الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصالح أميركا ومصالح العرب

23 مايو 2011 20:13
طرح أوباما السؤال: أي دور ستلعبه أميركا فيما تتكشف فصول التغيير في العالم العربي؟ وأجاب: "على مدى عقود من الزمن عملت الولايات المتحدة على مجموعة من المصالح الجوهرية في المنطقة، وهي: مكافحة الإرهاب، ووقف انتشار الأسلحة النووية، وضمان حركة التجارة الحرة، وضمان أمن المنطقة، والذود عن إسرائيل وأمنها، والسعي إلى سلام عربي -إسرائيلي". وقال: "سنواصل هذا العمل في ضوء إيماننا الراسخ بأن مصالح أميركا لا تتناقض مع آمال الشعوب بل هي أساسية لها". الأصح والأوضح هو القول إن الولايات المتحدة عملت طوال تلك العقود مع أنظمة وحكومات، ورتَّبت مصالحها معها. أما انسجام مصالح أميركا مع مصالح الشعوب فليس نتاج "إيمان راسخ"، أي قديم، بل نتاج رؤية جديدة وطارئة ستبقى مجرد رهان أو فرضية إلى أن يتبرهن القول بالفعل. فمن تعوّد أن يحصّل مكاسبه في كواليس السرايات، ومن تحت الطاولة في معظم الأحيان، قد لا يصادف اليسر والسلاسة نفسيهما مع أنظمة وحكومات منتخبة محكومة بمقدار وفير مفترض من النزاهة والشفافية. من هنا أن المهمة التي يلزم أوباما نفسه بها قد تكون سهلة في منبر خطابي يرمي إلى تظهير حصة أميركية ما في إلهام التحولات الشبابية ومواكبتها. أما على أرض الواقع فتبدو مهمة إيهامية إن لم تكن مستحيلة. لماذا؟ لأنه كلما قيل للعرب إن أميركا تراجع، تعيد النظر، تصحح، وتتغير، كلما تبين أن سياسات أميركا راسخة إن لم تكن متحجرة في ما هي عليه منذ "عقود من الزمن". فهذه الدولة العظمى التي تلح على كل الدول والشعوب كي تكون واقعية تحتكر لنفسها حق أن تكون لها "أيديولوجية حكم" غير قابلة للتغيير إلا في بعض التفاصيل، ومن تلك التفاصيل أن يأتي بين حين وآخر رئيس مثل أوباما لديه كلام جميل للبيع وليست لديه سياسات عملية للتغيير. وقبل كل شيء ينبغي التوافق على المنطلقات. كان خطاب أوباما موجهاً إلى الشعوب العربية الناهضة لإحداث تغيير في أوضاعها، وبالتالي فهو لم يكن مضطراً لخلط الأوراق أو بعثرتها. فباستثناء مصلحة عربية- أميركية مشتركة لاشك فيها، وهي ضمان تدفق النفط، تبدو "المصالح" الخمس الأخرى التي حددها مرتبطة خصوصاً وحصريّاً بتحقيق مصالح إسرائيل، أو لنقل إنها على الأقل موضع جدل لأن أميركا لم تكن -وليس مؤكداً أنها ستكون- فيها "شريكاً- نزيهاً وشفافاً ومحايداً. على سبيل المثال: مكافحة الإرهاب. فهذه يمكن أن تؤخذ في ظاهرها كـ"مصلحة أميركية"، لكن الشعوب العربية التي يقول أوباما إن مصالح بلاده تلتقي مع مصالحها تعتقد أن ثمة مسؤولية أميركية رئيسية في نشوء ظاهرة الإرهاب، التي تعتبرها غريبة على مجتمعاتها ومعتقداتها، كما تعتقد أن أميركا تتهرب من الاعتراف بهذه المسؤولية بل مزجت مكافحتها للإرهاب باستغلاله لأغراض سياسية، وصمتت على استغلاله إسرائيليّاً لضرب قضية الشعب الفلسطيني. وهذا عدا الاستغلال المتعلق بابتزاز الأنظمة والحكومات العربية، إذ لم يكن واضحاً أن "المكافحة" تدار بالمفاهيم والأساليب ذاتها مع العرب من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى. مثال آخر: وقف انتشار الأسلحة النووية. ومنذ تأكد وجود الترسانة النووية الإسرائيلية وامتناع تل أبيب عن الانضمام لمعاهدة عدم الانتشار، لم يعد لأي كلام أميركي في الموضوع أي قيمة أو مصداقية. وحتى السعي الأميركي لوقف البرنامج الإيراني لم يبدُ واضحاً حتى الآن على رغم العقوبات، ولذلك تميل الشعوب العربية إلى أن أميركا تريد التوصل إلى "معاهدة عدم اعتداء" بين إسرائيل وإيران، ولا تمانع -بل تفضل- جعل العرب مضغوطين بين قوتين نوويتين، كما أن الإسرائيليين والإيرانيين لا يمانعون صيغة "توازن رعب" بينهم مع تحديد نفوذ كل طرف على حساب العرب. نأتي إلى "الذود عن إسرائيل" و"السعي إلى سلام عربي- إسرائيلي". فالرئيس أوباما يطمح إلى إقناع الشعوب العربية بأن "أمن إسرائيل" و"السلام" هما مصلحتان أميركيتان لا تتناقضان مع المصالح العربية، لكنه يخفق في إقناع إسرائيل، وهي حليفة مزمنة لأميركا. ويبدو أن الصفحة الجديدة التي يرغب الرئيس الأميركي في فتحها مع العرب تسعى إلى نيل قبولهم إسرائيل كما هي، باحتلالها، وجرائمها وسرقتها للأرض وعربدتها الأمنية واحتيالها على متطلبات السلام... أي أن شباب التحولات العربية مدعو للعب الألاعيب التي لعبتها الأنظمة المتهاوية، فيبحث عن الحرية والكرامة في الداخل شرط أن يقبل الهوان عربيّاً. هذه معادلة أميركية لا يمكن أن تنجح. عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©