الوطني»، الذي يسيطر عليه الإسلاميون، والذي فشل حتى اللحظة في إخراج البلاد من أزماتها وفرض قدر من الاستقرار والأمن، لذا يتم التعامل مع حفتر، إما على أنه البطل الذي سيخلص ليبيا من آفة العنف والقادر على وضع البلاد على سكة الديمقراطية، أو أنه الرجل القوي الذي ينتظر مثله مثل غيره من بعض الزعماء العرب فرصة الانقضاض على السلطة وركوب موجة شعبوية توصله إلى الحكم، وهنا لا يمكن أبداً استبعاد أوجه التشابه بين ليبيا وما يجري في مصر التي انتُخب فيها عبد الفتاح السيسي رئيساً، وإن كان لا يجب التعويل كثيراً على المقارنة بين الحالتين. ففي بنغازي ومنذ شهر نوفمبر الماضي سُمعت دعوات متعددة تطالب برجل على غرار السيسي ينقذ البلاد من الإسلاميين، ويبدو أن حفتر تقدم للتجاوب مع النداء، يدلل على ذلك تصريحاته الأخيرة للإعلام بأن هدفه هو «تطهير» ليبيا من الإخوان المسلمين والإرهابيين، كما تحدث مؤخراً باسم «المجلس العسكري الأعلى» مستعيراً اسمه على ما يبدو من الساحة المصرية، وهو بذلك يكون قد استخدم خطاباً خطيراً يتوسل «التطهير» كأساس للوصول إلى السلطة، رغم أن تاريخ ليبيا يشير إلى تقليد عريق في بناء التوافق للحفاظ على استقرار ليبيا ووحدة أراضيها. وأمام هذا الوضع يتعين على الولايات المتحدة الابتعاد عن مسألة بناء الجيش الليبي كدرع لمحاربة الإرهاب، فما نشهده اليوم في ليبيا ليس مواجهة بين الجيش من جهة والميلشيات المسلحة من جهة أخرى، بل صراع بين جيوش متعددة كل واحد منها يدعي الشرعية وحقه في الحكم، ولنتذكر فقط أنه حتى قبل اندلاع الاضطرابات الأخيرة فشل مشروع أميركي لتدريب وحدات من الجيش الليبي بمساعدة بريطانيا وتركيا والمغرب وإيطاليا لتشكيل ما أُطلق عليه «قوات عامة متعددة الأغراض»، بسبب الأسئلة التي ظلت معلقة حول استيعاب تلك القوة لجميع المكونات، وأهدافها الحقيقية، فضلاً عن خضوعها للإشراف المدني. فبالنظر إلى حالة الانقسام الحاد التي تعيشها ليبيا، فقد تتحول تلك القوة إلى ميلشيا خاصة تدافع عن أجندة قائد طموح مثل «حفتر». وبدلاً من التركيز على بناء الجيش، فإن ما تحتاجه ليبيا الآن هو اعتماد مقاربة شاملة ومندمجة تعالج الإشكال الأمني، فالاستقرار لا يتحقق فقط عبر تدريب الجيش وتجهيزه، بل يتطلب إنشاء هيئة على غرار مجلس وطني للأمن، ووقف مخصصات الميلشيات المالية التي تتم تحت الطاولة، وزيادة رواتب أفراد الشرطة والجيش النظاميين، بالإضافة إلى إجراءات أخرى تضمن ألا تنقسم القوة الجديدة على أساس جهوي، أو فصائلي، على أن الحل النهائي للمعضلة الأمنية في ليبيا إنما يكمن في المجال السياسي، لا سيما في كتابة دستور جديد، وإصلاح «المؤتمر الوطني العام»، فضلاً عن إطلاق عملية المصالحة وطنية تحت مظلة حوار وطني ممتد، وهنا يمكن للولايات المتحدة وبقية الفاعلين الدوليين تقديم المشورة والمساعدة على أن يتحمل الليبيون أنفسهم عبء التوصل إلى توافق سياسي، والأهم من ذلك يجب ألا تتغاضى واشنطن عن انجراف ليبيا نحو الحكم السلطوي الذي يمثله «حفتر»، مهما بلغت الفوائد المرتجاة على المدى القصير، ذلك أن هذه الصفقة لن تكتفي بإلحاق أفدح الأضرار بمستقبل ليبيا على المدى البعيد، بل ستضرب في الصميم مصداقية القيم الأميركية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم سي تي إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©