الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فشل خطة التقشف الإيرلندية!

8 أغسطس 2010 22:03
لقد أجرت إيرلندا خفضاً هائلاً في إنفاقها الحكومي لتكون بذلك أول دولة أوروبية تتخذ هذه الإجراءات في مواجهة تنامي معضلة عجز الموازنة الحكومية، وضمن محاولة السيطرة عليها. وسرعان ما انهالت الإشادات على هذا البرنامج التقشفي الصارم الذي تبنته إيرلندا، التي نظر إليها كثيرون على أنها دولة رائدة في تقديم النموذج العملي الذي يمكن أن تحتذيه بقية دول القارة العجوز. ولكن بعد مرور عامين من الجهود التي بذلتها دبلن في معالجة الصدمة المالية الاقتصادية التي تعرضت لها، لا تزال تواجه ارتفاع الدين العام، وتراجع الاستثمارات الخاصة، مع ارتفاع قياسي لمعدلات البطالة بين السكان. وبسبب هذه المشاكل، فقد ترددت تساؤلات عما إذا كانت "جزيرة الزمرد" هذه قد قدمت نموذجاً فعليّاً تحذوه بقية الدول، أم أن تلك الإجراءات قد تحولت إلى نموذج إرشادي تحذيري لبقية الدول؟ ومهما تكن الإجابة، فإن لها تداعيات على نطاق القارة الأوروبية كلها، وخاصة أن عدداً من حكومات دول القارة لا تزال تعاني من تأثيرات الأزمة المالية العالمية، وتصارع من أجل إنقاذ اقتصاداتها من مضاعفات الركود، ما دعا إلى ضرورة تبني إجراءات تقشفية حازمة تقوم على خفض الإنفاق الحكومي بشكل كبير. كما أن لهذه الإجابة أيضاً تداعياتها فيما وراء المحيط الأطلسي، حيث يثير المشرعون "الجمهوريون" تساؤلات بشأن تكلفة خطة الإنقاذ الاقتصادي التي تبنتها إدارة أوباما. ومن جانبهم يقول المسؤولون الحكوميون الإيرلنديون إن نتائج البرنامج التقشفي الذي تبنوه، ستكون تدريجية، وإن البرنامج صمم لإصلاح الوضع المالي والاقتصادي لدولة يبلغ تعداد سكانها 4.5 مليون نسمة، إضافة إلى توفير الظروف الملائمة للنمو الاقتصادي المستدام، عبر الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية. ولكن مع ملاحظة ارتفاع معدل البطالة إلى نسبة تجاوزت الـ 13 في المئة، مقابل انخفاض الطلب على السلع والخدمات من قبل المستهلكين، عبّر عدد من الاقتصاديين والمحللين عن قلقهم إزاء شبح انزلاق إيرلندا إلى هوة التباطؤ الاقتصادي، مؤكدين أن الخروج من هذه الهوة يبدو أكثر صعوبة بمرور الأيام. ومن هؤلاء الاقتصاديين والمحللين تساءل "مايكل بيرك" -وهو اقتصادي مقيم في لندن- قائلاً: "إن السؤال الرئيسي الذي نطرحه في الواقع سؤالان مترابطان: هل أدى الدواء الإيرلندي مفعوله الاقتصادي؟ وهل تحقق ما وعدت به الحكومة فيما يتصل بدور هذا الدواء الذي استخدمته في إنعاش النمو الاقتصادي؟ والإجابة عن هذين السؤالين هي كلا بالطبع". إذ لم يتحقق حتى هدف إنعاش الأسواق المالية الداخلية. وفي الوقت نفسه ازدادت تكلفة الديون الحكومية، بدلاً من أن تنخفض وفقاً لما وعدت به الخطة التقشفية، وخاصة إثر إعلان دبلن عن مزيد من الإجراءات التقشفية في نهاية العام الماضي. وفي الشهر الماضي، أكدت "وكالة مودي" المتخصصة في قياس معدل الائتمانات انخفاض معدل السندات الحكومية الإيرلندية. وعليه يستنتج "بيرك" أن الدواء لم يؤد مفعوله مطلقاً قائلاً إنه على عكس ذلك ربما يلحق الضرر أكثر بـ"المريض"! يذكر أن أوباما، بعث رسالة إلى قادة مجموعة الدول الكبرى الـ20 في الشهر الماضي، محذراً إياهم من مغبة الخفض الحاد للإنفاق الحكومي، لأن من شأن ذلك أن يخفض الطلب ويعطل النمو الاقتصادي. وعلى رغم تلك الرسالة التي عبر فيها أوباما عن قلقه من تأثيرات الإجراءات التقشفية، واصلت عدة دول أعضاء في مجموعة الـ20، خاصة بريطانيا وألمانيا، ودول أخرى خارج المجموعة مثل إسبانيا والبرتغال، تبنيها للإجراءات والبرامج التقشفية، مع ملاحظة أن بعضها غالى في رفع هذه البرامج إلى مدى من التقشف الاقتصادي، لم تشهده القارة منذ عدة عقود. يذكر أن إيرلندا كانت قد سلكت هذا الطريق أولاً، إثر انفجار فقاعة قطاعها العقاري على نحو مذهل في عام 2008، وفقدان "النمر السلتي" لأسنانه فجأة. ومنذ ذلك الوقت، واصلت دبلن إصدار الموازنات التقشفية، واحدة تلو الأخرى. وشملت خطة العام الحالي، خفضاً في الإنفاق العام بلغت قيمته ما يعادل 5 مليارات دولار، تقلصت فيها الخدمات العامة، وانخفضت أجور المعلمين والعاملين في مجالات التمريض وغيرها من مجالات الخدمة العامة. وتخطط الحكومة لتقليص ميزانية العام المقبل بما يعادل 3.9 مليار دولار أخرى. وحتى الآن، استفادت الحكومة كثيراً من إجماع واسع في الرأي على ضرورة تطبيق الإجراءات التقشفية، حتى يصبح ممكناً خفض العجز المالي الحكومي الذي تجاوزت نسبته 14 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. على أن المزاج العام السائد، على حد قول الاقتصادي "بيرك" هو: "دعنا نعاني بعض الشيء الآن، لنعود إلى ما كنا عليه من بحبوحة عيش ورغد قبل بضع سنوات"! وهكذا يتوقع الكثيرون أن "الدواء سيكون مؤلماً نوعاً ما، وأن عليهم تحمل الألم، قبل أن يؤدي مفعوله المطلوب". غير أن هناك كثيراً من المؤشرات على فشل الوصفة الاقتصادية الإيرلندية هذه. على رأسها تراجع شعبية الحكومة. كما نشرت صحيفة "آيريش تايمز" في أحد أعدادها الصادرة في شهر يونيو المنصرم، حججاً لكل من رئيس كونجرس النقابات، والرئيس المقبل لاتحاد الاستثمارات والمخدمين، تدعو الحكومة إلى زيادة الإنفاق العام والاستثمار. وفي شهر مارس الماضي بعث 28 من كبار الاقتصاديين والمحللين رسالة مفتوحة وموقّعة بأسمائهم، دعوها فيها إلى تغيير سياساتها وبرامجها الحالية. وحذر هؤلاء الحكومة من أن يؤدي التقشف إلى "قتل" الطلب والنمو الاقتصادي معاً. وقالوا أيضاً إن العائدات الضريبية ستنخفض، مقابل ارتفاع المديونية العامة قياساً إلى إجمالي الناتج المحلي. هنري تشو - لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©