الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طوفان القروض يواصل إغراق الأسر في سيل الإغراءات

طوفان القروض يواصل إغراق الأسر في سيل الإغراءات
20 مايو 2012
يرى اختصاصيون بعلم الاجتماع أن النتائج السلبية للقروض لا تتوقف عند حد الأزمات المالية، والاضطرابات التي تسببها على الصعيد الاقتصادي للشخص المقترض فحسب، إنما كثيراً ما نرى هذه الانعكاسات تضرب بأركان الاستقرار النفسي والاجتماعي، وتنتهي في أحوال كثيرة جدا إلى مأساة. وقالوا: عادة ما نرى أن الشخص الذي يعجز عن تصريف أمور حياته بمنطق وعقلانية قبل الاقتراض، يعجز أيضا عن تدبير أموره في ظل النقص الحاصل في دخله، نتيجة الاستقطاعات الشهرية للبنك القارض، فضلا عن الالتزامات الاجتماعية والأسرية التي تضاف إلى كاهل الشخص المقترض بالزواج أو بناء مسكن أو شراء سيارة، موضحين أن ارتفاع الأسعار ليس هو المتهم الرئيسي في كل الحالات، لأن هناك من تعود على ذلك، وأصبح الاقتراض بالنسبة له حلاً يسارع إليه مع أول موقف يحتاج خلاله إلى بعض الأموال. هناء الحمادي (أبوظبي) - أوضح خبير اجتماعي أن المقترض يجد نفسه ممزقاً بين احتياجات الحياة اليومية المتعددة وبين ضعف قوته الشرائية في الأسعار المرتفعة، وهو ما يدفعه إلى الاقتراض، ويعجز أحياناً عن السداد فيتورط في أزمات تسبب له أزمة مالية، مشيراً إلى أن الشخص المقترض في هذه الحالة ليست لديه القدرة على التعامل الصحيح مع متغيرات الحياة، فيقع في ليلة وضحاها أسير ديون لا طاقة له بسدادها ولا مفر من مواجهة المصير الحتمي، الذي يتطلب منه إما السداد أو الملاحقة القانونية. ضحايا الاقتراض متطلبات الحياة وغلو المعيشة من الأسباب التي دفعته للاقتراض من البنك فهو رب أسرة مكونة من 7 أبناء في مختلف المراحل الدراسية، حيث يقول عن ذلك حسن إبراهيم جاسم 40 عاما: أنا من ضحايا الأسهم في السنوات الماضية، ولا زلت أعاني من انعكاساتها السلبية على حياتي يوميا، حيث سببت لي الكثير من المشكلات، أساسها حلم الثراء السريع الذي جعلني أغامر دون دراية تامة ببعض الأمور، فكانت النتيجة مأساة كبيرة، أعيش تداعياتها يوميا. ويضيف: حلم الثراء كان يتراءى لي في أحلامي لذلك لم اتردد إطلاقا في دخول السوق لاستثمار أموالي لتأمين مستقبل جيد لأبنائي، وكان لابد من المغامرة طبعا كان في بالي حساب الربح ولم أتخيل أبدا الخسارة. ويتذكر تلك اللحظات التي حصل فيها على قرض من البنك: على الفور حصلت على قروض بنكية وبعت ما أملكه من عقار، لكن كانت صدمتي قوية حين تعرضت الأسهم التي اشتريتها للخسارة، ومن هنا بدأت أزمتي المالية وأصبحت أعيش ضغوطا نفسية وصحية أثرت على أبنائي بل حتى على عطائي في العمل، وما يؤلمني أكثر هو أن ما يتبقى لي من راتبي بسيط للغاية، بالكاد يلبي احتياجات أبنائي الأساسية، فقد حرموا من احتياجات كنت أوفرها لهم دائما، ولم أعد كما كنت في السابق أشتري كل متطلباتي لأن إمكانياتي أصبحت قليلة لا أتحمل أي طارئ، والمؤسف أن هذا الوضع