الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلام بـــارد

1 ديسمبر 2008 02:43
سبق وأن حقق باراك أوباما انفصالاً لغويـــاً عن اللغة المتغطرســـــة التي لا تخلو من السلطوية لإدارة الرئيس بوش المنتهية ولايته، إذ بدأ استخدام لغة جديدة يتم من خلالها إعادة طرح الولايات المتحدة كمكان شمولي بشكل خاص وغير اعتيادي ''يمكن فيه تحقيق أي شيء''· لا يقتصر الشعار، ''نعم، نستطيع''، والذي تحول إلى نعت جديد شائع الاستعمال، على تحقيق تحولات داخل المجتمع الأميركي، فقد أكّد أوباما تكراراً المفهوم الويلسوني القديم بأن قدر أميركا هو تحويل العالم كله· فالتحرك إلى الخارج منقوش بعمق في لغة هذا الرئيس القادم· فأوباما في خطاباته أكثر عالمية من بوش بما لا يقارن· ويشكل هذا التفاؤل الذي استحدثه الاختراق اللغوي أمراً أساسياً في الشفاء من ''مرض العراق'' الذي قمع النخب السياسية في الولايات المتحدة· إنه الخطوة الأولى باتجاه إعادة التأكيد على سلطة أميركا الأخلاقية الضائعة على المستوى العالمي· والخطر بالطبع هو أن يؤدي ''عامل أوباما'' إلى كبت التواضع الذي فُرِض على اليمين بعد كارثة العراق والفشل الاستراتيجي في أفغانستان· وبعد أن ينهي مشروعه، قد يجد سكان العالم غير الغربي أنفسهم في مواجهة رئيس أميركي آخر قدره أن يشكّل نظاماً عالمياً لا يحترم الوقائع على الأرض· فهل هناك إذن أي فرق؟ أعتقد في هذه الأثناء أن هناك احتمالات لنتيجة مختلفة· ستكون إيران أول تحدٍ لمعرفة ما إذا كانت الأمور ستتحرك نحو هذه النتيجة· لقد أكدّتُ أن هناك فرصة لسلام بارد بين إيران والولايات المتحدة· وأنا متفائل، لكن بحرص لأنه برزت في الجمهورية الإسلامية حالة إجماع على أن العلاقات الدبلوماسية مع أميركا أمر مرغوب فيه· ورغم الطروحات الغاضبة والمواقف المولعة بالقتال من قبل بعض الإيرانيين المحافظين، والتي تقابَل بمواقف مماثلة من قبل نظرائهم الأميركيين، فهناك تفهم بدأ يبرز بأنه يمكن لإيران تقبّل ''العامل الأميركي'' في الشؤون الدولية دبلوماسياً، دون تعريض مصالح الجمهورية الإسلامية للخطر· ويظهر الرئيس الإيراني، حسب معايير القدرات اللغوية والذكاء الدبلوماسي، غريماً غير محتمل في أي تقارب أميركي إيراني· ورغم ذلك فقد أصبح أول زعيم إيراني خلال عقود ثلاثة يهنئ الرئيس الأميركي المنتخب، وهي إيماءة اعترف بها أوباما مؤخراً· وبالطبع، عندما تكلم الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي عن الحوار والانفراج في علاقات البلدين، أواخر تسعينيات القرن الماضي، تم تأنيبه بقسوة من قبل اليمين الإيراني وإلقـــاء اللائمــة عليه بوحشية لأنه ''ضحّى بقيم إيران الثوريــة''· لم تكن هناك شكـــاوى مماثلة فيما يتعلق بمقدّمات أحمدي نجاد الأكثر إيجابية تجـــاه الولايات المتحدة· ويعود هذا جزئياً لأن طرح أوباما الحذر هيأ الوضع لفتحة جديدة في علاقات الدولتين· ليست مهمة المفكرين أن يتنبأوا أو يصبحوا مستشارين للدولة، لكننا نفشل في مسؤوليتنا إذا لم نخض بين الفينة والأخرى مجالات تبرز أهمية الحوار والانخراط، التي تعتبر وعودها تستحق الجهد· أعتقد أن الأمل بدخولنا عهداً أكثر سلاماً في السياسة الدولية هو سبب إعطاء العديد من الأوروبيين والعرب والمسلمين والإيرانيين والأفريقيين والكوبيين والفنزويليين والبوليفيين··· أوباما إمكانية تحريك المارد العملاق في اتجاه مختلف· لكن أليس ذلك إثباتاً آخر على الغطرسة والوقاحة المتعلقين بالرغبة في تحسين العالم من خلال اختراع مارد متسامٍ ورفعه فوق الواقع من خلال إعطائه قدرات تفوق قدرات الإنسان؟ هل يمثل أوباما ابتعاداً عن عهد الأساطير الأميركية وميلاً متأصلاً باتجاه تبجيل الذات، أو قدوماً جديداً للظاهرة ذاتها؟ العديد من الأميركيين مقتنعون اليوم بأنهم أعادوا تأسيس أرض صلبة يمكنهم الانطلاق منها مرة أخرى لإجراء تغييرات هائلة داخل بلدهم، وفي العالم كله، وهذا أمر حرج· يبدو لي أن مواقف كهذه من الترفّع الإيجابي لها مخاطرها، وأنها قد تؤدي إلى كوارث جديدة خاصة في دول ''العالم الثالث''· لذا، وفي هذه المرحلة، أجدني أكثر أملاً من كوني متأكداً من أن فترة أوباما الرئاسية لن تتحول إلى قمة أخرى من الوحشية في الشؤون الدولية· ولكن هناك على الأقل ذلك الشعور بالأمل· أرشين أديب مؤلف كتاب إيران في السياسة العالمية: قضية الجمهورية الإسلامية ينشر بترتيب مع خدمة كومن جراوند
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©