سيستمر لسنوات طويلة لهذا أنا أقف مكتوف الأيدي. إغراءات القروض احتياجات أسرتي تزداد يوماً بعد يوم، في حين أن وضعي المالي على حاله، والحياة المعاصرة تتغير بشكل متسارع، هذا ما يشعر به المقترض طالب مبارك موظف. ويقول عن تجربته التي يعيش همها ليلا ونهارا وكابوسا ينقص حياته «هناك مغريات وكماليات سيطرت على نمط حياتنا، فكلما اشترينا غرضاً للبيت أو حاجة لأحد الأبناء لنيل رضاهم وتحقيق رغباتهم واللحاق بركب أصحابهم ومجاراتهم في هذا العالم المتطور اندفعنا صوب البنوك التي زينت وسهلت الطريق أمامنا للحصول على الأموال التي تحل أي مشكلة، وإن كانت صغيرة فهي كبيرة بالنسبة لنا ولجيوبنا المثقوبة، وطبعاً يؤدي الأمر في النهاية إلى طريق الضيق والمعاناة نحاول أن نمر من دروبه الوعرة طوال الشهر، خاصة بعد دفع الأقساط. وأضاف: أصبحت أرقام وحسابات ميزانية البيت في الصادر والوارد، تظهر لنا كوابيساً في أحلامنا وهما ثقيلا يعشش في عقولنا، فمع سيل الإغراء والإشهارات المختلفة بالشوارع، وبوسائل الإعلام المكتوبة والمرئية التي تستخدمها معظم البنوك بتقديم قروض مع تخفيض الفائدة، أو بدون فائدة، وأمام الحاجة الملحة لهذه الأموال للتغلب على مصاريف الحياة من جهة، وللمساهمة في تخفيف بعض الأعباء المادية الطارئة، أصبح كل فرد في كثير من الأسر يقبل على الاقتراض بكثافة دون احتساب توابع ذلك. أمر اختياري وتسرد غدير عبدالعظيم، معلمة، رحلة أفراد عائلتها مع القروض، عشت حياتي أنا وزوجي على القروض من أجل بناء بيت يحمينا من حرارة الجو ويقينا من برودة الشتاء، وطوال فترة 8 سنوات والبنك يقتطع من رواتبنا، والحقيقة أن القروض هي من أجبرتني على ترك عشي الزوجي، رغم أني إنسانة تؤمن بأن الزوجة مكانها البيت حيث زوجها وأبناءها، ففي البداية لجأنا إلى القرض من أجل بناء البيت، لكننا عدنا إلى القرض فاقتنينا سيارة جديدة بديلة للقديمة التي آذتنا بمشكلاتها كثيراً، وصعوبة التصليح، على الرغم مما كان يكلفنا من نفقات باهظة، ثم تعود السيارة وتتعطل مرة أخرى. وأضافت: ثم وجدنا لهفة أبنائنا إلى السفر، فلم نرغب في كسر خواطرهم، وهكذا حتى أصبحت القروض أمراً لا بديل عنه في حياتنا، حتى وعيت على حقيقة حاجة زوجي إلى ضرورة مساعدته على سد احتياجاتنا الأسرية، مما تطلب مني الخروج إلى سوق العمل، وها أنا أعمل وأكدح مثله، من أجل القروض وليس من أجل مستوى أفضل لي ولأبنائي، مشيرة إلى أنها لا تؤمن برأي من يقول إن القروض أمر اختياري، له بدائل أخرى. عوامل اجتماعية الاستدانة من البنوك تعني أن يظل الإنسان أسيراً لها طوال عمره، يكدح من أجلها، وليس من أجل حياة أفضل له ولأسرته، هكذا بدأت شيماء غريب 29 عاما، مؤكدة أن قيام بعض البنوك بتشجيع المواطنين والمقيمين على الاقتراض من خلال التسهيلات الكبيرة والترويج لهذه التسهيلات بصورة جذابة لزيادة أعداد المقترضين لتوظيف السيولة الكبيرة الموجودة لديها، ولذلك نجد بعض البنوك تقدم عروضا مغرية لمنح المواطنين قروضا ضخمة بضمان الراتب الذي يحصلون عليه من جهات عملهم. وتضيف: هناك عوامل اجتماعية كان لها دور كبير في تعظيم حجم القروض الشخصية خاصة الاستهلاكية منها، وشيوع ثقافة الاستهلاك ومحاولة التقليد ومجاراة الأصدقاء والمعارف في المستوى الاجتماعي، لتستمر القروض والتعامل مع البنوك أمر لا بد منه، حيث يرى المقترضون أنفسهم مرغمين على الاستدانة، وذلك من خلال الحصول على قروض بنكية لتأمين مستلزمات الحياة. بينما يؤكد خليفة عبدالله هاشم أنه ضد القروض، لأنها تخل بوضع الشخص المادي مستقبلا، حيث يأخذ بعض الناس أكثر من قرض في آن واحد أحدها للكماليات وآخر للبناء وثالث للأسهم، مشيراً إلى أنه يعرف أحد الأصدقاء الذي اضطر إلى الاقتراض من أجل شراء بعض الأشياء غير الضرورية، والتي تعد ضمن إطار المباهاة والتفاخر، وحينما وجد نفسه عاجزاً عن السداد تحول من شخص متفائل ومحب للحياة، إلى آخر تشعر عند رؤيته أن كل مشاكل العالم يحملها، على كتفيه، حيث أصبح هذا القرض همه الشاغل وبات يتخبط بحساباته ويضرب أخماساً بأسداس عله يجد مخرجاً، مؤكداً أن البعض لا يكتفي بالسلفة بل نراه يشترك في بطاقات الفيزا أو الماستر وهنا تكثر الالتزامات على الراتب. مخاطر الاقتراض لكل شيء له ايجابياته وسلبياته، فحين تستخدم القروض الشخصية بشكل صحيح فإن ذلك يؤدي إلى تحقيق هدف، وعن ذلك يقول المهندس حسن الكثيري خبير في قضايا المستهلك: تبقى مشكلة القروض الشخصية معضلة تعاني منها المجتمعات كافة، حيث تهدد كل أطرافه من أفراد وجماعات، مشيراً إلى أن القروض البنكية التي يلجأ لها البعض من الأفراد تكون لحاجة ملحة كالسفر للعلاج أو بناء بيت أو مشروع تجاري أو الزواج، لكن البعض الآخر يلجأ من أجل المباهاة والتفاخر، إما للسفر أو الحصول على آخر موديل سيارة، ليصل بذلك إلى حياة يصفها بالكريمة في ظل مستوى دخله المادي، الذي لا يكفي للالتزام بها دون الحاجة إلى الاقتراض. ولفت الكثيري إلى أن حجم القروض في الإمارات وصلت إلى ما يقارب مليارات الدراهم في السنة ومعظمها قروض استهلاكية، موضحاً أن الاقتراض الشخصي له مخاطر عديدة، أهمها أن التعثر عن السداد قد يسحب الفرد المقترض إلى دوامة الاقتراض الجديد لسداد القديم، أو الاقتراض لتغطية خدمات القرض، ثم إن المقترض قد يعيش مقترضاً طيلة حياته، كما أن الاقتراض لتغطية نفقات شخصية يعتبر من أخطر مجالات الاقتراض، لأنه يدفع الفرد لتغطية فارق مستوى معيشي من خلال الاستدانة، وهذا الفارق يستمر معه طيلة حياته. طلب المشورة طالب المهندس حسن الكثيري الخبير في قضايا المستهلك بأن يكون هناك استشاريون يلجأ إليهم المقترض في حالة اقتراضه ليعرف ما له وما عليه لمعرفة أهم بنود القروض كنوع من طلب المشورة، مع فرض رقابة دقيقة على المصارف ووضع شروط لتحقيق التوازن بين الدائن والمدين، داعياً المؤسسات الإعلامية إلى زيادة حملات التوعية بالعواقب الوخيمة للقروض الشخصية على الأسرة والمجتمع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©